يجب أن نعرف السبب الجوهري لتطرف ديكتاتورية النظام السوري كي نتخلص منه

من المهم جدا معرفة جوهر وحقيقة السبب الذي أوصل سورية إلى ما وصلت إليه ديكتاتورية متطرفة جدا منذ 48 عاما، فهل هو كما كان النظام يشيع أنه بسبب سيطرة العلويين على الحكم والأمن والجيش؟ أم هل هو فعلا بسبب قيام عائلة الأسد باستغلال حزب البعث والبعض من الطائفة العلوية وكثير من الطوائف الأخرى؟ أم هي سياسات صهيونية وعلاقات أيديولوجية مع إيران وروسيا والصين وسابقا مع الاتحاد السوفييتي؟ وما أهمية معرفة ذلك؟

إذا لم نعرف السبب الحقيقي وراء مصيبة سورية فسوف لن نعالجه، بل سنعالج أسبابا أخرى ثانوية أو أقل أهمية وتبقى لدينا المشكلة الأساسية ونبقى في نفس الحلقة المفرغة، ولمعرفة حقيقة المشكلة يجب أن نورد عددا من الأسباب الرئيسية والثانوية ونقيّمها لمعرفة أهمية كل سبب فيها قديما وحديثا، مع التدعيم بالأدلة والشواهد.

الأسباب:

1- الانقلاب العسكري وسيطرة طغمة عسكرية على الحكم: وهذا سبب من أسباب المكشلة، لكن هذا لا يكفي وحده لاستمرار الديكاتورية بهذا الشكل المتطرف جدا ولهذه الفترة الطويلة.

2- تسلط أسرة حاكمة يهمها فقط البقاء في الحكم: جميع الدول الملكية عبارة عن أسر حاكمة بعضهم وطني وبعضهم نصف وطني وبعضهم لا يهمه إلا الحكم فقط، وفي أسوأ الأحوال لا تصل الأمور إلى 10 – 20% من السوء في سورية مهما كانت العائلة المالكة فاسدة، أو حتى لو كانت في دولة جمهورية مثل مصر وتونس.

3- استغلال بعض من الطائفة العلوية مع غيرهم من الخونة من الطوائف الأخرى في السيطرة على الحكم، وهذا يكفي وحده ليفسر جزءا كبيرا من الحالة السيئة في سورية، لكنه لا يفسر مثلا لماذا أصر النظام على البقاء في تحالف مع الاتحاد السوفياتي سابقا ومع إيران وروسيا والصين حاليا، ولم يبني علاقات مع الغرب إلا بقدر ضرورة كف عدائهم، ولماذا لا يتحول هذا النظام الطائفي مثلا إلى العلاقات الغربية بشكل موسع ويتخلى عن العلاقات مع الشرق؟ ولماذا لا يتخلى عن حزب البعث الاشتراكي بعد أن استخدمه للوصول إلى الحكم؟ ولماذا لا يتخلى عن السياسات الاقتصادية والأمنية الاشتراكية إلا بعد أن تخلت عنها كل المنظومة الاشتراكية في العالم؟ ولماذا البعثيين بالذات حتى لو كانو غير علويين لهم امتيازات خاصة؟ ولماذا يسمح فقط لأحزاب الجبهة الوطنية العمل السياسي وهي كلها من ذات التوجه الاشتراكي والماركسي؟ وكثير من التساؤلات والأدلة الأخرى التي تجعل هذا النظام البعثي الاشتراكي – الأسدي الطائفي، متطابقا تماما لأي نظام شيوعي أو اشتراكي في العالم، وتنطبق عليه صفات النظام الطائفي في آن واحد.

