الاشتراكية العربية و علاقاتها السرية بإسرائيل

تجسيداً لنصوص وتصريحات المسؤولين الشيوعيين السوفييت، بأن دعم السوفيت للاشتراكية العربية لن يضر بأمن إسرائيل إنما العكس، فقد برهنت وأكدت الحروب التي خاضتها الدول العربية الاشتراكية المواجهة لإسرائيل علاقتها القوية باليهود من خلال العديد من المسرحيات منها:

الاشتراكية المصرية والاشتراكية السورية

حيث تم إعطاء أوامر الانسحاب للجيش العربي المصري المغلوب على أمره  في الساعة الأولى من بدء الحرب، في الأعوام (1956([1]) و1967([2]) ). وإعطاء أوامر الانسحاب للجيش السوري على الجبهة السورية ([3]) . وقد ذكر فؤاد كرم  انسحاب القوات السورية من مرتفعات الجولان([4]). كما وقد أورد فؤاد كرم نكتة طريفة كما سماها هو، قائلا: ((أما الأمر الطريف فهو الإعلان عن سقوط الجولان واحتلال القنيطرة. لقد وقف مندوب البعث السوري في مجلس الأمن الدولي يعلن احتلال القنيطرة يوم الثامن من حزيران ويشن أعنف هجوم على إسرائيل، بينما وقف مندوب إسرائيل ينكر ذلك ويؤكد أن المعلومات التي تلقاها منذ لحظات، من حكومته تجزم أن القوات الإسرائيلية لم تتحرك حتى الساعة داخل الأراضي السورية))([5]). وليس غريباً بعد هذا أن تعارض إسرائيل الرغبة الأمريكية بتغيير النظام البعثي الاشتراكي في سوريا([6]).

الاشتراكية في العراق

يقول حردان التكريتي وزير الدفاع العراقي السابق، بخصوص اتفاقية عدم الاعتداء بين حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، وإسرائيل:

((فقد كانت خطتنا على أساس ضرورة التعاون مع الملك حسين لضمان بقاء الجيش العراقي في الأراضي الأردنية، ليس تحسباً لهجوم إسرائيل على العراق، فقد اتفقنا مع إسرائيل بعد شهر من انقلاب 30 تموز، وبالضبط في 29/آب/ 1968، على عدم شن أي هجوم على جيشنا أو على العراق، مقابل عدم اشتراك الجيش في أية عملية ضد إسرائيل، أو في صد أي هجوم على الأردن، وفي مقابل السماح لليهود العراقيين بالهجرة إلى إسرائيل عن طريق قبرص. هذا الاتفاق الذي تم بيننا وبين إسرائيل عن طريق عفلق([7]) و(اللورد سيف) عميد الصهيونية في لندن، في مدينة باريس قد احترمه الجانبان حتى الآن، فلم تشن إسرائيل أي هجوم بعده على جيشنا، ولم يشترك هذا الجيش في أية عملية ضد إسرائيل، كما أعطى الرئيس في بيان رسمي كل حقوق المواطنة للجالية اليهودية بما في ذلك حق الهجرة إلى خارج العراق، أي إلى إسرائيل. وإنما كنا نريد بقاء الجيش هناك لاستكمال سلسلة مؤامرات كنا نقوم بإعدادها للقيام بانقلاب عسكري ضد الملك، بتدخل من القوات العراقية))([8])، انتهى.

الحرب العراقية الايرانية

أما بخصوص الحرب العراقية الإيرانية، وهما دولتان اشتراكيتان، فقد صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن خلال زيارته لواشنطن: ((بأن الحرب بين العراق وإيران تخدم المصالح الإسرائيلية، وتسمح لإسرائيل بتعزيز موقعها في المنطقة))([9]).

الاشتراكية في الأردن

أما في الأردن البلد غير الاشتراكي، باعتباره من أهم الدول الواقعة ما بين الفرات والنيل، فقد ((أصبح على الساحة الأردنية اثنتا عشرة منظمة (اشتراكية) تدعي كل واحدة منها بأنها المنظمة الوحيدة المؤهلة لقيادة مسيرة التحرير. علماً بأن أياً منها لم تكن في وضع يمكنها من التفكير في ذلك الهدف النبيل. لقد كانت جميعها تتسابق على إثارة الفرقة والتناحر، وزرع البلبلة والفوضى، بهدف إسقاط النظام الأردني))([10]).  هذا وقد حاول العدو الصهيوني احتلال الأردن عام 1968، فمني بشر هزيمة، وخرجت بعدها الإشاعات المغرضة تحاول قلب النصر إلى عمالة للعدو، تماماً كما فعلوا بالنصر الذي حققه الجيش المصري بقيادة الرئيس غير الاشتراكي أنور السادات.

