الشيوعية والصراع السياسي مع الأنظمة

 من المعلوم أن الماركسية الشيوعية تقوم على (الفلسفة المادية) أو (الجدلية المادية) والتي تنبثق عنها نظرية ماركس للتفسير المادي للتاريخ أو ما يسمى بـ (المادية التاريخية). يلخص لنا طارق حجي (المادية التاريخية) بما يلي: ((… فإن الدين أو الثقافة أو العرف أو التقاليد أو العادات أو القوانين أو النظم السياسية والاجتماعية السائدة في عهد معين هي –  في نظر ماركس والماركسيين –  مجرد انعكاس ونتيجة للبناء الاقتصادي في المجتمع برافديه: قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج. ولما كانت قوى الإنتاج تتغير ويؤدي ذلك لتغير علاقات الإنتاج, فإن البناء العلوي –  بكل مكوناته – يتغير أيضاً تبعاً لذلك)) ([1]).

هذا وبناء على هذه المادية التاريخية ـ الدجلية أو الكاذبة ـ ونتيجة لشكل البناء الاقتصادي في المجتمع برافديه: قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج فقد قسمت الماركسية التاريخ البشري إلى خمس مراحل:

– المشاعية البدائية.

– الرق.

– الإقطاع.

– الرأسمالية.

– الشيوعية.

فبتغير قوى الإنتاج في كل مرحلة، تتغير علاقات الإنتاج وبالتالي شكل النظام السياسي أو الدولة. وفلسفتهم في ذلك تقوم على قانون نفي النفي (أو التضاد): ويعني أن كل شيء يحمل في نفس الوقت بذرة نقيضه، وأن عمليات التطور تحدث عن طريق أن كل شيء يلد نقيضه. فبتغير قوى الإنتاج المشاعية البدائية مثلاً (مثل ظهور أدوات جديدة للعمل، والمواشي، والزراعة…) أدى ذلك إلى تغير علاقات الإنتاج وبالتالي شكل النظام السياسي، فظهرت مرحلة الرق.

وهكذا حصل في كل مرحلة والتي تليها من مراحل التاريخ الخمسة حسب زعم الشيوعية. فلكي يصل المجتمع البشري إلى مرحلة الشيوعية، لا بد أن يُقضى على الرأسمالية، وهم يضحكون على البشر حين يلبسون هذه النظرية الدجلية ثوبا علميا، باعتبارها على حد زعمهم نظرية علمية تقدمية. وهذه بعض نصوصهم:

يقول كارل ماركس وفريدريك انجلز: ((إن البرجوازية تنتج قبل كل شيء حفاري قبرها، فسقوطها وانتصار البروليتاريا كلاهما أمر محتوم لا مناص منه))([2]).

ويقولان: ((هدف الشيوعية المباشر هو الهدف نفسه الذي ترمي إليه جميع الأحزاب البروليتارية، أي: تنظيم البروليتاريا في طبقة وهدم سيادة البرجوازية، واستيلاء البروليتاريا على السلطة السياسية([3]).

ويقولان: ((والخلاصة أن الشيوعيين يؤيدون في كل قطر من الأقطار كل حركة ثورية ضد النظام الاجتماعي والسياسي القائم … ويترفع الشيوعيون عن إخفاء آرائهم ومقاصدهم, ويعلنون صراحة أن أهدافهم لا يمكن بلوغها وتحقيقها إلا بدك كل النظام الاجتماعي القائم بالعنف. فلترتعش الطبقات الحاكمة أمام الثورة الشيوعية. فليس للبروليتاريا ما تفقده فيها سوى قيودها وأغلالها, وتربح من ورائها عالماً بأسره. يا عمال العالم, اتحدوا))([4]).

إلا أن لينين قدم بعض التعديلات على بعض القوانين الماركسية الواردة في البيان الشيوعي، أثناء الانتقال من مرحلة الرأسمالية إلى الشيوعية، منها التخلي مرحلياً عن الإعلان الصريح بالمبادىء والمقاصد، إلى التظاهر بالسلم، والتنازل مؤقتا عن سياسة القتل والإبادة.

يقول فلاديمير لينين في ذلك في معرض حديثه عن الثورة الشيوعية ضد النظم القائمة: ((إن دكتاتورية البروليتاريا، هي عبارة عن نضال عنيد، دموي وغير دموي، قسري وسلمي، حربي واقتصادي، تربوي وإداري، يشن ضد قوى وتقاليد المجتمع القديم))([5]).