وهذا يقودنا إلى تساؤل مهم: إذن ما هي طبيعة هذا النظام؟ هل هو طائفي استخدم حزب البعث؟ أم أن حزب البعث استخدم الطائفة؟ أم أن هي المنظومة الاشتراكية العالمية استخدمت هذه العائلة الأسدية، وبعض الطائفة العلوية، وجعلتهم في القيادة من أجل إيصال حزب البعث الاشتراكي للحكم، والذي هو في حقيقته نسخة قومية عربية من الشيوعية، وفي نفس الوقت تم بث دعاية مفادها أن الحاكم هم الطائفة مستغلين حزب البعث؟

إذا قارنا جميع الدول التي تتبنى الأيديولوجية الماركسية في العالم، سواء الشيوعية أو الاشتراكية أو اليسارية ألخ.. فإننا نجد نفس النموذج من القمع والإرهاب سواء كان النظام طائفي أم غير طائفي، وهذا كان في الصين بقيادة ماوتسي تونغ، وفي الاتحاد السوفياتي خاصة في زمن ستالين وبريجينيف، وفي وزمن صدام البعثي الاشتراكي، وأيضا في الجزائر التي يحكمها طغمة عسكرية ذات خلفية شيوعية، ونجده في نظام القذافي صاحب الجماهيرية الاشتراكية، وهذا يعني أن أصل البلاء في حالة سورية هو تبني الأيديولوجية الماركسية، وإن كون النظام السوري طائفيا، فإن هذا يسهل من مهمة حزب البعث (ممثل الشيوعية) في تحقيق أهدافها، وهذا يفسر كثيرا لماذا تستميت الصين وروسيا في الدفاع عن الأسد وأيضا القذافي.

الآن نقول:

إذا كنا نظن أنه فقط طائفية النظام هي أهم الأسباب، فسوف نبني نظاما جديدا بعيد عن الطائفية، لكن ربما لا نكون حريصين جيدا على تجنب الوقع مجددا في سطيرة أحد أفخاخ الأحزاب الماركسية، وهي على تنوعها تشكل أدوات متنوعة لاصطياد للشعوب، فإذا لم يصطدنا هذا الحزب يصطادنا الآخر، والنتيجة أنه سيظل يحاول أن يعيدنا قدر ما يستطيع إلى أكبر قدر ممكن القمع والديكاتورية في الظروف الجديدة، سوف لن يكون مثل السابق، لكننا سنعاني كثيرا معه، ولن يتوانى عن استغلال أي ظروف أو مستجدات لزيادة ديكاتوريته ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

لكن ما نريده هو دولة ديمقراطية في تعددية وتداول سلمي للسطلة، كم أن هناك أيضا شكل آخر من هذه السيطرة الماركسية، مثل ما هو في بعض دول أمريكا الجنوبية، حيث يوجد تعدد للأحزاب وتداول للسطلة بينها، لكن معظمها هو من هذه الخلفية الماركسية أو اليسارية، والنتيجة هي دول في الظاهر ديمقراطية وفي الحقيقة ربما تكون منطوية على قدر لا يستهان به من الديكاتورية ومساندة الديكاتوريات، وهذا هو تفسير تساؤل عبيدة فارس بأنه لماذا تساند الهند وجنوب إفريقيا والبرازيل النظام السوري قاتل الأطفال والنساء، ولماذا أيضا ساندوا القذافي رغم أنهم دول ديمقراطية، والجواب هو أنها ديمقراطية مقصورة على الأحزاب اليسارية، وهذا ما لا نريده في سورية الجديدة سورية الغد، فكفاها ما حل بها وما عانته طوال تلك العقود.

يجب فعلا أن تتسع سورية الجديدة للجميع بكل معنى الكلمة وليس فقط لليساريين، فهذا ما سوف يستميت النظام الحالي ليؤثر في الثورة من أجل حدوثه، الجميع يجب أن يقبل بالعمل تحت مظلة الديمقراطية مهما احتلفت آراؤه وتوجهاته، لا يجوز إقصاء أي اتجاه أو رأي عن المشاركة في العملية الديمقراطية، لا يجوز الاستمرار في لغة التخوين، ولا يجوز لأي حزب يصل للحكم بواسطة صناديق الاقتراع، أن يسعى لتطبيق أيديولوجيته وحده ويلغي الديمقراطية كما يفعل المالكي قائد حزب الدعوة في العراق، سورية الجديدة لا مكان فيها للإقصاء ولا مكان فيها للإقصائيين.

Scroll to Top