الإشتراكية في لبنان

أما في لبنان، فقد تنبأ الكاتب فؤاد كرم في عام 1970، ما سيحل بها على أيدي الاشتراكية العربية مستقبلاً، وخاصة بعد ما مكنت الاشتراكية العربية إسرائيل من احتلال الأراضي العربية عام 1967 م، فقال: ((أما المعركة الحقيقية فقد تدور بين الأردن ولبنان والعراق وسوريا على الأرجح، إذا لم تتكرر مأساة الجولان . وقد يكون لبنان أتونها المضطرم. فيبدأ الهجوم الإسرائيلي عليه ليواجهه هجوم بعثي ـ اشتراكي ـ شيوعي ـ فدائي، قد يغرقه في فتنة تمهيداً للتسلط على الحكم، أو أن المؤامرة الشيوعية الاشتراكية تبدأ فتتحرك إسرائيل بحجة الدفاع عن سلامة حدودها وتحتل جنوب لبنان… أما سوريا، فلا تحسب لها إسرائيل أي حساب. ولنا في حكاية الجولان وحرب 1967 خير مثال. وقد ألمح رئيس جمهورية لبنان الأسبق كميل شمعون إلى هذه الفتنة عندما قال في كلمة ألقاها في مؤتمر الطلاب الأحرار الذي عقد في 9/9/1969: تهدد لبنان أخطار خارجية وأخطار داخلية. فلبنان اليوم يواجه معركة مصير. فالخطر الداخلي يأتينا من اللاجئين والفدائيين والماركسيين والشيوعيين. بينما يوثبنا على الحدود خطر إسرائيل. ثم دعا الفدائيين بألا يكونوا أداة لاقتطاع جزء من أرض لبنان الجنوبي وضمها إلى إسرائيل))([11])، انتهى

وعن نوايا إسرائيل في إسقاط الدول العربية المعتدلة غير الاشتراكية وربطها بالاشتراكية العالمية تمهيدا لاحتلالها، يقول الكاتب فؤاد كرم كذلك: ((ونشرت مجلة (وول ستريت) الوطيدة الصلة بالسوق المالية في نيويورك تقريراً مسهباً عن الأوضاع في الشرق الأوسط جاء فيه, نقلا عن مصادر مطلعة في الحكومة الأمريكية:  تنشط إسرائيل حالياً لنسف الأنظمة المعتدلة في لبنان والأردن والمملكة العربية السعودية والكويت، وجر هذه الدول إلى محور الاتحاد السوفيتي. عند ذلك تظل إسرائيل وحدها قاعدة للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط))([12]).

وأضافت المجلة قائلة: ((إن الأحداث التي يشهدها لبنان تعزز هذا الاعتقاد))، وقيل أيضاً: ((إن إسرائيل تتعاون مع الاتحاد السوفيتي في هذا المجال، ضد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية بعدما نالت ضمانات سوفيتية مؤكدة لتكريس وجودها وحل القضية الفلسطينية عن طريق الأخوة الاشتراكية القائمة بين العرب واليهود))([13]).

عدنان الصوص


([1])  عن كتاب ((شاهد على حرب 67))، للفريق صلاح الدين الحديدي (ص56، 207).

([2])  ((شاهد على حرب 67))، للفريق صلاح الدين الحديدي (ص56، 204، 206، 208، 210). و((الأردن في حرب 1967)) د. سمير مطاوع، الفصل الخامس (ص117- 149)، ط/1، 1988.

([3])  راجع كتاب ((سقوط الجولان))، لمؤلفه خليل مصطفى، ضابط استخبارات الجولان، ط/1، 1970، دار اليقين/عمّان. و ((الحركات القومية الحديثة في ميزان الإسلام))، لمؤلفه منير محمد نجيب، (ص98-112، 123)، وفيه ينقل اعترافات ابن حزب البعث، سامي الجندي وغيره.

([4])  ((وضاعت الجولان))، للمؤلف فؤاد كرم، (ص 111)، ط/3، 1970.

([5])  ((وضاعت الجولان))، للمؤلف فؤاد كرم، (ص113)، ط/3، 1970.

([6])  جريدة الدستور الأردنية بتاريخ 4/10/2005، تحت عنوان: (هآرتس: واشنطن استشارت إسرائيل بشأن تغيير النظام السوري)، فكانت النتيجة أن إسرائيل ((تفضل نظاماً يديره بشار الأسد ويخضع لضغوط متزايدة من المجتمع الدولي، بدلاً من أن يتولى السلطة طغمة عسكرية متطرفة)).

([7])  مؤسس حزب البعث، واسمه ميشيل يوسف عفلق، تظاهر أبوه اليهودي يوسف عفلق بالنصرانية لحاجة في نفسه.

([8])  ((مذكرات سياسي عراقي))، بقلم حردان التكريتي، وزير الدفاع العراقي السابق، بعنوان (كنا عصابة من اللصوص والقتلة خلف مليشيات صدام  للإعدام) (ص56- 57)، طبعة الزهراء للإعلام العربي، سنة 1990.

([9])  ((الحرب المشتركة، إيران وإسرائيل))، للمؤلف حسين علي هاشمي، (ص31).

([10])  ((الفدائيون بين الردة والانتحار))، (ص119- 120)،الطبعة الأولى .

([11])  ((وضاعت الجولان))، للمؤلف فؤاد كرم، (ص 20- 21)، ط/3، 1970.

([12])  نعم ومن ثم يقوم الاشتراكيون كما فعلوا سابقا، بمعارك مصطنعة لتسليم ما بقي من أراضي ما بين الفرات والنيل لإسرائيل.

([13])  ((وضاعت الجولان))، للمؤلف فؤاد كرم، ص 21- 22، ط/3، 1970.

Scroll to Top