مشاكل الثورة اليمنية: القاعدة – الحوثيين – الحراك الجنوبي

الثورة اليمنية بالذات ثورة حمالة أوجه بين القبول والرفض، فهي ليست كالثورة الليبية في ضرورة تأييدها وتعزيزها، وليست كالثورة البحرينية في ضرورة رفضها. فثمة خصوصية كبيرة في هذه الثورة كونها واقعة في المنطقة الرمادية، فهي تعد مشكلة معقدة وبحاجة الى تبصر وفقه سديد في فقه مقاصد الشريعة وفهم الواقع والقوى اللاعبة على الساحة اليمنية. فالخوف من حدوث الفوضى والفتن بعد الثورة وارد جدا إلى درجة قد تصل الى تكريس المنكر والفساد والظلم وتكثيره بدلا من تقليله أو إلغائه، ولا نقصد بهذا القول بأن مطالب الشعب بالديمقراطية والعدالة والحرية غير محقة، بل نقصد أن في إسقاط النظام اليمني يترجح وقوع الفوضى وزيادة الفتنة. فإذا كان حديث القذافي عن وجود القاعدة في ليبيا كذب وافتراء، فإن وجود القاعدة في اليمن حقيقة لا أحد ينكرها، وإذا كان التخوف من وجود القاعدة وحده يكفي لذي لب، فما بالنا بوجود أيضا الحراك الجنوبي الاشتراكي الذي يريد الانفصال، وبوجود الحوثيين عملاء إيران؟ كيف يمكن تخيل اليمن إذا سقط النظام في خضم كل هذه القوى المتربصة به، وتغلبوا على الحكم؟

لا شك بأن النظام اليمني فاسد وسلطوي، ولكن يجب علينا أولا أن نعرف ما هو حكم الخروج على الحاكم المسلم الظالم، وما هي الحالات التي يجوز فيها الخروج على مثل حال هذا الحاكم والحالات التي لا يجوز فيها؟ فليس الأمر كما يقول بعض السفهاء من الناس بأن هذا المنطلق بالفتيا مرفوض كونهم يصنفونه ضمن باب فتاوى وعاظ السلاطين، بل لأن الواجب يقتضي النظر في عواقب الأمور والتبصر بما بعد الثورات. ففي كثير من حالات الفتن والمحن كثورة اليمن، يجب بذل الجهد لمعرفة حكم الشرع الأقرب إلى الصلاح في كل ثورة من حيث ظروفها، وذلك لكسب رضا وتوفيق الله تعالى، وأما من يضرب هذا المنطلق بعرض الحائط فماذا ينتظر سوى الخذلان والضياع والعقاب الرباني.

الخروج على الحاكم الفاسد والظالم فيه خلاف والأرجح أنه لا يجوز، أما الخروج على الحاكم الكافر مثل القذافي فهو واجب بشرط القدرة عليه، وبشرط أيضا أن يكون من الممكن أن يحل مكانه أفضل منه، بمعنى أن تكون المكاسب أكثر من الخسائر، أما بدون هذه الشروط فلا يجوز الخروج على الحاكم ولو كان كافراً حتى تتحقق.  فما بالك في اليمن الذي من المتوقع فيه أن يحصل تقسيم الدولة الواحدة، أو فوضى القاعدة، أو تمكّن إيران منه عبر الحوثيين؟

تنظيم القاعدة:

مهما قيل ويقال عن تواطؤ النظام بالسماح للقاعدة باحتلال بعض المدن اليمنية أثناء الثورة، إلا أن أمراً غريبا يجب أن ينتبه له الجميع، لماذا توقف تنظيم القاعدة عن تنفيذ أي عمليات إرهابية منذ بدء الثورة؟ هل ينتظر نجاح الثورة ولا يريد أن يعطلها بأعمال حمقاء؟ أليس المفترض أن تزداد عملياته أضعافا مستغلا انشغال النظام بالثورة؟

الحراك الجنوبي:

الحراك الجنوبي يتكون من تحالف أحزاب اشتراكية وشيوعية ويسارية، وهدفها إعادة تقسيم اليمن وإقامة دولة اليمن الجنوبي الشيوعية أو ذات الإرث اليساري، ومن المعلوم أن الدول الشيوعية واليسارية بشكل عام هي الأشد قمعا والأشد انتهاكا لحقوق الإنسان وهي الأبعد عن الحرية والديمقراطية، ولدينا القذافي والأسد وبوتفليقة أمثلة عليها، أما مشاركة هؤلاء بالثورة السلمية وإعلانهم الاندماج بالمجتمع اليمني فلا يغير كثيرا من الحقيقة، لأن هذا قد يكون تكتيكا مؤقتا إلى أن تنجح الثورة، ثم يمكنهم بسهولة المطالبة بعمل استفتاء انفصال، ومثل هذه الأحزاب قائمة أساسا على الكذب والخداع فلا يمكن الوثوق بها.

الحوثيين:

هم في غنىً عن التعريف السلبي، وعلاقتهم بإيران ومشروعها للسيطرة على اليمن واحتلاله لا ينكرها إلا جاحد، وهؤلاء أيضا من المستغرب أنهم لم يستغلوا الفرصة لشن حربهم أثناء الثورة، بل أيدوها وشاركوا بها سلميا، ولا يعني ذلك بأنهم تخلوا عن سلاحهم ومخططهم وولائهم لإيران، فحتى لو قامت في اليمن ديمقراطية فسوف يكونون حجر عثرة مثل ما يفعل حزب اللات في لبنان، وقد يستعملون سلاحهم لترهيب خصومهم وزيادة نفوذهم وزيادة تسلطهم على اليمن.

وبعد كل هذا العرض، فما هو الحل وما هو البديل؟ الجواب: يجب على الرئيس علي عبد الله صالح التنحي وتسليم السلطة بشكل سلس كما فعل مبارك من أجل إنهاء الأزمة، ويجب على اليمنيين القبول بتسوية ووساطة خليجية من أجل إبقاء اليمن مستقرا، ويجب العمل على الانتقال إلى الديمقراطية والنظام الجديد بعقلانية وتحسّب للظروف الخطيرة الحقيقية الخاصة باليمن، وهذا يعني أنه يجب القبول ببعض التنازلات حفاظا على المصلحة العامة ومنعا للأعداء المتربصين به من استغلال أية حالة فراغ سياسي أو فوضى، وليكن معلوما أن جميع هؤلاء الأعداء هم أشد ظلماً وفسادا من نظام الرئيس على عبدالله صالح، وإلا فهل يريد اليمنيين أن يُشمت بهم إذا انتكست ثورتهم وجاءهم نظام أسوأ من السابق؟ أليس في قبول الحزب الحاكم بالمبادرة الخليجية والمعارضة على حد سواء ما يحفظ للرئيس ماء الوجه، ويلبي قدرا مقبولا من الإصلاحات، ويحفظ البلاد من الانزلاق في الفتن؟

Scroll to Top