تحليل شائعات ثروة عائلة مبارك أين الخلل؟

طارق الحميدفي هذا الموقع نهتم كثيرا بتنمية مهارات فقه الواقع وتدريب الأذهان على التفكير بطريقة أقرب إلى الصحيحة بخصوص ما يجري حولنا من أحداث، وقد وجدنا هذا أن المقال في صحيفة الشرق الأوسط يصب في هذا الاتجاه:

الجميع يعتقد أن ثروة عائلة الرئيس المتنحي هي 70 مليار دولار كما قالت «الغارديان» البريطانية، حيث ردد بعض من إعلامنا العربي المعلومة دون أن يكلف نفسه عناء السؤال عن مصدر القصة، وخلفياتها، وبالطبع فإن المبلغ غير صحيح، والقصة لها تفاصيل مضحكة حقا.

فعندما نشرت صحيفة «الغارديان» تقريرا عن أن حجم ثروات الرئيس المتنحي وعائلته، وتحديدا قبل التنحي، يبلغ 70 مليار دولار، قامت الدنيا ولم تقعد، وخاف العقلاء وقتها من أن يقولوا إنه أمر لا يصدق، وسرى الخبر مسرى النار بالهشيم، وتناقله بعض إعلامنا على أنه حقائق، ومنه الإعلام المصري، وتغنت به «الجزيرة» القطرية أيما غناء. والذي لا يعلمه الكثيرون هو أن معظم ذلك التقرير الذي نشرته «الغارديان» كان مبنيا على قصة نشرت بصحيفة «الخبر» الجزائرية أواخر عام 2009 على خلفية الخلاف الكروي الذي نشب حينها بين مصر والجزائر.

فأهم مصدر في قصة «الغارديان» عن حجم ثروات أسرة مبارك هو صحيفة «الخبر» الجزائرية التي نشرت المعلومات في تقرير لها أواخر عام 2009 عن ثروات أسرة مبارك، وعندما نشرت «الغارديان» القصة لم تقل إنها صحيفة «الخبر» الجزائرية، بل قالت إنها صحيفة «الخبر» العربية، ولم تشر الصحيفة البريطانية إلى أن التقرير كتب على خلفية حملات إعلامية بين مصر والجزائر، بل قالت إنه نشر العام الماضي، وهو أقدم من ذلك.

والطريف، ولنرى الفارق الذي أقصده، أنه عند البحث على الإنترنت وجدت تعليقا لأحد المدونين في موقع «عراقي فويس»، كتب يقول بتاريخ 24 – 11 – 2009 وتحت اسمه المستعار «سايلنت تيرز1»، وأنقل هنا دون تصرف: «تصاعدت فصولا وفي أشكال متعددة، الأزمة الكروية التي امتدت لتشمل الشؤون كافة سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعماليا وفنيا، فضلا عن تدويلها مع تهديد جمال مبارك بنقل القضية إلى محافل دولية شاكيا الجزائر، كما دشن البلدان عبر وسائل إعلامهما مرحلة نبش الماضي ومعه أيضا ما في خزائن الآخر من مليارات في بنوك العالم، وهذا ما فعلته صحيفة (الخبر) الجزائرية في متابعتها لأرصدة آل الرئيس مبارك»!

وعليه، فهذا شخص يكتب تحت اسم مستعار تنبه إلى أن المناوشات بين البلدين قد وصلت إلى التراشق بهذه القصص التي لا ترقى إلى المصداقية، بينما لم يتنبه جل من نقل القصة عن «الغارديان» من إعلامنا إلى ذلك، ومنه الإعلام المصري الذي لا يزال يطالب بالتحقيق حول مبلغ السبعين مليارا، حيث لم يتنبه إلى أن القصة كانت كلها عبارة عن معركة هو نفسه كان طرفا فيها عام 2009، بسبب الأزمة الكروية، فيا لها من كوميديا سوداء بحق! فها هي صحيفة «نيويورك تايمز» تنقل عن مسؤولين أميركيين أن ما يتردد عن ثروة عائلة مبارك مبالغ فيه، وأن ثروة العائلة قد تتراوح بين مليارين و3 مليارات دولار!

والقصة هنا ليست للدفاع عن مبارك، وإنما للدفاع عن عقولنا التي لا يحترمها بعض إعلامنا العربي في ما سميته من قبل بعملية غسيل الأخبار. وبعد هذه الفضيحة يجب أن تكون الثورة القادمة بمنطقتنا في إعلامنا نفسه، لأنه جزء من أزمتنا.

tariq@asharqalawsat.com

الموضوع الأصلي: كم هي ثروة مبارك.

التعليق: لا شك أن الكاتب مصيب في ما ذهب إليه من ضرورة التأكد والتحقق من صحة أي خبر قبل نشره وترديده، وهذه واحدة من أهم قواعد فقه الواقع والوصول إلى النصر والتمكين، يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) {الحجرات 6}.

قوله – عز وجل – : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) الآية ، نزلت في الوليد [ ص: 339 ] بن عقبة بن أبي معيط ، بعثه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى بني المصطلق بعد الوقعة مصدقا ، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية ، فلما سمع به القوم تلقوه تعظيما لأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم فرجع من الطريق إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال : إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي ، فغضب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهم أن يغزوهم ، فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، فقالوا : يا رسول الله سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلناه من حق الله – عز وجل – ، فبدا له الرجوع ، فخشينا أنه إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا ، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله ، فاتهمهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وبعث خالد بن الوليد إليهم خفية في عسكر وأمره أن يخفي عليهم قدومه ، وقال له : انظر فإن رأيت منهم ما يدل على إيمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم ، وإن لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما يستعمل في الكفار ، ففعل ذلك خالد ، ووافاهم فسمع منهم أذان صلاتي المغرب والعشاء ، فأخذ منهم صدقاتهم ، ولم ير منهم إلا الطاعة والخير ، فانصرف إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأخبره الخبر ، فأنزل الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق ) يعني الوليد بن عقبة ( بنبأ ) بخبر ( فتبينوا أن تصيبوا ) كي لا تصيبوا بالقتل والقتال ( قوما ) برآء ( بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) من إصابتكم بالخطأ .المصدر: تفسير البغوي.

Scroll to Top