ملاحظة: هذا المقال خاص بحالة سوريا، ولا يجوز إسقاط هذه الحالة على دول أخرى.
من أين وكيف بدأت الديكتاتورية؟
لكي نتخلص من الديكتاتوريات لا يكفي أن نقوم بثورات لإسقاط الأنظمة الديكتاتورية، فهذه الأنظمة هي فقط قمة جبل الجليد، وهي لم تأت من فراغ، ولهذا نجد أن ما حصل في الثورات هو استبدالها بديكتاتوريات أخرى، فلماذا حصل ذلك؟ ولماذا تمكن المتسلقون من سرقة الثورات وأقاموا أنظمة ديكتاتورية أخرى؟ ولهذا السبب فمن الضروري معرفة من أين بدأت وكيف أتت هذه الديكتاتوريات.
لكن الأمر ليس بهذه السهولة، ولهذا سأضرب على ذلك مثالا مبسطا، فقد انتشر على الفيسبوك رسمة بسيطة توضح كيف بدأت وانتشرت ظاهرة الشوارع المتسخة، وكيف يظن الناس بعد فترة بأنهم عاجزون عن حل هذه المشكلة رغم أنهم هم أنفسهم السبب وراءها، أنظر الصورة المرفقة.
إن الديكتاتورية هي أيضا هكذا تتجمع بطريقة مشابهة، وذلك من تصرفات فردية قمعية تشمل معظم المجتمع، تتجمع في النهاية بعد فترة طويلة لتكوّن في السلطة النظام قمعيا ديكتاتوريا.
“جاء في الأثر: [كما تكونوا يول عليكم] يعني: أن الله يولي على الناس على حسب حالهم، وهذا الأثر وإن لم يكن صحيحاً مرفوعاً إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكنه صحيح المعنى، اقرأ قول الله تعالى: وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً [الأنعام:129] أي: نجعل الظالم فوق الظالم، بماذا؟ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأنعام:129] فإذا ظلمت الرعية سلطت عليها الرعاة، وإذا صلحت الرعية صلح الرعاة، وكذلك بالعكس: إذا صلح الراعي صلحت الرعية.”
فاذا ثار الشعب ولم يصلح نفسه فسوف يفشل في ثورته أو في تحقيق أهدافه منها حتى يصلح نفسه، وإلا سيستبدل استبدادا بآخر كما حصل في مصر، وربما في سوريا قد نرى حكم دولة القاعدة – لا سمح الله -، فلذلك أرجو أن نصلح ونثور على أنفسنا أولا.
ولكن ما هي الآلية التي تتجمع بها الديكتاتورية من تصرفات معظم أفراد المجتمع حتى تصل للنظام الحاكم؟ فلنسأل قبل ذلك أنفسنا: من هؤلاء الناس الذين يتكوّن منهم النظام والحكومة والشرطة والجيش وألخ…؟ أهم رجال آليين؟ أم هم مخلوقات أخرى غير بشرية؟ أليسوا هم أخي وأخوك وابن عمي وابن عمك؟ بالتأكيد إنهم جزء من الشعب قبل أن يكونوا جزءا من النظام، ثم كيف تسلط عليهم ذلك الطاغية رأس النظام؟ ألا يحتاج لأنصار وأعوان على الظلم والبطش؟ فهو وحده لا يقدر على السيطرة على كل الدولة والشعب، فهو بشر وليس بإله!
أما في حالة سوريا، فما الذي مكن الأقلية من رقاب الأكثرية؟ في الواقع وبرغم كل المؤامرات فإن هذا مستحيل لولا تخاذل وتواطؤ كثير من الفاسدين من الأكثرية في البداية وحتى الآن أيضا لا زالوا كذلك، فلو كان مؤيدوا النظام هم العلويون فقط فسوف يسقط النظام في سوريا إلا مناطق العلويين على الأكثر، وهؤلاء بدورهم إما يبقون عبيدا له أو يثورون عليه، فالخيار لهم. فماذا نحن فاعلون؟ علما أنه الآن يجب أيضا أن ندفع ثمن التخاذل في الماضي للتخلص من الطاغية ونظامه، ولكننا دفعنا في الثورة أكثر من الثمن فلم يسقط، وذلك لأنه لم تحصل أيضا ثورة إصلاح على الذات في الداخل، فنحن للأسف لا زلنا شعبا فاسدا يحب قضاء حاجاته بدفع الرشوة! ونعمل على قمع مخالفينا بالرأي! وننظر باحترام للقوي ولو كان ظالم وليس لصاحب الحق إن كان ضعيفا! إنه مصداق الحديث: “… كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكرا والمنكرَ معروفا”، فيجب أن نتغير لينصرنا الله.