فلسطين الهند!

ملخص عن فلسطين الهند

فلسطين الهند عنوان بسيط يُوضح القواسم المشتركة بين ما يُعانيه مسلمي الهند في بلد من المفترض أنها بلدهم، محل ميلادهم، وإنتمائهم، وبين الفلسطينيين الذين يُعانون نفس المُعاناة في بلد هي بالفعل بلادهم، ومحل ميلادهم، وانتمائهم أيضاً، فبفضل الفاشية المُظلمة التي يتقاسمها الصهيونيون في جنوب غرب آسيا، والهندوس في جنوب آسيا أصبح لدينا فلسطينيتين يتشاركان نفس الألم والأوجاع والأهوال، فهل بالفعل التاريخ هو الذي يُعيد نفسه أما أننا من نصنعه.

فلسطين الهند

قد يتساءل البعض عن القواسم المشتركة التي يُمكن أن تتشاركها بلدان يوجد بينهما هذا الكم الكبير من الإختلافات الجغرافية، واللغوية، والتاريخية، والإجابة بسيطة للغاية فالقاسم المشترك هو مناضلة الظلم، والوقوف أمام التهجير القسري، واغتصاب الأراضي الخاصة، والتطهير الديني، والإسلام.

يُمثل الثامن والعشرون من سبتمبر لعام 2021 بداية انطلاق شرارة تحمل في طياتها استغاثة مُسلمي الهند مما يُعانونه من قهر في بلادهم، حين قُتل مُعين الحق المُزارع الهندي البسيط البالغ من العمر ثمانية وعشرين عاماً في ولاية آسام الهندية، لمجرد أنه خرج مُدافعاً عن بيته الذي يملكه ويأويه هو وعائلته مُمسكاً بعصا ضئيلة تكاد لا تراها مما أمامه من بنادق وأسلحة مختلفة يتسلح بها أفراد شرطة الولاية، قُتل مُعين الحق على يد من هم من المفترض أن يحمونه، ويحمون ممتلكاته وهم أفراد الشرطة الهندية، وتم التنكيل بجثته على يد أحد الصحافيين الحكوميين، وهو الذي كان من المُفترض أيضاً أن ينقل وفاته على يد أفراد الشرطة على أنها سوء استخدام للسلطة، وتجاوز في حق الإنسانية، لكن الصحافي الهندوسي كان له رأى آخر، حيث شرع في استكمال ما بدأته الشرطة الهندية وشارك في إنهاء حياة مُعين الحق ببضع قفزات تحمل كم رهيب من الحقد والكراهية يعكس سياسة حكومة بلاده الحالية تجاه أقلية تصل نسبتها إلى 14.6٪ من إجمالي عدد سكان البلاد.

مُعين الحق ليس الوحيد ولم يكن الأول ولن يكون الأخير فيوجد غيره الكثيرون من ضحايا الهجمات الحكومية الشرسة التي نُظمت تحت رعاية رئيس وزراء البلاد (ناريندرا مودي)، فيوجد على سبيل المثال وليس الحصر الصبي الذي لم يتعد الثانية عشر من عُمره (الشيخ فريد) الذي قُتل خلال نفس الحملة لإخلاء منطقة سيباخار في ولاية آسام من سكانها المسلمين بالتحديد.

وعلى الصعيد الآخر فالذي لم يُقتل منهم لم يكن حاله أفضل كثيراً، حيث لا يُمكن وصف ما كان يُعانيه أحمد علي وهو ينظر إلى منزله وهو يحترق على بكرة أبيه أمام عينيه، وذلك ليتسنى لهم طرده من أرضه دون وجود أمل للعودة، حيث اتبعت الحكومة سياسة الهدم، أو الحرق، أو القتل لمنع هذه الأسر من العودة إلى منازلها مرة أخرى.

