نداء من أجل كتلة وطنية على قاعدة الديمقراطية

فاتح الشيخ 1/4/2011

مقدمة:

لعل السبب الأساسي لتأخرنا كعرب في الانتقال السلمي من نظام سياسي استبدادي إلى نظام سياسي ديمقراطي في المرحلة الحالية ، هو غياب كتلة تاريخية سياسية على قاعدة الديمقراطية ، مع التذكير بأن الكثير من دول العالم شهد موجات ديمقراطية متتابعة في العقود الأخيرة ، والتي شملت جنوب أوروبا وشرقها وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا وأفريقيا ، (والتي تكسرت على شواطئنا العربية).والمقصود بالكتلة الوطنية على قاعدة الديمقراطية أنه (ائتلاف أو تجمع أو تحالف بين التيارات والقوى السياسية الهادفة لإقامة نظام سياسي ديمقراطي يُتوسل به تحقيق الأهداف الكبرى المنشودة للعرب).

وهي الأهداف التي دار حولها النضال العربي منذ عصر النهضة العربية الحديثة في القرنين الماضيين :

  1. الوحدة العربية
  2. التنمية المستقلة
  3. العدالة الاجتماعية
  4. الاستقلال الوطني والقومي
  5. التجدد الحضاري
  6. الديمقراطية

ومن الضروري تحقيق هذه المطالب جميعا ، ومن دون مقايضات زائفة فيما بينها ، وتقديم مطلب على مطلب آخر ، لكن من الضروري في الوقت نفسه الأخذ بنظر الاعتبار التمرحل الموضوعي في التطبيق وهي (الديمقراطية) باعتبارها المدخل الإستراتيجي لتحقيق بقية الأهداف وتجسيدها في نظام سياسي وطني ديمقراطي.

والديمقراطية بالنسبة لنا كعرب هي حاجة حيوية لا غنى عنها ، حتى تستقيم أوضاعنا ونبني مستقبلنا بأنفسنا حيث إن الديمقراطية تزج الجميع في البناء الوطني الشامل ، وهي القاعدة التي تبنى عليها العلاقة بين الدولة والمجتمع ، وهي التي تمنع المجال السياسي من الاضطراب وتعيد السياسة للمجتمع.

وهذا يتطلب من كافة التيارات والقوى السياسية الديمقراطية تأجيل أو تحييد صراعتها الأيديولوجية المتضخمة – وليس إلغاءها – مع بقاء كل تيار محتفظا بأيديولوجياته ورؤاه وبرامجه لحين تحقيق الانتقال الديمقراطي ، وترك الخنادق الأيديولوجية مؤقتا والتركيز على الهدف الديمقراطي.

مع التأكيد أن المقصود بكلمة الديمقراطية هي الديمقراطية الليبرالية (الديمقراطية المركزية ) تمييزا لها عن الديمقراطية الشعبية (المركزية الديمقراطية).

التيارات الفكرية والسياسية عند العرب / لا للإقصاء.

تتقاسم الساحة الفكرية والسياسية العربية اليوم (والوطنية كجزء منها) أربعة تيارات أساسية ، وكل تيار منها يمثل شريحة واسعة من شرائح المجتمع المتعددة ويطرح هدفا ساميا لا غنى عنه لنهضة الأمة ، وكل التيارات تحمل في ثنايا خطاباتها قسمات مشتركة (العروبة،الإسلام،العدل،الحرية)وبالتالي إن أي نظام سياسي لا يسع  كل أهله وتياراته وأحزابه كافة ليس من الديمقراطية في شيء، وهذه التيارات هي:

  • التيار القومي: الذي يضع تحقيق الوحدة العربية على رأس اهتماماته ضد التجزئة.
  • التيار الإسلامي: الذي يركز على هوية الأمة والتمسك بالتراث ضد التغريب.
  • التيار اليساري: والذي يركز على توزيع الثروة بين أفراد المجتمع.
  • التيار الليبرالي: المتبني لمسألة الحريات والحقوق.

وكل تيار من هذه التيارات الأربع يركز على هدف أساسي من هذه الأهداف وضرورة البدء به (من هنا نبدأ ، ومن هنا المخرج…..التنمية أولا…فلسطين أولا…الوحدة العربية أولا….العدل الاجتماعي أولا…….)