ففي الوقت الذي تقول فيه الماركسية من الناحية النظرية، بحتمية القضاء على الرأسمالية طبيعياً، حسب القانون الدجلي قانون نفي النفي (أو التضاد). نجدهم من الناحية الواقعية، يخططون لإسقاطها بواقع سياسة الهجوم، ويعملون لأجل ذلك بمكر وخبث وكذب لا حدود له يعكسون به الحقائق، فتصبح النار جنة، والجنة ناراً في خيال الحالمين، والفقر والجوع غنى، والغنى والجوع فقر،  والعبودية قمة الحرية، والحرية قمة العبودية. ويتكرر الكذب ويتكرر ضد النظام الرأسمالي أو الرجعي حتى يصدق الرعاع من الناس ـ وما أكثرهم هذه الأيام ـ وبالتالي لا يرى الرعاع ظلماً وجوعا وعبودية أكثر مما يعيشون، فتبدأ الأزمة المفتعلة بينهم وبين النظام المستهدف بالتضخم، وتصل المعارضة له إلى داخل الأجهزة الأمنية عن طريق الخلايا السرية وغير السرية في الأجهزة ببرمجة مسبقة، وحين تحين الفرصة، يقوم الشيوعيون بانقلاب عسكري، تثور ثائرة الرعاع ومن خلفهم المخططون والموجهون، فيسقط النظام الرأسمالي أو الرجعي، أو الإسلامي بعمل جاسوسي دؤوب، لا كما يزعم الماركسيون بسقوط طبيعي، ويعتبر الشيوعيون كل سقوط لأحد النظم الرأسمالية أو الرجعية ـ على حد تعبيرهم ـ دليل على صدق نظرية ماركس للتفسير المادي للتاريخ، يقدمونه للرعاع ليواصلوا معهم القضاء على النظام الذي يليه، وهكذا حتى تسيطر الشيوعية على العالم كله، وتقوم بذلك حكومة داوود العالمية، فتتحقق نبوءات التوراة المزورة، ويصبح اليهود ـ كما يتوهمون ـ سادة الدنيا.

ثبت لدينا أن الشيوعية فتنة عظيمة، تسعى لاستخدام الرعاع من الناس، لإسقاط النظم السياسية المعارضة للشيوعية بالصراع السياسي المبرمج، تحت شعارات تتصف بالعلمية. لذا نرى أن الغالبية العظمى من الناس تعادي النظم الرأسمالية أو النظم الإسلامية التي تعادي الماركسية، أكثر من معاداتها للدول الاشتراكية، بل نجد الكثير من أبنائنا من يوالي الدول الاشتراكية في حين يعادون الدول الإسلامية غير الاشتراكية. وهذا نتيجة التضليل الفكري الماركسي الذي خضع له هؤلاء وهم لا يعلمون، وكثير منهم يعلمون، فأصبحنا غثاء يسيرنا التيار الفكري الاشتراكي لمصلحة إسرائيل الكبرى، إلا ما رحم ربي.([6]).

وثبت لدينا أيضاً أن الصراع السياسي المسلح، وغير المسلح (العنف السياسي) مع الحكومات، هو من صميم نظرية ماركس للتفسير المادي للتاريخ، وبالتالي يخدم إسرائيل. وفي المصطلحات الشيوعية يسمى المجتمع رأسماليا ((حين يملك الأفراد وسائل الإنتاج فيه كالأرض والصناعات، ويكون الإنتاج فيه لمصلحة هؤلاء الأفراد))([7])، وبهذا تندرج المجتمعات الإسلامية في هذا التعريف، لأن الإسلام قد ضمن هذه الحقوق للرعية.

عدنان الصوص


([1])  ((الشيوعية والأديان))، ط/ دار النهضة- القاهرة (ص21-22).

([2])  ((البيان الشيوعي))، ط/ دار التقدم موسكو، (ص56).

([3]) المصدر السابق، (ص 58).

([4])  ((البيان الشيوعي))، ط/ دار التقدم موسكو، (ص 85).

([5]) ((المختارات)) (ج9/460)، عن كتاب ((بصدد كتاب لينين، مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية)) لـميخائيل تروش، (ص 184)، ط/دار التقدم موسكو.

([6])  للمقارنة بين الخطر الاشتراكي والخطر الرأسمالي على الإسلام والمسلمين، انظر كتابنا ((المنابر الإعلامية بين تجاهل الخطر الاشتراكي وظاهرة معاداة أمريكا)).

([7])  ((موسوعة الهلال الاشتراكية))، (ص237).

Scroll to Top