السبب وراء هذه الحوادث الأخيرة هو رغبة الولاية في طرد أكثر من عشرين ألف شخصاً من سكان ولاية آسام من منازلهم، وأراضيهم، وذلك لأن هذه الأراضي في رأى نظام (مودي) تُعد مِلكاً للدولة، وبالتالي فهم سكان غير شرعيين وهذا بدوره يجعلهم غير مستحقين لأبسط حقوقهم وهو الدفاع عمّا يملكون، المُفارقة هنا أن أغلب هؤلاء السكان هم مسلمون من أصول بنغلادشية.

بالرغم من تمتع الهند بنظام حكم ديمقراطي برلماني يتيح لرئيس حكومة الولاية مُسائلة رئيس الوزراء أو الاعتراض على القرارات التي يتخذها في حق ولايته، ففي نهاية المطاف الهند ما هي إلا اتحاد فيدرالي بين عدة ولايات، إلا أن رئيس حكومة ولاية آسام (هيمانتا بيسو سارما) لم يكن لديه ما يمنعه من تنفيذ هذه الأوامر بكل سرور، على الصعيد الآخر لم تفقد ثمانمائة أسرة مسلمة في هذه الولاية الأمل وسعوا مرة أخرى لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه وذلك من خلال التقدم بشكوى إلى المحكمة الهندية العُليا لإثبات أحقيتهم الشرعية، والقانونية في الأراضي والمنازل التي يمتلكونها بالفعل ويعيشون فيها طوال حياتهم، لكن بالرغم من أهمية السلطة القضائية في الهند إلا أن حكومة البلاد لم تنتظر رأيها وشرعت في هجماتها الشرسة بلا رحمة.

مُعاناة مسلمي الهند لم تكن مقتصرة على ولاية آسام بعينها أو منطقة دون الأخرى، فما يُعانيه سكان أقصى الشرق الهندي في ولاية آسام، يُعانيه سكان أقصى الشمال الغربي في إقليم كشمير المُتنازع عليه، حيث يُعتبر هذا الإقليم الذي يُعرف بجنة الله على الأرض بأنه جحيم لا يهدئ لساكنيه، وسجن كبير بلا جدران، وذلك بفضل الصراع الدائم بين السكان وبين قوات الحكومة الهندية لرفضهم أن يتم حكمهم من قبل حكومة هندية هندوسية، ورغبتهم في الانضمام إلى الجزء الباكستاني بما أن أغلبية سكان الإقليم من المُسلمين أو الحصول على حق الحكم المستقل الذي تم إلغاؤه على يد حكومة مودي.

عودة القضية الفلسطينية في جمهورية الهند

تمرير قانون الجنسية الجديد الذي بفضله يحصل مهاجرون من كل الأعراق والديانات تقريباً على الجنسية الهندية بينما يُستقصى منه المسلمون، انتزاع ملكية المسلمين لأراضيهم مثلما يحدث في ولاية آسام، محاولة إحداث تغيير ديموغرافي في إقليم كشمير، دعونا نتمعن في مثل هذه المُمارسات ألا تُذكرنا بما يُحدث في منطقة ما في الجغرافيا العربية؟ منطقة تُعاني من نفس سياسة البطش الظالمة القائمة على التهجير القسري، والقتل التعسفي، والحرق، والتدمير، نعم تذكرنا بفلسطين المُحتلة وما يُمارس فيها كل يوم من نفس المُمارسات الظالمة، والمُفارقة أن الفاعل في كلا البلدين واحد وهو الكيان المُحتل الإسرائيلي.

لا يوجد ما يدعو للاستغراب حين نعلم أن سياسة إسرائيل مع الفلسطينيين تُمثل نموذجاً يُحتذى به بالنسبة إلى حكومة (مودي)، نموذج يُمكن تطبيقه، بل ويجب تطبيقه في أسرع وقت للتخلص من أكبر قدر مُمكن من قوة مُسلمي الهند، وخير دليل على ذلك ما قاله القنصل العام للهند في نيويورك حيث قال اقتباساً (نحن بالفعل نمتلك نموذجاً عالمياً، لكن لا أعلم لماذا لا نسير على خُطاه، طُبق في منطقة الشرق الأوسط مرة، وإذا تمكن الإسرائيليون من فعله، فنحن أيضاً سنتمكن من تطبيقه).