لماذا التمرحل الموضوعي التطبيقي ؟

إن جميع الجهود الحالية لكافة التيارات والأحزاب والحركات السياسية السورية يجب أن تتجه نحو إقامة النظام الديمقراطي ، كونه البوابة الإستراتيجية لتحقيق بقية الأهداف الكبرى للعرب وهي وسيلتها (والديمقراطية هي الوسيلة والهدف معاً) ، مع الإشارة إلى أن الأطروحة التي تدعي القدرة على تحقيق كافة الأهداف الكبرى دفعة واحدة قد سقطت ، وأثبتت عدم جدواها ، بل ولقد اتخذتها الأنظمة الإستبدادية ذريعة لمحاربة الديمقراطية، وإلغاء الحريات ، واستئصال كافة التيارات والأحزاب المعارضة لها.

وإذا كانت الكتلة الوطنية هي رافعة الديمقراطية ، فإن الديمقراطية نفسها هي رافعة تحقيق الأهداف الكبرى ، وبالديمقراطية يمكن تحشيد كافة القدرات والإمكانات لتحرير فلسطين ، وتحرير الأراضي المحتلة وتحقيق الوحدة العربية ، وخلق تنمية حقيقية مستقلة ومحاربة الفساد ، وكل ذلك بأسلوب جماعي ديمقراطي ، في حين أن وضع الهدف الديمقراطي جنبا إلى جنب مع بقية الأهداف أو مقايضته بهدف آخر (بحجة معارك كبرى أخرى) سيضاعف من صعوبة تفكيك الإستبداد.

الخطاب الديمقراطي هو القاسم المشترك بين جميع التيارات

إن المبدأ الديمقراطي هو أحد القواسم المشتركة بين جميع التيارات الأيديولوجية الأربع وتتحدث جميع أدبياتها وخطاباتها عن ضرورة وضع هذا المبدأ موضع التنفيذ ، ولكن المبادئ شيء والتطبيق شيء آخر سواء للسلطة أو للمعارضة (المعارضة داخل أحزابها ، والسلطة من خلال قمع المخالفين لها).

بالنسبة للقوميين: يؤكدون في جميع خطاباتهم القومية على ضرورة الربط بين القومية والديمقراطية ، في حين أن الممارسات السياسية للقوى القومية التي أعتلت سدة السلطة في العقود الماضية ، قد أضرت كثيرا بالعمل الوطني والقومي لاتباعها ممارسات لا ديمقراطية في اقصاء الآخرين تحت ذرائع شتى   ( العدو الخارجي ، الرجعية ، العمالة…)، ولن يكون الحل إلا بحقن الفكر القومي بالمزيد من الجرعات الديمقراطية لبروز( عروبة جديدة).

بالنسبة للإسلاميين: بينت بعض تجارب حركات الإسلام السياسي فشل نهج العنف في الوصول إلى السلطة لفئة صغيرة من هذا التيار ، مع الإشارة إلى أن الجسم السياسي الأساسي لهذا التيار يؤمن بالديمقراطية سبيلا للوصول إلى السلطة ونبذ العنف بكافة أشكاله.

ويساهم هذا التيار حاليا في اللعبة الديمقراطية لبعض البلدان العربية ، مع التأكيد على عدم التعارض بين الشورى والديمقراطية ( الأولى مبدأ والثانية آلية ) في أغلب أدبيات الإسلام السياسي.

بالنسبة لليساريين: بينت التجارب الاشتراكية السابقة للعقد الأخير من القرن الماضي ، أن السبب الأساسي لفشلها ، يعود إلى عدم الأخذ بالديمقراطية الليبرالية سبيلا لإدارة العلاقة بين الدولة والمجتمع ، والأخذ فقط بالديمقراطية الشعبية وإنزال الأوامر من الأعلى في إدارة هذه العلاقة ، علما أن الشيوعيين في أوروبا الغربية استطاعوا أن يحققوا التوافق بين أيديولوجيتهم والديمقراطية الليبرالية ، في حين أن الشيوعيين في اليمن الجنوبي(سابقاً) استطاعوا أن يوفقوا بين أيدولوجيتهم الشيوعية وقبليتهم! وانتهوا قبائل وعشائر تقاتل بعضها البعض من شارع إلى شارع داخل عدن .

