هذا المقال من موقع الراصد المتخصص بالفرق الإسلامية، يتميز هذا المقال بأنه حاول أن يقيم معظم مواقف الدول العالمية من الثورات العربية، وليس موقفا واحدا كما جرت العادة، كما يقدم اقتراحا بنشر العدل كأساس لحل مشاكل الدول العربية في محاولتها الموازنة بين مطالب الشعوب المحقة وبين المخططات الخارجية خاصة المخططات الإيرانية.
الراصد نت | مع الثورات العربية
سقوط أقنعة النفاق
كشفت الثورات العربية المتنقلة بين تونس ومصر والبحرين وليبيا واليمن والعراق وسوريا عن حقيقة مواقف العديد من الجهات والدول والأفكار والتيارات، ويمكن أن نعدد من ذلك ما يلي:
1- كشفت هذه الثورات عن حقيقة مزاعم إيران بدعم المستضعفين في العالم، وحقيقة الثورية الشيعية التي يتفاخرون بها، وحقيقة طائفية حزب الله اللبناني، وذلك بمواقفها المتناقضة والمتصادمة والتي أيدت بوضوح بل حرضت الثوار في مصر وتونس والبحرين واليمن، لكن هذا الموقف تغير في العراق وليبيا وسوريا، فضلا عن إيران نفسها.
فالثورة المصرية التي حاول المرشد الإيراني علي خامنئي أن يُدخلها في عباءة الولي الفقيه أصبحت ثورة ظالمة وآثمة في العراق وسوريا وليبيا!!
والمتابع للإعلام الإيراني والشيعي بمختلف جنسياته يلاحظ حالة التناقض وانعدام المهنية والموضوعية في تغطيته للأحداث، فقد نتفهم حنقه وغضبه من قلب البحرين الطاولة على المتآمرين في دوار اللؤلؤة فيستميت في الدفاع عنهم بالباطل على الرغم من أن شيعة البحرين لم يلتزموا بسلمية الاحتجاجات، قد نتفهم هذا لكن ما لا يمكن فهمه بأي حال من الأحوال هو تغاضيه المطلق عن جرائم حليفه السوري الذي قتل من شعبه مئات الأضعاف مما قُتل في البحرين!! وليس التغاضي فحسب بل تبرير هذه الجرائم!! ، بل تؤكد المعارضة السورية مشاركة قوات إيران وحزب الله في قمع المتظاهرين.
هذا الموقف المنافق والمخادع كشف الحقيقة الإيرانية والشيعية المتناغمة معه – إلا أفراداً قلائل شذوا عن ذلك – والغريب أن كثيراً من أنصار إيران صمتوا على هذا النفاق، لكن الجماهير صرخت بسقوطهم جمعياً.
2- كشفت هذه الثورات عن جهل وتناقض وتلاعب الغرب وخاصة أمريكا بشؤون المنطقة، فقد سارعت بالتخلي عن شركائها (بن علي، مبارك، البحرين) حسب قراءة الكثير من الناس، في الوقت الذي أخذت فيه نفساً عميقاً تجاه من تعتبرهم من خصومها مثل: إيران والقذافي وبشار، وأرسلت أمريكا خلال هذه الثورات العديد من الرسائل المتناقضة وغير المفهومة، مما حير أصدقاءها قبل خصومها، ولعل موقفها المنزعج من إرسال قوات درع الجزيرة للبحرين وإن وافقت عليه لاحقاً، مثال على تخبطها، فهل كانت تريد من دول مجلس التعاون الخليجي الجلوس والانتظار حتى سقوط البحرين في يد إيران!؟ والغريب أن سياسة أمريكا منذ عقود تقوم على منع وقوع التهديد وليس معالجته والذي على أساسه شنت الحرب على العراق!! وهذا الموقف الأمريكي يدلل على مدى قوة تأثير اللوبي اليهودي على السياسات الأمريكية.
3- كشفت هذه الثورات عن حقيقة المحاور الدولية والفكرية القائمة اليوم، فدفاع روسيا والصين وفنزويلا وبعض دول أفريقيا وسوريا وإيران والعراق عن القذافي بكل وسيلة، وهو عين الموقف الروسي والصيني الذي تكرر في مجلس الأمن بخصوص منع إدانة جرائم النظام السوري تجاه شعبه، يعلن وبكل وضوح عن الرابطة اليسارية الثورية التي لا تزال تحكم هذه الدول بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذا ينطبق على الأبواق الصحفية والإعلامية التي تدافع وتنافح عن العقيد القذافي والرئيس بشار الأسد!!
4- كشفت هذه الثورات عن مهنية وموضوعية وتوجهات وسائل الإعلام العربية والعالمية، فسقطت أوراق التوت والأقنعة عن بعض وجوه هذه الفضائيات الكبرى، وأصبحت الشعوب تدرك حجم اللعبة الإعلامية القذرة التي تدور أمام أعينها في كل لحظة!!