بلا شك تضاعفت كراهية المسلمين والحقد عليهم، واضطهادهم في وضح النهار بوصول (مودي) إلى السلطة على كتف حزبه (بهاراتيا جاناتا) الذي ظهر في عام 1980م، حيث يُعتبر هذا الحزب من أكبر الأحزاب المُعارضة في الهند، بالإضافة إلى أن أفكاره وتطلعاته قائمة على نفس الأفكار التي تحملها الحركة اليمينية المُتطرفة التي تُدعى (راشتريا سوايام سيفاك سانغ) وتهدف إلى إقامة وطن قومي موحد للهندوس، حيث يرى أتباع هذه الحركة أن الهندوس فقط هم من يملكون حق العيش في الهند كسكان أصليين لها لأنهم هم أبناء البلاد الحقيقيين، ولهذا فهم الذين يمتلكون الأحقية في سيادة البلاد من الناحية السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، ومن هم دون الهندوس سواء مُسلمين، أو مسيحيين، أو من أي ديانات أخرى لن يكون أمامهم خياراً إلا أن يكونوا مواطنين درجة ثانية، أو ضيوف في البلاد، المُفارقة هنا أن أفكار، ومعتقدات، وطموح هذه الحركة تتشابه مع أفكار، وطموح، ومعتقدات الحركة الصهيونية العالمية التي اُحتلت بواسطتها فلسطين عام 1948 ميلادياً، وفي نفس التاريخ تأسس على عاتقها وبفضلها دولة الاحتلال إسرائيل.

العلاقات الهندية الإسرائيلية

كان يصعب الحكم على طبيعة العلاقات الهندية الإسرائيلية قبل تولي حكومة مودي رئاسة البلاد، لذا يُمكننا تقسيم العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين البلدين إلى حقبتين وهما ما قبل مودي، وما بعد مودي، فقد كانت العلاقات بين كل من الهند وإسرائيل تتسم بالبرود الشديد قبل مودي، لكن لن نستطيع إنكار أنه كان هناك علاقات دبلوماسية، واقتصادية، وعسكرية وكذلك استراتيجية بين البلدين.

لكن بما أن الهند في الأصل بلد شرقي، يوجد به كتلة مسلمة لا يُستهان بها، بالإضافة إلى أنها كبلد كان مُستعمراً ومُحتلاً من قبل فهي تعرف مرارة العيش تحت مظلة الاحتلال جيداً، لذا فبالرغم من وجود العلاقات إلا أنها كانت تميل إلى كونها علاقة تقوم على سياسة عدم الانحياز ، ومُناصرة العرب كانت أهم ما يُميزها، حتى أن الهند لم تقم بعلاقات دبلوماسية رسمية وعلنية مع إسرائيل إلا في يناير من عام 1992 ميلادياً، وكان القائمون على الهند لا يتأخرون عن إدانة العمليات العسكرية الغاشمة لقوات الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، ويرجع هذا إلى عدة أسباب، فمن ناحية السياسة الخارجية الهند كانت تخشى أن تخسر حلفائها من بُلدان العالم العربي المناهضين لسياسة الاحتلال، ومن ناحية السياسة الداخلية للبلاد فالهند كانت حريصة على أصوات مُسلمي الهند في الانتخابات، حيث توجد كتلة كبيرة من مُسلمي الهند المناصرين لإخوانهم في فلسطين.