بالنسبة لليبراليين : فهم الذين أولوا مسالة الحريات السياسية والاقتصادية أهمية كبرى ، وكان لمعظمهم دور كبير ومشرف في مقارعة الاحتلال الأجنبي ، وإنجاز كتل وطنية على قاعدة الاستقلال (مصر/دستور 1923, الجزائر ، المغرب ، العراق ،سورية /الكتلة الوطنية عام 1928 والتي انفرط عقدها عقب تحقيق الاستقلال الوطني باعتباره الاستقلال الهدف القطب لها. وهذا شيء طبيعي حيث انها قد قامت على قاعدة تحقيق الاستقلال الذي تم انجازه فعلا.

وعقب تحقيق الاستقلال الوطني والسياسي ، إنكمش التأثير السياسي لهذا التيار الليبرالي بشكل كبير ، واكتفى بالعيش على الهامش وفي حاضنة السلطة (التحالف معها من أجل الربح) ودون أية فاعلية  سياسية تذكر، واكتفى التيار بالاقتصاد وجمع الثورة دون السياسة، والتي تهيمن عليها السلطة بشكل تام .

مع التذكير بأن البرجوازية في الغرب الرأسمالي كانت رافعة الديمقراطية، وقامت بأدوار قومية في السياسة والاقتصاد وتوسيع السوق .

ووصل الأمر ببعض الليبراليين العلمانيين إلى دعم السلطة المستبدة ضد بعض القوى المعارضة الأخرى (مصر،الجزائر).

ومن الضروري لقوى الليبرالية العلمانية في العالم العربي نبذ أطروحة الربط بين الديمقراطية والعلمانية كون ذلك يقصي الغالبية العظمى من الجماهير الشعبية عن العمل الوطني والقومي، والاستعاضة عن ذلك بثنائية الديمقراطية والعقلانية.

التاريخ والمسؤولية التاريخية:

إن إقامة هذا الجسم السياسي العابر للقوميات والأديان والطوائف (الكتلة)،هو من مسؤولية قيادات التيارات والأحزاب والمنظمات المدنية والأهلية كافة.

والكتلة الوطنية ليست نموذجا كونيا ومجردا ، بل هي حالة عينية محسوسة يقتضيها الحال، وظروف البلد التاريخية والسياسية والاجتماعية ،خصوصا في البلدان التي تتسم مجتمعاتها بالتعددية،بل وحتى المجتمعات المندمجة.

وقد أثبت هذا التكتل على قاعدة الديمقراطية نجاحه وصحة منطقه، وهو ليس مجرد موقف نظري ينتظر إنزاله على أرض الواقع سواء على قاعدة تحقيق الاستقلال أو على قاعدة تحقيق الديمقراطية.

نماذج للكتلة الوطنية على قاعدة الاستقلال:

  • الكتلة الوطنية/سورية – والتي انبثقت عن كتلة برلمانية عام 1928.
  • حزب الوفد/مصر.
  • حزب الاستقلال/المغرب.
  • جبهة الاتحاد الوطني/العراق.
  • جبهة التحرير الوطني/الجزائر.
  • الجبهة القومية/اليمن الجنوبي(سابقا)
  • الجبهة الوطنية الفيتنامية/فيتنام.
  • منظمة امنو/ماليزيا.
  • حزب المؤتمر القومي/الهند.

نماذج للكتلة الوطنية على قاعدة الديمقراطية :

  • التجمع الوطني الديمقراطي /سورية .
  • مبادرة 18اكتوبر/تونس.
  • اللقاء المشترك/اليمن.
  • التجمع الديمقراطي/السودان.
  • حركة تضامن/بولندا.
  • جبهة الخلاص الوطني/رومانيا.
  • الجبهة الوطنية للإصلاح الديمقراطي/الأردن.
  • التنسيق الديمقراطي /أسبانيا .
  • التحالف الوطني لتحرير سوريا.

دواعي قيام الكتلة :

أولا: تظهر الخريطة السياسية الوطنية لأي قطر عربي، عدم امتلاك أي تيار أو حزب الشارع الوطني بمفرده، وبالتالي القدرة اللازمة لإزالة حاجز الاستبداد، وإقامة نظام سياسي ديمقراطي بديل، خاصة أن لدينا مجتمعات عربية تعددية(عرقية،دينية،طائفية،عشائرية)لذلك كان لابد لكافة التيارات والأحزاب من الدخول في حوار وطني ديمقراطي ، واللقاء فيما بينهم نتيجة للقواسم والرؤية المشتركة التي تجمعها، سواء على صعيد المبادئ أو رؤية الواقع الساسي الوطني، في إقامة تكتل وطني ديمقراطي عريض لا يستثني أي فصيل وطني، ويعمل وفقا لأجندات ونقاط التقاء وطنية داخلية(عروبي-اسلامي-يساري-ليبرالي)وتقديم مشروع وطني بديل.

