وحدة الوجود في أوراد الطرق الصوفية

تلخيص كتاب الكشف عن حقيقية الصوفية

كتاب دلائل الخيرت أوراد الطرق الصوفيةونحن، في عرضنا للصوفية، نواجه نوعين من الناس: خبثاء وبسطاء. والبسطاء يرددون أقوال الخبثاء بسلامة صدرٍ وحسن نية. ومن جملة ما سيقوله لنا كلا النوعين في هذا المقام: إن الصوفيين الحاليين لا يعرفون هذه الأمور! أو: إنهم الآن لا يفهمون ذلك! أو: إن هذا شيء انتهى! أو.. أو.. وما أكثر ما عندهم من اعتراضات كلها باردة وليس فيها شيء من الحق. فسداً لذرائع أمثال هؤلاء، نورد نصوصاً معتمدة لدى الطرق الصوفية، من أورادهم وصلواتهم التي يتعبدون بها في خلواتهم واجتماعاتهم، يطبعونها في كتب يوزعونها، ويحفظون نصوصها:

* من أوراد الطريقة القادرية وقد يستعملها الآخرون:

…الاسم الثالث (هو)، عدد تلاوته أربعة وأربعون ألفاً وستمائة مرة، وتوجهه: يا من هو الله لا إله إلا أنت هو هو هو، إلهي حقق باطني بسر هويتك، وأفن مني أنانيتي إلى أن تصل إلى هوية ذاتك العلية، يا من ليس كمثله شيء، أفنِ عني كل شيء غيرك، وخفف عني ثقل كثائف الموجودات، وامحُ عني نقطة الغيرية لأشاهدك ولا أدري غيرك، يا هو يا هو يا هو، لا سواك موجود، لا سواك مقصود، يا وجود الوجود([1])

– ومن الجدير بالملحوظة أن الطريقة القادرية (بل كل الطرق الصوفية) تتبنى عينية عبد الكريم الجيلاني، التي مر أبيات كثيرة منها، يتبنونها على أنها من نظم عبد القادر الجيلاني. ولا يهمنا نسبتها لهذا أو لذاك، وإنما الذي يهمنا هو تبنيهم لها، ويستطيع القارئ الرجوع إليها في صفحات سابقة، ولا بأس من إيراد بيتين منها:

وما الخلق في التمثال إلا كثلجة             وأنت لها الماء الذي هو نابع

وما الثلج في تحقيقنا غير مائه             وغيران في حكمٍ دعته الشرائع

* ومن أوراد الطريقة الرفاعية (ويستعملها غيرهم):

* ومن أوراد الطريقة الرفاعية: اللهم صل على المتخلق بصفاتك، المستغرق في مشاهدة ذاتك، رسول الحق، المتخلق بالحق، حقيقة مدد الحق: ((أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ)) [يونس:53]…وقد جعلت كلامك خلقه، وأسماءك مظهره، ومنشأ كونك منه([2])

* ومنها: اللهم بك توسلت.. أن تصلي عليه صلاة أبدية ديمومية قيومية إلهية ربانية، تصفينا بها من شوائب الطبيعة الآدمية بالسحق والمحق، وتطمس بها آثار وجودنا الغيرية عنا في غيب غيب الهوية، فيبقى الكل للحق في الحق بالحق([3])

* وفي الطريقة النقشبندية :

مر معنا قول الشيخ سلامة العزامي([4]) واصفاً شيخه أمين الكردي:

…وكان يرى أن القول بوحدة الوجود من سُكر الوقت وغلبة الحال، يعذر صاحبه إذا كان مغلوباً، ولا يصح تقليد غيره له([5])

ويقول محمد بن سليمان البغدادي الحنفي النقشبندي([6]):

…الإسراف السابق لا ينافي الجذب اللاحق، لأن كثيراً من الأولياء الأكابر جذبتهم الواردات الإلهية وهم في الإسراف والمعصية، وأما الإسراف اللاحق، إذا لم يغلب على الخير، بل كان الأمر بالعكس، فلا يُحْكَم به على هلاك صاحبه جزماً والطعن في حاله…واعلم أن الجذب وحده من غير سلوك في الطريق المستقيم بامتثال أوامر الحق تعالى والاجتناب عن نواهيه لا نتيجة له أصلاً…وكذلك السلوك بامتثال الأوامر واجتناب النواهي من غير جذب إلهي لا نتيجة له غير الدخول في حيز العلماء والعباد من أهل الظاهر([7])

– وطبعاً، الجذبة هي التجلي الإلهي، وفيها يحصل التحقيق بالأسماء الإلهية، والاستشعار بالاسم الصمد، أو بالألوهية.

* ومن أوراد الطريقة الشاذلية (وغيرهم يستعملها): مر معنا قولهم في الصلاة البشيشية – أو المشيشية -: وزج بي في بحار الأحدية وانشلْني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة، حتى لا أرى ولا أسمع ولا أحس الا بها([8])

* ومن حزب الفتح ( لسيدي أبي الحسن الشاذلي ):

.. ونسألك الإحاطة بالأسرار.. وجلّت إرادتك أن يوافقها أو يخالفها شيء من الكائنات، حسبي الله (ثلاثاً) وأنا بريء مما سوى الله..([9]).

– يُرجى من القارئ أن ينتبه لقوله: (وأنا بريء مما سوى الله) في معنييها، الظاهر والصوفي، وأن يلاحظ مدى شمول البراءة في المعنى الظاهر!!

– أخيراً..

إن في هذه النصوص الوحدوية المقدمة حتى الآن، كفاية وكفاية، وأكثر من الكفاية، للدلالة على أن وحدة الوجود هي عقيدة القوم التي تقوم عليها الصوفية، فالصوفية هي وحدة الوجود مغلفة بالتقية، ووحدة الوجود المغلفة بالتقية هي الصوفية.