صعد ناريندرا مودي في مايو 2014 ميلادياً، وصعدت معه العلاقات بين كل من الهند وإسرائيل لدرجة أن الهند أصبحت من أكثر الأمم مُناصرةَ لإسرائيل تبعاً لإحدى الدراسات مُتعددة الجنسيات، وحتى قبل أن يتولى مودي رئاسة وزراء البلاد ومنذ أن كان رئيس وزراء إحدى أقاليم الهند وهو إقليم غوجارات بين عام 2001 وحتى عام 2014 وهو يعمل على تعزيز العلاقات الهندية الإسرائيلية، وذلك من خلال إرسال بعثات تتضمن عددً من رجال الأعمال والمزارعين إلى الهند للحصول على الخبرة اللازمة، والتقنيات الزراعية الحديثة الإسرائيلية، وأيضاً استقبل الإقليم وحاكمه ( ناريندرا مودي) العديد من الاستثمارات الإسرائيلية بصدر رحب.

لكن بدأ تنفيذ الرؤية الهندية الإسرائيلية المشتركة في حق مُسلمي الهند بشكل فعلي منذ اعتلائه منصب رئيس وزراء البلاد، حيث قام بالسماح بتنظيم تدريبات مشتركة تجمع بين كل من الشرطة الهندية التي تُضيق، وتقتل، وتضطهد مُسلمي الهند في أكثر من ولاية مثل آسام، ونيو دلهي، وبين شرطة الاحتلال التي تقمع، وتقتل، وتسرق، وتنهب مسلمي فلسطين وغيرهم في أرجاء القدس الشرقية، والضفة الغربية، والمُعضلة هنا تكمن في الهدف الذي اجتمعت عليه أجهزة الشرطة من كلا البلدين وهو مكافحة الإرهاب، وكما نعلم جميعاً فالإرهاب حكراً على المسلمين.

مع زيادة توطيد العلاقات بين البلدين أصبحت الهند أكبر سوق لأسلحة الاحتلال، ويُمكن تأكيد التقارب الواضح بين العلاقات من خلال زيارة مودي لرئيس وزراء إسرائيل آنذاك (بنيامين نتنياهو)، حيث تم الاحتفاء بهذه الزيارة سواء من قبل بنيامين نتنياهو نفسه، أو من قبل الإعلام الإسرائيلي وذلك لأن مودي كان أول رئيس وزراء للهند تطأ قدماه عاصمة إسرائيل تل أبيب عام 2017 ميلادياً، أي بعد خمسة وعشرون عاماً من تدشين العلاقات الدبلوماسية بين كل من الهند وإسرائيل، حيث قال نتنياهو نصاً “رئيس الوزراء (مودي) لقد كُنا ننتظر هذه الزيارة لوقت طويل للغاية، حقيقةً لقد كُنا ننتظرها منذ سبعين عاماً تقريباً”

كانت زيارة خمسة وسبعين جُندياً من جنود الأمن الهندي للأراضي المحتلة لتعلم أفضل التقنيات، والتكتيكات العسكرية الإسرائيلية لمكافحة كُل من التمرد، والإرهاب لأول مرة في التاريخ هي الدليل القاطع على ولع رئيس وزراء الهند بنهج إبادة المسلمين على الطريقة الصهيونية، وفي خضم تطبيق دليل الاحتلال الإسرائيلي تم إلغاء الحكم المستقل لإقليم كشمير الذي صاحبه نشر أكثر من خمسمائة ألف جندياً في أرجاء الإقليم لقمع التمرد، والمظاهرات، والاحتجاجات، وبالفعل قام هؤلاء الجنود بممارسة أبشع المُمارسات مثل التعذيب، والإعدام المباشر، والاعتقال التعسفي، وإصابة آلاف المسلمين بعاهات مُستديمة. وبهذا حصدت أساليب تدريب الاحتلال الصهيوني ثمارها في الأراضي الهندية، لكن المُتضرر في الحالتين سيان وهو المسلمين، حيث مثلما أصبحت إسرائيل دولة احتلال للفلسطينيين أصبحت الهند كذلك دولة احتلال لمُسلميها.

رنا محمد حلمي / مصر
4/1/2022

المصادر:

Scroll to Top