ثانياً: الفشل المريع لسياسات وممارسات أنظمة الحكم لما بعد الاستقلال، وعلى أكثر من صعيد، ويأتي في مقدمة هذه الأسباب إقصاء وتهميش القوى الوطنية والديمقراطية من قبل السلطة الحاكمة،واحتكارها من قبل(التيار الواحد، والحزب الواحد،والقائد الواحد،واللون الواحد..)وعدم امتلاكها أي مشروع وطني حقيقي ومن سمات هذا الفشل :

  • الفشل في اقامة الدولة الوطنية الديمقراطية المدنية .
  • فشل التنمية وتفشي البطالة والفساد وتعميم الفقر.
  • عدم القدرة على مواجهة المشروع الصهيوني(وتوسعه).
  • التوزيع غير العادل للثروة،وبروز تفاوت طبقي صارخ .
  • انتشار النعرات العرقية والطائفية والعشائرية والأسرية بين أبناء الشعب الواحد.
  • عدم تحقيق الوحدة العربية بأي شكل من أشكالها،بل والخوف من انفراط العقد الداخلي الوطني.

هدف الكتلة:

هو العبور من نظام سياسي استبدادي إلى نظام سياسي ديمقراطي،النابع أصلاً من متطلب وطني داخلي،والذي يقوم على ادارة الاختلاف بشكل سلمي، وينسجم مع  مصالح الشعب وثقافته ومنظومته القيمية،والكفيل بانجاز الأهداف الوطنية كمنطلق لتحقيق الأهداف القومية الكبرى، والكتلة الوطنية كفيلة بإزالة كافة الاحتقانات العرقية والدينية والطائفية والجهوية،خاصة وانها على قاعدة الديمقراطية , وهي الكفيلة بحماية الوحدة الوطنية , و المتوقع انفراط عقدها وانتهاء مهامها عقب سقوط النظام السوري والشروع ببناء النظام السياسي الديمقراطي المنشود, مع توقعنا المستقبلي بإقامة كتل وطنية جديدة على قاعدة الوحدة العربية أو قاعدة التنمية أو قاعدة تحرير الأرض المحتلة أو ما تطرحه المرحلة من موضوعات ملتهبة ، وهي الأولويات التي تقرر شعبياً وديمقراطياً.

الديمقراطية أولا والأيديولوجيا ثانياً

بعد عقود من التنافس الأيديولوجي والاحتراب السياسي بين القوى المعارضة نفسها(معارضة المعارضة)،وتشجيع النظام لهذا التنافس والشقاق، فقد توصلت أطراف المعارضة كافة إلى نتيجة مفادها،أن التنافس الأيديولوجي عقبة أساسية يجب تحييده أوتأجيله لما بعد تحقيق الديمقراطية،وأن هذا الشقاق لن يعود بالفائدة إلا على السلطة المستبدة ، والضرر على القوى المعارضة، وليكن شعار المرحلة الحالية : الديمقراطية أولا والايديولوجيا ثانيا.

وعقب التحول الديمقراطي فليتنافس المتنافسون على ايديولوجياتهم وبرامجهم وخياراتهم على قاعدة الديمقراطية ،والحَكمُ هو صندوق الاقتراع وليس الدبابة والعسكر.

التنافس الشقاقي السلبي:

إن السلطة المستبدة تقوم دوما باتباع(سياسة فرق تسد) وهي نفس السياسة الاستعمارية خلال الحقبة الماضية.

