سذاجة توقع سقوط النظام السوري سريعًا
توقع الكثيرون في بداية الثورة السورية سقوط النظام السوري بسرعة، وذلك كما سقط قبله النظامين المصري والتونسي، فمن الواضح سذاجة الفكرة عند العودة للتفكير فيها، حتى بالمقارنة مع نظامي اليمن وليبيا الذين استغرقا حوالي سنة إلى سنتين ليسقطا، وبالرغم من سذاجتها إلا أنه يوجد في تاريخ الأنظمة الشيوعية والشمولية العتيدة بعض النماذج على السقوط السريع، وبخاصة سقوط جدار برلين ودول أوروبا الشرقية بما فيها الاتحاد السوفياتي ذاته فيما كان يُعرف بالستار الحديدي، فهل كان من المعقول توقع سقوط النظام السوري المروع بتلك السرعة؟ فإذا اعتبرنا أن سقوطه مثل سقوط نظام مبارك هو أمر من نسج الخيال فليكن على الأقل مثل سقوط نظام تشاوشيسكو الحديدي في دولة رومانيا مع قصة إعدامه الشهيرة، فإذا كان الأمر كذلك؛ وبالفعل قد سقط آنذاك العديد من هذه الأنظمة الشيوعية الوحشية أمام الثورات السلمية وأهازيج الحرية، فلماذا إذن بالذات كان حظ الشعب السوري عاثرًا إلى هذه الدرجة؟!
انتهاء البيريسترويكا والسقوط السريع للأنظمة
في فترة 2011 لم يكن من الواضح بعد أن سياسة البيريسترويكا في روسيا قد انتهت، والتي اشتهرت بالليونة والمهادنة، وذلك رغم أنها استمرت في الصين إلى ما بعد ذلك بسنوات، أما بالنسبة لأثرها على الدول الاشتراكية في العالم العربي، ففي عز وقتها إبان سنوات التسعينات، قيل من باب السخرية بأنها قد سقطت في البحر قبل أن ينتقل تأثير الدومينو الخاص بها إلى العالم العربي، وبقي الأمل بأن تصل البريستروكيا إلى الدول الاشتراكية في العالم العربي ضمن تطورها التاريخي، وهو الأمر الذي حصل بالفعل في فترة ما سُمي بربيع دمشق في سوريا، لكن الدول الاشتراكية في العالم العربي كانت بالأساس نسخة مخففة من الشيوعية بحيث ربما لم تستحق بنظرهم الحصول على بيريسترويكا كاملة، ويُعد ربيع دمشق حالة بيرسترويكا متأخرة ومؤقتة، إذ لم يحظى بفترة زمنية كافية ولا بزخم كبير من الدعم من حوله في المنطقة، وبالرغم من ذلك لربما كان تلك الفترة على قصرها هي الفترة الذهبية التي لو اندلعت فيها الثورة السورية لربما سقط النظام بطريقة أسهل، وذلك قبل أن تعود روسيا وإيران إلى قوتيهما وتعملان على التخلي عن سياسة البيريسترويكا الحمائمية.
مراحل الحمائم والصقور في روسيا وإيران
وقد كان من ضمن أهم الأمور الواجب أخذها بعين الاعتبار، هي دورات حكم الحمائم والصقور في كل من روسيا وإيران، فهما الدولتان الداعمتان بشكل رئيس للنظام السوري في بقائه مدة أطول. فعلى سبيل المثال، من الممكن اعتبار فترتي حكم غورباتشوف ويلتسن على أنها حمائمية بشكل نسبي، بحيث كانت قد تسمح بسقوط النظام السوري لو وقعت الثورة آنذاك في التسعينات، إلا أن قرب العهد بأحداث مجزة حماة قد جعل ذلك أمرًا صعبًا. وبينما مرت هذه المرحلة، جاءت بعدها فترة حكم بوتين بكل الوحشية التي مارسها في الشيشان في رئاسته بدءًا من سنة 2000، مما قلل من فرص نجاح الثورة عندما وقعت، وخاصة أن بوتين هو من الصقور الذين كانوا بالأصل رافضين لسقوط الاتحاد السوفياتي والأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية بعكس غورباتشوف. كما أن من المفيد قليلًا الحديث عن إيران، إذ تميزت مرحلة الرئيس خاتمي الإصلاحي 2001 – 2009 بأنها مرحلة تهدئة، بينما اتسمت مرحلة أحمدي نجاد 2009 – 2013 بالهمجية، وتظل هذه التصينفات بين حمائم وصقور أقرب إلى دعايات إعلامية أكثر من كونها حقائق مثبتة.
الجغرافية الاستراتيجية والقرب من إسرائيل
يُعتقد بأن الموقع الجغرافي الذي يحتله النظام السوري هو موقع استراتيجي، وبالرغم من عجزه عن تحقيق أحلام توسعية لصالح المعسكر الشرقي بسبب الحصار الغربي عليه، إلا أنه على الأقل قد نجح في تعطيل هذا المكان الجغرافي من تحقيق النهضة والازدهار لصالح المنطقة والشعوب العربية أو لصالح الرأسمالية والعالم الغربي كما بعتقد الاشتراكيون. أما من وجهة نظر إسرائيلية، فإن الأمر قد يكون أكثر مما يُشاع بأن حافظ الأسد ومن بعده بشار قد حافظا فقط على هدوء الحدود مع إسرائيل! إذ ليس من المستحيل أن يكون النظام البديل أفضل لهم من ذلك في ظل شيوع وانتشار مبادئ ومبادرات السلام العربية منذ أكثر من عقدين على الثورة السورية. ولكن يظن بعض المراقبين والمحللين بأن النظام السوري البعثي الذي قد سلم الجولان مجانا لإسرائيل؛ من شأنه ليس فقط التخلي عنه مجانا بلا مقابل، بل أيضا أن يعطي لإسرائيل المجال للتوسع مرة أخرى إذا احتاج الأمر، وذلك لتطبيق عقيدتهم بالتوسع بين الفرات والنيل، في المقابل لا تسمح اتفاقات السلام المعلنة مثل اتفاقية كامب ديفيد مع مصر ووادي عربة مع الأردن لإسرائيل بالتمدد الجغرافي، وذلك بالرغم من التبادل الدبلوماسي والانتفاح السياسي والاقتصادي.
زاهر طلب
20/11/2020