العلاقات الحميمة بين الإخوان والشيوعية: حزب التحرير والناصريين

كانت ولا زالت العلاقة بين حركة الإخوان المسلمين – التي تمثل الإسلام السياسي – والحركات الشيوعية واليسارية والاشتراكية علاقةً معقدة وغامضة، إذ تبدو أحياناً علاقة تنافر ورفض متبادل، إلا أنها تبدو في كثير من الأحيان علاقة تعاون وتكامل مهما شابها من خلافات! فما هي حقيقة العلاقة بين الإخوان المسلمين والشيوعية أو اليسار؟ وكيف نجح كل منهما في استغلال الآخر لتنفيذ أجندته في أدوار تاريخية مختلفة؟ وكيف تحقق بينهم تقاربٌ كبير في الأهداف والأجندات بحيث أصبح الإخوان هم البديل الثوري لدى كثير من نخب اليساريين بعد أن كانوا يعتبرونهم رأسماليين وأعداء، وبالعكس أيضاً، كيف أصبح الإخوان يعتبرون اليساريين سنداً لهم؟

علاقة الإخوان والشيوعيين قديماً

عندما كانت جماعة الإخوان حديثة العهد بأفكار مؤسسها حسن البنا، كان يغلب عليها أفكار الإصلاح ضمن مظلة الأنظمة القائمة، كما كان الشيوعيون وقتذاك لا يزالون متمسكين بالإلحاد ومحاربة كافة أشكال الدين والتدين، فعملوا على تصنيف الإخوان بأنهم جماعة دينية ورجعية رأسمالية، مما وضع الأنظمة الملكية في مصر والسعودية والأردن وغيرها، في حالةٍ من التحالف وتقاطع المصالح في مواجهة الخطر الشيوعي الراديكالي المشترك. فما الذي غير من أفكار الشيوعيين حول الدين والنظام الاقتصادي الرأسمالي حتى صار لا مشكلة لديهم من التقارب مع الإخوان؟ وما الذي غير الإخوان حتى انفضوا عن الفكر الإصلاحي واعتنقوا الأفكار الانقلابية والثورية فأصبحوا قريبين من اليساريين ومصطدمون بالأنظمة العربية القائمة؟

الاختراق اليساري للإخوان

بعد أن كان الإخوان معروفون بمنهج الإصلاح والتربية، وبعد أن كان شعارهم “أقم دولة الإسلام في قلبك تقم على أرضك”، نجح الفكر اليساري الماركسي والثوري في التغلغل في العقل الإخواني، وليس الحديث هنا عن اليسار الإسلامي الماركسي الصريح، ولكن عن الإسلام السياسي المعتاد، لكن بعد أن تم إعادة توجيه البوصلة السياسية لديهم بحيث صارت تصب في العمل الثوري بدلاً من الإصلاحي، وفي التحالف مع القوى اليسارية بدلاً من محاربتها، وفي الاصطدام مع الأنظمة بدلاً من التعاون معها. وقد تعددت بشكل كبير الأحداث والمناسبات التاريخية الكبرى التي حصلت فيها الاختراقات اليسارية للإخوان المسلمين.

اختراق حزب التحرير للإخوان

تعد قضية التغلغل الفكري لحزب التحرير في صفوف الإخوان المسلمين عملية معقدة وشائكة، وذلك من نواحي عديدة، فبعض الإخوان المسلمين ينكرون ذلك أو لا يصدقونه، وبعضهم لا يعتبر هذا اختراقاً وإنما هو من أساسات فكر الإخوان، كما أن الاختراق قد يحصل عفوياً بطبيعة الحال بحكم الاختلاط والتلاقح الفكري، وانتقال كثير من الأفراد من حزب التحرير إلى الإخوان وبالعكس، ولكن السؤال الأهم هو ما هي علاقة حزب التحرير بالفكر اليساري؟

يُعد حزب التحرير حزباً سياسياً إسلامياً في شعاراته، وعلى الرغم من رفضهم المعلن للفلسفة الشيوعية (الجدلية المادية) وقيام الشيخ النبهاني مؤسس الحزب بتأليف كتاب في الرد عليها، إلا أنه في واقع الأمر فإن الحزب يتبنى أجزاء جوهرية أخرى من الفكر اليساري عدا تلك المتعلقة بالإلحاد والنظرة المادية البحتة، فهو حزب ثوري راديكالي، لا يرى إمكانية الإصلاح من خلال الأنظمة القائمة، وهذه فكرة ماركسية يسارية بحتة، كما أنه يتعاطف من الدول اليسارية والمعسكر الشرقي عموماً مقابل المعسكر الغربي رغم أن المعسكر الشرقي هو الأشد خطراً على الإسلام والمسلمين، والأهم من ذلك أن نشرات حزب التحرير تنصب كلياً على الدفاع المباشر وغير المباشر عن الدول الشيوعية والهجوم على الغرب والرأسمالية بشكل مبالغ فيه، وهذا من صميم الفكر الشيوعي.

نعود إلى قضية الاختراق التحريري للإخوان المسلمين، فقد ذكر كتاب حزب التحرير والتضليل السياسي العديد من صور وأمثلة هذا الاختراق، بالإضافة لمزيد من التفاصيل الوافية بالأدلة على علاقات حزب التحرير مع الشيوعية، وبالنتيجة، يكون هذا عبارة عن اختراق شيوعي للإخوان المسلمين عبر وسيط أو طرف ثالث هو حزب التحرير. وقد ذكر الكتاب نقلاً عن المصادر المثبة فيه أن “الدكتور عبد العزيز الخياط قد صرح عن الدور الذي قام به حزب التحرير لتثقيف شباب الإخوان سياسياً من خلال إقناع الشهيـد ـ بإذن الله ـ الإمام حسن البنـا رحمه الله، ((لإفساح المجــال للشيخ تقي الدين، بإلقاء المحاضرات في دور الإخوان المسلمين، والكتابة في مجلتهم، فبدأ بعض قادتهم بمقاومة فكرته))”.