ومن صور هذا التنافس الغير منتج :

  • التنافس الايديولوجي وإشعال (الحروب الأهلية الفكرية) بين التيارات التي تتقاسم الساحة الفكرية(التكفير،التخوين….)مما يوجب العمل على ايقاف هذه المناوشات الفكرية وتبادل العنف اللفظي (الرمزي)والابتعاد عن الخلط المنهجي بين القضايا، وتجنب شخصنتها والتوصل إلى(هدنة فكرية)مؤقتة وتعزيز نقاط الاتفاق وتأجيل نقاط الاختلاف لحين وصول البر الديمقراطي ولنأخذ معا بمبدأ(تعالوا نتعلم كيف نختلف).
  • التنافس حول تفسير الماضي، وتحميل كل طرف الطرف الآخر مسؤولية الفشل عما حصل سابقاً، وبقاء الجميع أسرى الماضي (كان يا ما كان… أنتم فعلتم كذا … نحن كذا… إليكم هذه الحادثة الشقاقية… وحديث لاينتهي…) وهذا ما يفرض على كافة القوى الوطنية تنقية خطابها السياسي المفسد للوحدة الوطنية (ولا تنابزوا بالألقاب)،وإبراز الخطاب السياسي المتسامح عوضا عن الخطاب الانتباذي المفرق(فالحقد موجه سيء للسياسة)والمستقبل أهم من الماضي وإيديولوجياته المتورمة.  
  • التنافس حول المستقبل وتخويف القوى من بعضها، وذلك عقب رحيل النظام (عند ذلك أنتم تستحقون ….  وهذا الفريق سيحكم وأنتم ستقصون…..) بل ووصل الأمر إلى حد استخدام أنظمة الاستبداد لقوة سياسية معارضة ضد قوة معارضة أخرى(مصر،الجزائر)

الكتلة الوطنية المفتوحة:

طالما أن الكتلة على قاعدة الديمقراطية فهي لا تقصي أي فصيل ديمقراطي وأبوابها مشرعة للجميع (أهل الديمقراطية) باستثناء :

  • الاقصائيين.
  • أصحاب الأجندات الخارجية .
  • وهي مفتوحة أمام التيارات والقوى والشخصيات المؤمنة بالديمقراطية وبهدف الكتلة (الانتقال الديمقراطي).
  • ومفتوحة أمام النخب الحاكمة كون الهدف هو(الانتقال لا الانتقام)،وهذا مما يسهل عملية التحول الديمقراطي،وانتقال الإصلاحيين داخل هذه النخبة(إن وجدوا)من(سفينة الاستبداد)إلى(سفينة الديمقراطية).

الكتلة الوطنية استراتيجيا لا تكتيك:

الكتلة ليست عملا مؤقتا تكتيكا ولا مرحليا انتهازيا،وإنما هي تحالف استراتيجي موضوعي بين كافة القوى الوطنية الديمقراطية التي تسعى للتحول الديمقراطي،وإقامة الدولة الوطنية الديمقراطية المدنية ،التي تكفل الحقوق المدنية والسياسية والحريات لكافة أفراد الشعب،دون تمييز على أي أساس وهي ليست توافقاً على برنامج اقتصادية أو اجتماعية أو تشكيل وزاري،بل هي توافق حول وضع أطار سياسي ديمقراطي منفتح،لكل من ينشد التغيير على قاعدة الديمقراطية.

تفاهمات الحد الأدنى/الاتفاق على المدخلات وتجاوز المخرجات :

إن التغيير السلمي الديمقراطي لا ينجز إلا من خلال التحالفات العريضة،واستنادا إلى التوافقية السياسية (تسويات تنازلات،مساومات)،خاصة وأن لدينا مجتمعات تعددية(عرقية ،دينية، طائفية إقليمية) وهذا يتطلب تخفيض سقف التفاهمات إلى الحد الأدنى، والاقتصار على الأساسي والهيكلي منها تفاديا للاختلاف قبل (الانتقال الديمقراطي)ومنها:

  • بناء الدولة الوطنية الديمقراطية المدنية .
  • العروبة والإسلام(كهوية ومرجعية).
  • مراعاة الخصوصيات الأثنية والدينية والطائفية.

مع الأخذ بمقولة أن الشيطان يقبع في التفاصيل.

