” روح الثاني عشر من فبراير ” تفشل أيضاً في سوريا المغطاة بالدم
مانويل مارتوريل – موقع : كواترو بودير – نقلها إلى العربية : الحدرامي الأميني
كما أكد قادة في المعارضة السورية و بعض الزعماء العالميين فإن أي إصلاح تقدمه حكومة بشـار الأسـد يولد ميتاً . ففي هذا البلد الغارق في حمّـام من الدماء جراء القمـع ، فقد القادة الحاليون الشرعية ولا يبدو أي واحد من اقتراحاتهم قابلاً للحياة . لكنّ أكثر ما يفاجئ في الإعلان الصادر عن دمشق ( بخصوص إقرار قانون الأحزاب الجديد ) ، الذي تزامن مع إدانة الأمم المتحدة المخففة التي صدرت بحقها ، هو الاستعمال الشائع من قبل بعض وسائل الإعلام لمصطلح ” التعددية الحزبية ” و هو المصطلح الذي يمكـن أن يكون ، للوهلة الأولى ، مرادفاً لـ أو ملتبساً بـ مصطلح الديموقراطية.
إن نظرة معمقة إلى القانون الذي أقره بشار الأسد في الرابع و العشرين من يوليو | تموز و أُعلِن عنه في الرابع من أغسطس | آب ، تُظهِر تشابهاً مؤكداً بين هذا الإجراء الإصلاحي و البرنامج المسمّى ” روح الثاني عشر من فبراير ” الذي أعلنه رئيـس الوزراء الإسـباني ” ارياس نابارّو ” خلال الحشرجات الأخيرة لنظام الجنرال فرانكو . فحتى المؤيدون لإصلاح النظام الفرانكوي ، في ذلك الحـين ، كانوا يعتبرون أن ذلك المرسـوم لم يكن أكثر من حبـر على ورق . لكن من الواضح أن الفارق الكبير بين الحالتين هو أن شوارع المدن الإسبانية و أيامها لم تتحول ، رغم تسجيل تزايد في القمع في تلك الأعوام الأخيرة للفرانكوية ، إلى حمام من الدماء .
الأحزاب الجديدة التي ستتشكل في سوريا ( وفق القانون الجديد ) يتوجب عليها احترام الإطار القانوني القائم . مثلما كان عليه الحال في القانون الناظم لحق تكوين الجمعيات الصادر في إسبانيا في 23 ديسمبر 1974 . في السنة الأخيرة من دكتاتورية فرانكو كان الأمر يتعلق بـ ” مبادئ الحركة الوطنية ” . و في السنة التي تدل كل المؤشرات على أنها ستكون الأخيرة للديكتاتورية البعثية ، يبدو الدستور الحالي ، الذي يشير بنده الثامن الى احتفاظ حزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة الدولة و المجتمع ، مماثلاً لما كان عليه الحال في عهد الحركة الوطنية في إسبانيا .
و كما حدث في برنامج ” روح الثاني عشر من فبراير ” فقد تُرِكت القدرة على قبول أو رفض الأحزاب في أيدي هيئة جديدة تم تشكيلها و تعيينها من قِبَل النظام نفسه ، بدلاً من إسنادها إلى هيئة من القضاة المستقلين . يوجد تشابه كبير أيضاً في الاشتراط السوري بأن يكون للأحزاب الجديدة حضور في نصف المحافظات على الأقل ، و أن يكون الحد الأدنى لعدد المنتسبين إليها : ألفاً في الحالة السورية ، بينما كان العدد ألفين و خمسمائة في الحالة الإسبانية .
بالإضافة إلى ذلك ، يحدد القانون ، الذي أعلنه بشار الأسد ، عدد المنتسبين في كل محافظة بما لا يقل عن خمسة بالمائة من كل أعضاء الحزب الجديد . و من جانب آخر ، يجعل الشـرطُ الذي ينص على أن يكون كل الأعضاء ممن تجاوزوا الخامسة و العشرين من العمر ، يجعل قسماً كبيراً من الشباب السوري خارج دائرة المشاركة السياسية ، و هم الذين لعبوا دوراً رئيسياً و حقيقياً في الانتفاضة الجارية حالياً .
لكن ثمة في القانون السـوري شـرط آخـر أيضاً يذكِّـر بتلك الشــروط العـائدة إلى برنـامـج ” ارياس نابارو ” إلا أنه يجعل القانون ذاته غير قابل للحياة حتى لو لم يسقط في سوريا قتيل واحد : الأحزاب الجديدة يجب أن تتلاءم مع الطبيعة القومية ” العربية ” للبلاد ، و يشترط بشكل صريح أن لا يكون للحزب توجه مناطقي و أن لا يقوم على أساس عرقي أو ديني .
إن هذا الشرط ذو أهمية كبيرة في ظل الوضع الراهن في سوريا ، إذ إنه يغلق الباب أمام القوتين السياسيتين الأكثر أهمية : الإسلاميين الذين قد يكون بإمكانهم استعادة إرث الأخوان المسلمين ، الجماعة التي كانت قوية في أوقات سابقة ، و الأحزاب الكردية ، الأفضل تنظيماً إلى لحظة اندلاع الانتفاضة الحالية .
إن حالة هذه الأحزاب الكردية واضحة جداً . فقد بلغ عددها اثني عشر حزباً ، و تمتعت بتنظيم جيد منذ أعوام ، حتى في الأوقات العصيبة عندما كانت تعمل في سرية كاملة . و قد أظهر البعض منها في مناسبات عديدة حضوراً قوياً بين المليونين من البشر الذين يشكلون المجتمع الكردي في سوريا . و رغم أن هذ الأحزاب انضمت الى الانتفاضة ، إلا أنها تحتفظ باستراتيجيتها الخاصة و تبحث حالياً في تشكيل منبر واحد يجمعها .
بالرغم من ذلك كله ، فإن هذه الأحزاب لا مستقبل لها ، بموجب القانون الحالي ، بالنظر إلى أن أهدافها المناطقية و نزعتها إلى الحكم الذاتي ، تضع ، الطابع العربي للبلاد ، على وجه التحديد ، في موضع التساؤل . و في الآن نفسه ، لا يستطيع أي حزب منها تقريباً تلبية شرط الوجود في نصف المحافظات السورية على الأقل و بالنسب المئوية الدنيا للانتساب المقررة في القانون الجديد ، ذلك أن الشعب الكردي يتوزع بشكل رئيسي على طول القطاع الحدودي مع تركيا .
إن اقتراحات بشار الأسـد هي على هامش الواقـع ، كما كان برنامـج الثاني عشر من فبراير ، وستذهب ، بالتالي ، غير مأسوف عليها حتى يأتي دستور جديد ينهي الدور المهيمن المحتفَظ به للبعث ، و يؤسس بطريقة واضحة و شفافة للفصل بين السلطات في الدولة .
يبقى أن الأمر الأكثر انفصاماً عن الواقع هو الاشتراط على التشكيلات السياسية الجديدة ، التي يجب أن لا يكون لديها مجموعات مسلحة ، الالتزام باحتــرام ” الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ” في الوقت الذي يتساقط فيه المنتسبون المُحتَمَلُون إلى هذه الأحزاب مثل الذباب تحـت وابـل الرصاص ، ليس على أيدي الجنـود و رجال الشـرطة و حسـب ، و إنما أيضاً على أيدي الجماعات شبه العسكرية التابعة للبعث .