من العجيب حقا أنه كلما ازداد الضغط العربي والعالمي والغربي والأمريكي على إسرائيل لتدخل في مفاوضات السلام النهائية وخاصة القدس والحدود، فإنها تتصرف بغباء وسذاجة لا تصدق، فتزداد بناء للمستوطنات وتزداد إرهابا واضطهادا وعنصرية تجاه الشعب الفلسطيني الصامد وغير ذلك من تصرفات عنجهية حمقاء من شأنها أن تكون سببا في انقلاب الدعم الغربي لها إلى دعم للعرب، كل هذا بدلا من أن تلين للضغوط وتقبل بعملية السلام حفاظا على وجودها وقبولا بأقل الضررين، فلماذا تتصرف إسرائيل هكذا؟ ما هو السر.
لو عدنا للعقيدة اليهودية نجدها تأمرهم بإقامة إسرائيل الكبرى، أي بالتوسع بدلا من التقلص، وهذا من أهم الأسباب الرئيسة، ولكنه غير كافي ليجعلها تجازف حتى على مستوى وجودها، لأنه يمكن لهم القبول بالوضع إلى أن يتم لهم السيطرة على العالم فيقيمون إسرائيل الكبرى، حقا إن في الأمر سرا وكما قلنا مرة في موضوع كيف نبدأ بهم الواقع الجزء 2 إننا لا نعرف حقيقة ما يجري، إلا من حصول بعض التسريبات، وأكدنا أن مثل هذه الأخبار لا يتم ذكرها في الصفحات الأولى ولا يتم تضخيمها، منها تصريح وزير الخارجية ليبرمان في بداية استلامه حقيبة الخارجية، حيث صرح بأن المبادرة العربية للسلام هي عبارة عن وصفة للقضاء على إسرائيل، وهذا طبعا ليس بالأمر الجديد فهذا أمر يعرفه كثيرون من القادة العرب.
وكما قلنا فقد تم التعتيم على التصريح والخبر ولم يتم إعادة ذكره، ولكن الحمد لله انه ظل موجودا ولو أنه مطوي في زويا مهملة في التاريخ إلا أنه يدل على الحقيقة، فبمجرد توقيع إسرائيل للسلام مع كافة جيرانها ينتفي عند الغرب وأمريكا أي مبرر لكثرة تسليحها، كما ينتفي أي مبرر لمنع تسليح العرب وبيعهم السلاح، وينتهي التعاطف الغربي مع إسرائيل، كما أن اليهود يعلمون جيدا أنهم كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم، فهم لا يثقون بأنفسهم بأنهم قادرون على الاستمرار في معاهدة السلام، إنهم على يقين بانهم سوف يخونون المعاهدة في فترة ما بعد تحول الدعم الغربي عنهم، وعندها ستكون حتما نهايتهم.
ولذلك فقد أيقنت إسرائيل أنها منتهية وزائلة حتما عاجلا أم آجلا، خاصة في هذه الفترة التي توجد تشهد عزم الإدارة الأمريكية على إقامة حل نهائي بتأييد من كثير من دول الغرب وكذلك من كثير من قادة اليهود الأمريكيين، فقررت إسرائيل أن تجازف برفض السلام واستفزاز العرب والشعوب العربية بأعمالها الإجرامية وبناء المستوطنات والهجوم على غزة والهجوم على أسطول الحرية، كل هذا لتزداد الشعوب العربية غيظا وكراهية ضد عملية السلام الذي لا ندرك أنها ستقضي على إسرائيل، إننا يجب أن فهم الواقع إذا أردنا أن ننتصر وننهض ونتحرر، فهذا من أكبر الأمثلة على أهمية فقه الواقع، وكيف أدى قلة فهمنا للواقع لنتائج عكسية، فأصبحنا نفعل ما يريده العدو لنا فعلا تماما وكأننا دمى يتلاعب بنا، ألا يجدر بنا أن نفكر؟ إذا كانت إسرائيل تبالغ وتستميت في أعمالها الرافضة للسلام، فهل من المعقول أن نؤيد رغبتها في رفض السلام؟ بل نخون ما يمشي للسلام؟ أم ان الأصل هو أن نرفض ما يريده عدونا ونرغمه على فعل يكره؟ دعونا نفكر بهدوء ونعيد النظر لعلنا نغير أحوالنا ونبدأ في طريق الوصول للنصر.
إن شره حكومة نتنياهو للإستيطان خاصة في القدس ومحاولته التأجيل قدر ما يستطيع ولو بعدد من الأيام، من أجل أن يقضموا أكبر عدد ممكن من أرض القدس، يعد مؤشرا قويا يدل على وجود حل نهائي يلوح في الأفق سوف تفرضه أمريكا على إسرائيل، وهذا يعني أنه يجب علينا الإسراع في عملية السلام بدلا من الرفض، ولا يعني هذا أنه بحتمية وقوع الحل حالاً، فالتخطيط والمكر اليهودي قد يفاجئنا بما ليس في الحسبان من طرق جهنمية للحصول على مزيد من التأجيل ومزيد من القضم، ولكن النهاية آتية عليهم عاجلا أم آجلا إن شاء الله.