ممنوع الدخول :

الكتلة لا تحتاج الأطراف التي تلحق الضرر بالمشروع الوطني الديمقراطي سواء قبل أو بعد عملية التحول الديمقراطي وهم:

  • أهل العنف/الذين يسلكون العنف الثوري (الكفاح المسلح )،سبيلا للقفز على السلطة لتحقيق إيديولوجياتهم وبرامجهم واستبدال مستبد حداثي بمستبد ديني أو بالعكس(خميني جديد مثلا)مع العمل الدائب والمستمر لاحتواء هذه الحركات المتشددة وضمها للقوى الديمقراطية.
  • أهل العمالة/ الذين لا ينشطون ضمن الفضاء الوطني، والمتقوين بالأجنبي والذين يعملون وفقا لاجندات خارجية (المعارضات العميلة ) ، واستبدال الاحتلال الداخلي باحتلال خارجي – أصحاب الفيل -.
  • أهل الايديولوجيات/ المدعين امتلاك الحقيقة المطلقة، والمستعدين للموت دفاعا عنها(نصا،تفسيرا،تجربة)كاملة وغير منقوصة، وبغض النظر عن أيديولوجياتهم، والمستشعرين دوما أن لديهم الملاءة والأجوبة التامة، عن كافة مناحي الحياة الاقتصاية والسياسية والاجتماعية والثقافية، والمتخصصون بحفر الخنادق التي تفصل بين التيارات والأحزاب،عوضا عن بناء جسور التفاهم والحوار.

وهذه القناعات والتفاهمات والممارسات يتوجب توثيقها في برامج ووثائق الكتلة ذاتها، وضمن وثائق وبرامج الأطراف المنتمية إليها.

شروط نجاح الكتلة:

الأول: سيادة الروح الديمقراطية للعمل داخل الأحزاب والقوى السياسية المعارضة والمتحالفة ضمن الكتلة، ومحاربة الاستبداد داخلها، واعتبار الأحزاب مدرسة السياسة، والحزب السياسي المعارض هو نموذج للحزب الديمقراطي، ليتحول المواطنون بولائهم من حزب السلطة إلى حزب المعارضة الديمقراطي ،والذي سيتداول على السلطة لاحقا.

ومن المعايير الديمقراطية للأحزاب هي :

  • احترام الرأي والرأي الآخر والسماح بالتعددية الفكرية منعا للانشقاقات.
  • السماح بتداول المراكز القيادية(وعدم التوريث)وعد الترشح لأكثر من دورتين مثلا.
  • وضوح المعايير الإدارية.
  • دورية الانتخابات.
  • ممارسة النقد الذاتي البناء.
  • حمل مشروع مجتمعي واضح المعالم .
  • الالتزام بالمؤتمرات الحزبية في مواعيدها المحددة .

ومن السهل بناء الكتلة إذا كانت الأطراف المنضمة لها تلتزم الديمقراطية فكرا وممارسة داخل كياناتها ، مما سينعكس على استعدادها للتنازلات والمساومات والتوافقات فيما بينها.

الثاني: التوقف عن استدعاء الخلافات الايديولوجية والأحقاد السياسية التاريخية بين التيارات والقوى المكونة للكتلة ، وإشاعة الحوار والروح الوطنية والتوقف عن (معارضة المعارضة)

الثالث: الاطلاع على تجارب الآخرين لمن سبقونا في الانتقال الديمقراطي للإفادة منها خاصة عندما تتشابه أوضاعنا مع أوضاعهم.

الاتفاق على الخصائص الأساسية لأنظمة الحكم الديمقراطي :

إن أنظمة الحكم الديمقراطي في العالم ليست نسخة واحدة بل هي متعددة الأشكال، كون كل بلد من بلدان العالم له تجربته وثقافته وقيمه وتاريخه السياسي ومرحلته، وبالتالي ليس هناك أنظمة ديمقراطية تدعي النضوج والاكتمال وصلاحية التعميم، ولكن هناك خصائص أساسية لا يقوم الحكم الديمقراطي إلا بها ،والتي يجب أن تكون محل قناعة واتفاق بين الأطراف المكونة للكتلة وهي :

  • بناء دولة ديمقراطية وطنية مدنية .
  • دستور ديمقراطي.
  • انتخابات ديمقراطية وتبادل للسلطة.
  • حرية الرأي والتعبير.
  • حرية تكوين الأحزاب السياسية.