5- كشفت هذه الثورات عن حلفاء إسرائيل الحقيقيين، فالموقف الإسرائيلي الداعم عسكرياً وسياسياً للقذافي وبشار الأسد، يؤكد حقيقة لطالما أخفيت وهي أن إسرائيل مدينة بوجودها وقوتها للأنظمة الثورية العربية، والتي عملت على إلهاء الشعوب بالشعارات الرنانة ومن ثم قتلهم، إما بالحروب الخاطئة كحرب مصر مع اليمن أو الثورات والانقلابات أو الحروب الفاشلة والقائمة على الخيانة مع إسرائيل، والنتيجة شعوب عربية ضائعة وإسرائيل تنمو وتكبر، ويكبر معها الشعارات والخطابات، وهو الدور الذي يلعبه اليوم الثوار الشيعة في إيران ولبنان.
العدل هو الحل
تبين من خلال هذه الثورات أن العدل وأداء الأمانة هما الحل وصمام الأمان لما تعانيه أمتنا، فلو كان العدل وأداء الأمانة هو السائد في دولنا لما تردّت الأمور لهذا المستوى، فالظلم والفساد والحرمان والتخلف بشتى صوره وأشكاله سواء كان على مستوى الراعي أم الرعية، لا يجتمعان تحت سقف واحد مع العدل وأداء الأمانة.
والعدل وأداء الأمانة الذي تطالب به الجماهير أن يُحترم خيارها بتولية الصالحين وأهل الثقة في أمورها، وأن تُفعّل الدساتير الوطنية وتحترم وعلى رأس ذلك احترام دين الجماهير والدول وهو الإسلام من خلال تعديل أو إلغاء كل ما يتعارض مع ذلك من قوانين وأنظمة وسلوكيات وواقع.
والعدل الذي تطالب به الجماهير أن تتساوى في السرّاء كما تتساوى في الضراء، فرغم أن أمتنا تملك الكثير من الثروات إلا أنها لا تنعم بها بالشكل الصحيح، فلماذا تبعثر ثروة ليبيا على الثورات الإرهابية والفاشلة في العالم في الوقت الذي يعيش ويموت فيه الشعب الليبي فقيراً.
والعدل الذي تريده الشعوب هو أن تحترم قوتها وقضاياها فلا يجوز أن تبقى الأمة تحت رحمة الآخرين ومطامعهم، ولا يجوز أن تبقى إسرائيل تعربد وتبطش بالفلسطينيين دون حسيب أو رقيب، قد لا يكون هذا زمان الحرب مع إسرائيل لكنه زمان وقف تزايد الاعتداءات على ما تبقي من القدس والأقصي وفلسطين، لماذا تبقى إسرائيل لا تعبأ حتى بمسيرة السلام العربية؟! إذا اعتدلت الموازين في فلسطين اعتدلت المنطقة واعتدل العالم.
العدل وأداء الأمانة هما روح الشريعة الإسلامية، بتطبيقهما واقعاً من العباد وعلى العباد، رعاةً ورعية، ننعم بالأمن والأمان وتقوى لحمتنا ووحدتنا، وبذلك سينسحب البساط من تحت أقدام كل الطامعين بنا كإسرائيل والغرب وإيران، فبالعدل وأداء الأمانة لن يجدي تحريض كل من إسرائيل وأعوانها للحكام على شعوبهم، ولن ينفع تحريض إيران للشعوب والتجمعات الشيعية فيها على حكامهم.
إن ورقة الشيعة التي تلعب بها إيران بالعدل فقط نبطلها، وليس العدل إعطاءهم حقوقهم بل من العدل أيضاً أن لا يأخذوا فوق حقوقهم شيئاً!! في البحرين مطالبة السنة بحقوقهم بين السلطة والشيعة هو ما عدل الميزان، فليست البحرين آل خليفة وشيعة فقط، وهو ما يصوره الإعلام الإيراني والشيعي، السنة في البحرين مظلومون من الشيعة والسلطة وإعطاؤهم حقوقهم وتطبيق العدل معهم هو الذي يحفظ البلاد.
العدل يجب أن يسود جميع الناس مهما كانت ديانتهم وطائفتهم، فلا استثناء في العدل، وبهذا تحل قضية الطائفية في أمتنا اليوم، كما حلت من قبل. فهل بقي اليهود والنصاري وغيرهم في بلادنا إلا بالعدل!! وهل بقي الشيعة والنصيريون والدروز بيننا إلا بالعدل!!
أظهرت هذه الثورات دوام خيرية هذه الأمة التي نطق القرآن الكريم بها، فرأينا التعاون والتضامن ورفض الظلم وطلب العدل، ورغم توالي الانكسارات والهزائم فإن كل هذا لم يحُل دون تفجر الغضب الشعبي بروحه الدينية، وعاد عيد المسلمين الأسبوعي يوم الجمعة ليكون هو اليوم التي تنتظره كل الشعوب.
أسقطت هذه الثورات دعاوى جماعات الغلو والتشدد المسلحة (القاعدة)، وحزب التحرير (الإنقلابات)، وأثبتت أن العمل الشعبي هو الذي قام بالتغيير.
الثورات العربية فضحت النفاق والمنافقين وتبحث عن العدل والصدق والأمانة والعادلين، وعلى الفرد منا أن يختار موضعه بين فسطاط النفاق وفسطاط العدل.