وقد أدى هذا إلى نشوء تيارين متصارعين في جماعة الإخوان المسلمين، ما بين تيار إصلاحي وآخر تشوهت أفكاره بأفكار حزب التحرير، فأصبحوا يبحثون عن تأزيم المواقف مع الأنظمة والعمل بطريقة المعارضة العدمية المماثلة للحركات الشيوعية. وهذا دفع أيضاً بالعديد من الحركات اليسارية المنفتحة – بخلاف المتخشبة – للانفتاح على الإخوان المسلمين والتحالف معهم لإجراء المزيد من الاختراق الفكري فيهم، “فأدى بهم إلى كتابة البيانات المعارضة للحكومات غير اليسارية جنباً إلى جنب مع المنظومة اليسارية عموماً. ويظن الإخوان المسلمون أن هذا التحالف يصب في مصلحة الإسلام والمسلمين”.

المصدر: كتاب حزب التحرير الاسلامي والتضليل السياسي

الاختراق الناصري للإخوان المسلمين

وقد كان ذلك بانضمام جمال عبد الناصر بداية أمره إلى جماعة الإخوان المسلمين رغم أنه كان عضواً سابقاً في الحركة الشيوعية (حداتو)، ثم عمل على استغلال معارضة الإخوان المسلمين وأضافهم إلى قوة تنظيم الضباط الأحرار الماركسي، وقام بالانقلاب العسكري، وبالرغم من العداء الشديد الذي نشأ لاحقاً بين الطرفين، إلا أن الفترة التي تلت حكم أنور السادات أثبتت أن الإخوان المسلمين لا يزالون مخترَقين من التيار الناصري، وخاصة كذلك بعد تبني الشيوعية سياسة “البريسترويكا.

وفي فترة حكم الرئيس حسني مبارك أيضاً، “دعا الحزب الناصري الاشتراكي (المصري) إلى التحالف مع الإخوان المسلمين على لسان القطب الناصري فريد عبد الكريم بصفتهم قوة سياسية لا يمكن إنكارها في مصر، وقال لصحيفة ((الحياة)) اللندنية: ((إن الإخوان يقفون الآن موقفاً مضاداً للاستعمار الأمريكي والهيمنة الصهيونية شأنهم في ذلك شأن حركة حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله)). وأكد ((أن الإخوان المسلمين باتوا قريبين من الناصريين، وعلينا أن نتفاهم معهم وعلى المسئولين في الحزب الناصري أن يسعوا إلى ذلك من أجل إضافة قوة إلى قوتهم))”.

أما في الأردن فقد “دعا أمين عام حزب الشعب الديموقراطي (حشد) السابق، وهو حزب يساري أردني، إلى ضرورة المحافظة على حزب جبهة العمل الإسلامي وتقوية كل أواصر العلاقة بينه وبين القوى السياسية والحزبية والقومية واليسارية. واعتبر ذلك من متطلبات المرحلة السياسية الجديدة التي تفرض على اليساريين التعامل مع الإسلاميين لصالحهم حيث قال تيسير الزبري عن الحزب: ((عدو عدوي صديقي، أو ما يسمى بلغة السياسيين تسخير الصراع الثانوي لصالح الصراع الرئيسي))، وضرب أمثلة عديدة على هـذه السياسة الحكيمة والواقعيـة ـ على حد زعمه ـ بما يجري الآن من تحالف واسع بين الإسلاميين والاشتراكيين والليبراليين والديمقراطيين في الجزائر وفي صفوف المعارضة الفلسطينية، وفي مصر بدرجة مقبولة والأردن”.

المصدر: كتاب حزب التحرير الاسلامي والتضليل السياسي

أفكار سيد قطب الثورية المتطرفة

تعد أيضاً أفكار سيد قطب من الأفكار الراديكالية التي اخترقت جماعة الإخوان المسلمين وشقت صفوفهم إلى تيارات متصارعة، ولا شك أن خلفية سيد قطب اليسارية قد ساهمت في بقاء الكثير من رواسب أفكاره السابقة، حيث انتقلت معه واختلطت بفكر الإخوان المسلمين فأنتجت فكراً إسلامياً جديداً مخترقاً بالأفكار الثورية والماركسية، حيث من المعروف أنه يرفض الإصلاح من داخل المجتمعات والأنظمة ويطرح البديل الثوري الشامل، وهي ذات الأفكار اليسارية والتحريرية وإن اختلفت في نكهتها، “فقد استطاع سيد قطب أن يحوّل الإخوان المسلمين من الإصلاح في ظلّ الأنظمة السياسية إلى العمل على تغييرها”، إذ قد كان في بداية حياته ورحلته الفكرية يسارياً ماركسياً، ثم انتقل إلى أيديولوجية الفكر الديني، وهكذا نقلها معه إلى صميم فكر الإخوان المسلمين، ومن المعروف بداهةً حجم تأثيره الذي تخطى الإخوان إلى التأثير في السلفية الجهادية.

زاهر طلب
30/1/2022

 

Scroll to Top