وهي تفاهمات الحد الأدنى(دون تفاصيل)

مبادئ الكتلة الوطنية:

كما أن لكل حزب من الأحزاب مبادئ ونظام داخلي ملزمة لأعضائه، كذلك للكتلة الوطنية مبادئ وأهداف حاكمة ونظام داخلي ملزم لكافة أطرافها والتي هي بمثابة الأرضية التي تقف عليها الكتلة لتفكيك  الاستبداد وانجاز عملية التحول وهي:

  • طبيعة الكتلة (على قاعدة الديمقراطية).
  • أطرافها.
  • آليات التوصل للقرارات.
  • طرق فض المنازعات.
  • قواعد التحدث باسم الكتلة.
  • العلاقات الداخلية والخارجية.

مواقف الكتلة الوطنية:

للكتلة الوطنية على قاعدة الديمقراطية ثلاثة مواقف( أو خطابات)الأول تحاه الداخل الوطني، والثاني تجاه النخبة الحاكمة، والثالث تجاه الخارج، ولكل موقف من هذه المواقف ثوابت تستند إليها الكتلة في علاقاتها وتعاملاتها:

الموقف تجاه الداخل الوطني:

وهو الخطاب الموجه للوطنيين الديمقراطيين داخل الدولة، وتعمل الكتلة بشكل حثيث على توسيع هذه القاعدة الديمقراطية وكسب منتسبين جدد إليها ، وذلك من خلال ممارسة سياسية واعية ومحترفة للعمل الوطني تتصف بالصفات التالية:

  • البراغمانية.
  • النقد الذاتي.
  • المرحلية.
  • العقلانية.
  • التعلم من أخطاء الماضي .
  • التواصل المستمر مع الآخرين.
  • الاستفادة من تجارب الآخرين .
  • إدانة العنف بكافة أشكاله.
  • النفس الطويل ورفض المنزع الاستعجالي، والتأكيد على التراكمية في العمل الوطني.
  • الابتعاد عن تقديس الشعب (الشعبوية) وممارسة العقلانية النقدية التركيبية في التعامل مع المجتمع والسلطة وإدراك خطر ثقافة الاستبداد والتخلف وثقافة الخوف والفساد المقنن لدى الناس.
  • إدراك ضرورة التعبئة الشعبية المستمرة واستخدام الشارع السياسي للضغط على السلطة وإنماء ثقافة الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات السلمية والحصول على دعم المثقفين والصحفيين والرياضيين والفنانين.

الموقف تجاه النخبة الحاكمة:

تعمل الكتلة الوطنية على ممارسة الضغط المستمر على السلطة لإرغامها على تقديم التنازلات وتوسيع الخطوات الانفتاحية(هامش الحريات والحقوق)إلى نهايتها القصوى (وإقامة الحكم الديمقراطي)،مع التأكيد أن السلطة لن تقوم بتقديم هذه التنازلات للشعب بشكل طوعي وخيري وعلى شكل منح ومكرمات،بل تحت ضغط الشارع الشعبي(المنظم،المستمر،السلمي)

مع الحذر الدائم للكتلة من محاولات السلطة الحاكمة إغراء الكتلة للاندماج في النظام السياسي القائم،والعمل على احتوائها ضمن مؤسساته وهيئاته(الترغيب والترهيب)،كما يتوجب عليها العمل على ترك أبواب الكتلة مفتوحة دوما نحو اعتدال النظام وخروج الإصلاحيين والمعتدلين منه والانفتاح عليهم بشكل مدروس،وطمأنة المؤسسة العسكرية التقليدية والقوى والمؤسسات المؤثرة،وأصحاب الأعمال والأقليات أن مصالحها لن تمس نتيجة لهذا التحول    (وعد لا وعيد).

الموقف تجاه الخارج/لا للتدخل العسكري الخارجي/ لا للاستبداد:

إن الخارج من أهم المؤثرين في الانتقال الديمقراطي ويجب التعامل معه بوعي ومبدئية وبراغماتية،مع القناعة المبدئية(أن الغرب ليس كله شرا)،فهو غرب الأنوار، وغرب الاستعمار والامبريالية ، مع الابتعاد طبعاً عن طلب التدخل العسكري الخارجي باعتباره ينتمي إلى نهج الخيانة الوطنية ، والاقتصار على طلب الضغط السياسي والدبلوماسي والإعلامي والإقتصادي المباشر لدول العالم الخارجي على النظام السوري القاتل لشعبه.

