لا لرفض زيارة السفير الأمريكي لأن أمريكا ليست هي إسرائيل

في أعقاب زيارة السفيرين الأمريكي والفرنسي لحماة، حصلت خشية أن ينجح النظام باستغلالها في اتهام الثورة بالعمالة للغرب وأمريكا، وأن ينجح في شق صفوف الثورة وجعل الشعب يلتف حول النظام ضد المؤامرات الغربية، ولكن الوعي لدى الشعب والثوار كان أكبر مما يظن النظام، وكان وعيا على قدر المرحلة.

وبالفعل بدأت زوبعة هجومية من قبل تلفزيونات النظام، وأيضا للأسف من قبل بعض المفكرين المفترض بهم دعم الثورة ودعم حقوق الإنسان والحرية، وعزفوا على نغمة أن الشعب السوري يرفض التدخل الخارجي، ولكن فاتهم أن الشعب يرفض فقط التدخل العسكري ولكنه يطلب التدخل  الدبلوماسي والسياسي، لأنه لا يمكن لثورة أن تنتصر بدون انحياز الجيش لها أو بدعم وتدخل خارجي، كما أن الشعب لم يطلب زيارة السفيرين، وأنه ربما كان النظام سوف يقتحم مدينة حماة يوم الجمعة لولا أن قدر الله زيارة هذين السفيرين، فهذا النظام القذر لا يخاف من الله ولا يخاف من الشعب، فهو لا يخاف إلا من دول أقوى منه.

أما موقف الشعب السوري وموقف التنسيقيات فكان هو الترحيب المتحفظ بهذه الزيارة ودعوة بقية سفراء الدول الأخرى لزيارة بقية مناطق الثورة، وقد أثنى د. عبد الرزاق عيد على هذا الوعي الشعبي والشبابي في مقاله اتحاد (تنسيقيات) الثورة السورية وسقوط الخوف من (البعبع) الأمريكي:

“الوعي المدني الديموقراطي في سوريا قد بلغ مع الوعي السياسي النوعي (ما بعد الايديولوجي) لشباب (تنسيقيات الثورة) … حد أنه لن يقدم -بعد اليوم- أولوية خطورة الإهانة القومية لإسرائيل علينا كعرب، على المهانة الوطنية اليومية لنظام عصاباته الحاكم لشعوبه العربية …أي أنه لم يعد يرى أن تحرر الفلسطيني مقدم على تحرره السوري ولم يعد يرى في الاستيطان الإسرائيلي عدوانا أكثر شراسة واشد امتهانا للكرامة الوطنية والقومية من استيطان نظامه الأسدي المافيوي …بل يرى في التحرر السياسي والديموقراطي السوري على طريق استقلاله الثاني، مدخل لتضامنه ودعمه لتحرر شقيقه الفلسطيني على طريق استقلاله الأول … سيما وأن ميراثنا الثقافي العربي لا يعطي للأخ في الوطنية والقومية حق أن يسحق أخاه ، وأن لا يهب للذود عن كرامته إلا إذا أتى هذا السحق وإلإهانة من الأجنبي …لأن ميراثنا الثقافي يقول لنا أن ظلم ذوي القربى أشد مرارة من ظلم العدو ..” انتهى.

في الواقع نحن لا يمهنا أمريكا ولا هي تهتم بنا، ولا هي ولية أمرنا، وهي أفقدت بشار شرعيته بسبب مصالحها، المهم يجب أن نعرف ونفهم كيف نستغل تقاطع مصالح أمريكا مع مطالب الشعب السوري في الحرية. والفكرة التي قدمها د. عبد الرزاق عيد مهمة جدا وبحاجة لمزيد من الترسيخ، ولكن أيضا هناك فكرة أخرى أكثر أهمية تحتاج للنشر كي يعلم بها الجميع، قد تكون غريبة بعض الشيء لكنها تفسر كثيرا مما يبدو لنا أنه تناقضات في الواقع إذا لم نكن نعرفها.

أمريكا ليست هي إسرائيل وإسرائيل ليست هي أمريكا

نعم التحالف وثيق جدا بين أمريكا وإسرائيل، والمصالح المشتركة كثيرة واستراتيجية، بل هناك ما هو أهم وهو التقاطع العقدي بين العقيدة اليهودية الصهيونية بضرورة إقامة دولة إسرائيل من أجل أن يسيطر اليهود على العالم حسب اعتقادهم، وبين العقيدة البروتستانتية بضرورة إيجاد يهود في فلسطين من أجل أن يحرق المسيح نصفهم عندما ينزل ويتنصّر نصفهم الآخر، ويسيطر البروتستانت على العالم بدلا من اليهود حسب اعتقادهم.

إذا نجد لدى الطرفين عقيدة مشتركة بضرورة عودة اليهود لأرض صهيون، ولكن يوجد بينهم تنافس للسيطرة على العالم، وهذا يجعل كل من إسرائيل وأمريكا شيئين منفصلين مختلفين، كما أن فكرة أن إسرائيل وأمريكا شيء واحد تتناقض مع حقيقة التواجد والنشاط الكثيف للوبيات الصهيونية في أمريكا، فلو كانت أمريكا مع إسرائيل قلبا وقالبا، فلماذا تحتاج إسرائيل إلى كل هذه اللوبيات، وكل هذه السيطرة على وسائل الإعلام والتأثير؟ ولماذا تقوم أمريكا بالقبض على شبكة تجسس إسرائيلية  تتجسس عليها؟

كما أن لأمريكا مصالح خاصة بها مع الدول العربية خاصة الخليج، وهذه المصالح تقتضي أن تقوم أمريكا بتحسين سياسيتها الخارجية تجاه الدول العربية، وفي الفترات التي كانت أمريكا تفضل فقط مصالحها مع إسرائيل وتضرب بمصالحها مع العرب عرض الحائط، كانت صورتها تزداد قبحا وسوءا وتزداد الكراهية ضدها، وليس غريبا أن تقوم بمراجعة سياستها وتقرر العمل وفق مصلحتها بشكل أفضل، مما يعني مراعاة مصالح العرب أكثر.

أما من الناحية الشرعية فقد تعاطف المسلمون في زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم) مع الروم في حربهم ضد الفرس، بينما تعاطف المشركون مع الفرس ضد الروم، مع أن كلا من الروم والفرس عدوين خطيرين، إلا أن القرآن يخبرنا بأن المشركين أشد خطرا، فال تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا وَ لَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى‏ ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَ رُهْباناً وَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) [المائدة 82].

نخلص إلى نتيجة بوجوب سقوط البعبع الأمريكي من أذهاننا، مع التأكيد على أنه عدو استعماري يجب الحذر منه، وللعلم فإن حزب البعث الاشتراكي وغيره من أحزاب وتيارات اشتراكية وشيوعية هي التي حشت رؤوسنا بالخوف المبالغ فيه كثيرا من الغرب، من أجل تظل تسيطر علينا وتستمرنا وتستعبدنا بطريقة أبشع بألف مرة من كل احتلال أجنبي في تاريخ بلادنا. إن شعار رفض التدخل الأجنبي نشره النظام ليحمي نفسه، فوقع في الفخ كثير من المعارضين السوريين بنية حسنة. فقط التدخل الأجنبي بأهداف استعمارية هو المرفوض. لكن تدخل المجتمع الدولي وفق ميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان شيء مطلوب، ولا شك أن الشعب السوري يتطلع إلى تدخل المجتمع الدولي لإيقاف هدر حقوقه وإيقاف شلالات الدماء.

Scroll to Top