  • التواصل المستمر مع المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني،وأنصار الديمقراطية، والمفكرين والأكاديميين،والتي تتمتع بالحيادية والصدقية للضغط على السلطة وإدانة القمع، والعمل على توسيع هامش الحريات، مع عدم قبول المساعدات المالية من الخارج تحت أي مسمى ومن أي مصدر كان.
  • من المؤكد أن بعض الدوائر الأجنبية في الغرب لا ترغب برؤية حكومات عربية ديمقراطية،وذلك ضمانا  لمصالحها(أنظمة الاستبداد امتداد لهذه الدوائر) حيث أنها تفصل الأخلاق عن السياسة، وتتبنى نهج(لا أعمال خيرية في السياسة الدولية)،ولن تقوم هذه الجهات بعدم إعاقة الانتقال الديمقراطي،إلا إذا اطمأنت أن مصالحها لن يصيبها الضرر وعلى كل (لكل مقام مقال)ولقد أظهرت التجارب السياسية لكثير من الدول التي انتقلت للديمقراطية ومنها دول أوروبا الشرقية(الاشتراكية)أن رفع هيمنة القطب السوفييتي عن تلك الأنظمة،كان عاملاً مساعداً وميسرا لهذا الانتقال، وساعدت الضغوط الدولية على ظهور الديمقراطية في الفلبين عندما تخلت الولايات المتحدة عن دعمها لنظام ماركوس، وكان لتخليها عن دعم العسكريين في كوريا الجنوبية الأثر الهام في هذا الانتقال.
  • عدم الانجرار وراء المباراة الصفرية في انجاز الأهداف (كل شيء أو لاشيء)وعدم الخلط بين الأهداف الكبرى ورفض الطرح الاستقطابي والتعارضي بين فلسطين والديمقراطية مثلاً ، لأن الديمقراطية هدف ووسيلة معاً وتبقى الكتلة الوطنية الديمقراطية المتماسكة هي صاحبة القول الفصل وهي التي ستجبر القوى الدولية الداعمة للنظام الاستبدادي على مراجعة هذا الدعم،وعدم ممانعة التحول الديمقراطي ، والكتلة هي الأساس والقطب الذي تدور في فلكه كافة العناصر الأخرى، وهي صاحبة المصلحة الأولى والأخيرة في هذا الانتقال و شعارها الثلاثي:

نعم للحرية…نعم للإرادة الوطنية الداخلية…نعم للإجتجاجات الشعبية السلمية

المخاطر المتوقعة أمام الكتلة:

بينت تجارب التاريخ السياسي لكثير من بلدان العالم، تعرض الكتلة الوطنية الديمقراطية للكثير من المخاطر خلال مسارها:

  • استهداف البعض لها .
  • الخلافات بين أطرافها نتيجة الخروج على ميثاقها.
  • الانشقاقات.
  • استدراج السلطة لبعض أطرافها(المنزع الاستعجالي).
  • التسرب الأيديولوجي إلى مواثيق وبرامج الكتلة وبدء الحروب الايديولوجية بين التيارات مجدداً.

النتيجة:

أنه دون قيام كتلة وطنية على قاعدة الديمقراطية ستبقى الوحدة الوطنية معرضة للمخاطر،خاصة وأن مجتمعاتنا تتسم بالتعددية الأثنية والدينية والطائفية والعشائرية،وأن النظام سيبقى اللاعب الرئيسي في السياسة الداخلية .

والتكتل على قاعدة الديمقراطية يبقى الخيار الوحيد(يد الله مع الجماعة)وجسر العبور إلى(البر الديمقراطي)،وضامن الاستقرار النسبي للأوضاع الداخلية في مواجهة الأزمات المصاحبة للانتقال،وهي التي تقوم بتصفيح الوحدة الوطنية وتحميها.

وأخيرأً:

إذا كان أنصار الكتلة الوطنية على قاعدة الاستقلال قد استطاعوا بناء كتلتهم، وحققوا هدفهم الأساسي ألا وهو تحقيق الاستقلال السياسي ، وطرد قوات المحتل الأجنبي،فهل يستطيع أنصار الكتلة الوطنية على قاعدة الديمقراطية بناء كتلتهم،وتحقيق التحول الديمقراطي،وإنجاز الدولة الوطنية الديمقراطية المدنية التي تسع الجميع؟

إذا كان جهاد السلطة المستبدة هو التحدي الأصغر فإن بناء الكتلة الوطنية هو التحدي الأكبر.

Scroll to Top