وهناك كتاب لا يكاد يخلو منه مسجد ولا بيت، يكاد يكون مقدساً لدى كل الطرق الصوفية، إنه كتاب: دلائل الخيرات، لمؤلفه محمد بن عبد الرحمن بن سليمان الجزولي السملالي. إن كتاب (دلائل الخيرات) معتبر لدى كل الطرق الصوفية، يقرأ صباحاً ومساءً كل يوم، بل هو معتبر عند كثير ممن لا ينتمون إلى الصوفية. ومما جاء فيه:

…وفقني لاتباعه والقيام بآدابه وسننه، واجمعني عليه، ومتعني برؤيته، وأسعدني بمكالمته، وارفع عني العلائق والعوائق والوسائط والحجاب، وشنِّف سمعي معه بلذيذ الخطاب([10])

– أنبه هنا إلى أن الذي يحتاج إلى توضيح معاني هذه العبارات، بعد مئات الصفحات السابقة، مثل هذا الإنسان عليه أن يشكو حاله إلى الله جل شأنه.

ومما جاء فيه أيضاً (صلوات الذات):

اللهم صل على سيدنا محمد نور الذات، وسره الساري في جميع الأسماء والصفات([11])

– نكتفي بهذا القدر من النصوص الوحدوية، ففيه، كما قلنا، كفاية وكفاية، وأكثر من الكفاية. وهذه النصوص، رغم كثرتها، ما هي إلا جزء ضئيل من عباراتهم المشيرة إلى وحدة الوجود، والتي لو جمعت لملأت ألوفاً من الصفحات. وكثير من أقوالهم ونصوصهم الوحدوية التي أهملتُها، هي أكثر وضوحاً من بعض ما أوردته على صفحات هذا الكتاب؛ لكني أهملت تلك، وأوردت هذه، لأقدم للقارئ أكثر ما يمكن من أنواع عباراتهم ورموزهم وإشاراتهم وألغازهم.

النتيجة:

من كل ما سبق نستنتج ما يلي:

الصوفية هي وحدة الوجود والطريقة التي توصل السالك إلى ذوقها واستشعارها.

– يعلمون أن وحدة الوجود هي كفر وزندقة بالنسبة للشريعة، لذلك يتواصلون بكتمانها عن غير أهلها.

– كلهم يؤمنون بها من أولهم إلى آخرهم، قديمهم وحديثهم، عارفهم وأميهم، مشهورهم ومجهولهم، لكنهم يكتمونها عن المبتدئين حتى يتأكدوا من إخلاصهم.

– عندما نسمع بعبارة (الصوفية الحقة)، فهي تعني شيئاً واحداً ليس غير، إنها تعني (وحدة الوجود)، والطريق المؤدية إليها، ثم كتمانها عن غير أهلها.

– من أجل التعمية على أهل الظاهر – أهل الشريعة – أوجد لهم سيدهم الجنيد مصطلحات خاصة بهم، يسجلون بها أوهامهم في كتبهم وينقلونها إلى مريديهم.

– وزيادة في التزوير والخداع، اخترعوا أحاديث على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم ليؤيدوا بها عقيدتهم.

– وزيادة في التزوير والخداع، أولوا بالباطل آيات القرآن وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ليؤيدوا بالتأويل الباطل عقيدتهم.

– وزيادة في التزوير والخداع، ومن أجل التلبيس على البسطاء والسذج نشروا بين الناس أن عقيدتهم تعتمد على القرآن والسنة، وأنها لا تناقض القرآن والسنة، وأنها مؤيدة بالقرآن والسنة؟

– وزيادة في التزوير والخداع الذي لا حدود له، قالوا: إن طريقتهم هي الزهد وتربية النفس، وأنها السير إلى الله والعروج إليه.

– وبإيحاء شياطينهم وأوهامهم، سموا أنفسهم بأسماء فيها من الجرأة على الله سبحانه، وتحدي قرآنه وسنة رسوله ما تجاوز كل حد وكل ذوق، حتى جعلوا أنفسهم يتصرفون في الكون، وحتى جعلوا أنفسهم أو جعلوا الواصلين منهم، متحققين بالاسم الأعظم (الله) أي: أن الواصل هو الله.

فهم العارفون الصديقون الصادقون المقربون الأولياء الصالحون الأتقياء الأنقياء، رغم جهلهم وضلالهم وكذبهم وبعدهم عن الشريعة الإسلامية، وتوليهم الشيطان وممارستهم طقوساً لا تمت إلى الإسلام بصلة، وتأليههم البشر والقبور والحجارة والشجر، وهم يطبقون هذا التأليه عملياً وينكرونه نظرياً أمام أهل الظاهر (أهل الشريعة)، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

وللحقيقة. إنهم كلهم مشايخهم ومريديهم (إلا النادر من المبتدئين) يؤمنون بأنهم على حق فيما هم عليه، وأنه هو ما يسمونه: مقام الإحسان، وعندما يكذبون ويتاقون فهم يرون أن هذا هو الحكمة الإلهية، التي أرادها الله لعباده!

ومن العجب أن هذه الحكمة مفروضة فقط على متصوفة المسلمين، أما الهندوس والبوذيون والطاويون والجينيون فليست مفروضة عليهم، لأنهم يقولون بوحدة الوجود بكل صراحة، والفرق بين المتصوفة وبين أهل تلك الأديان، أن المتصوفة يكذبون ويجعلون الله سبحانه وتعالى مثلهم، بحجة أنه يغار على السر (جل وعلا علواً كبيراً).


([1]) الفيوضات الربانية في المآثر والأوراد القادرية، (ص:16).

([2]) بوارق الحقائق، (ص:326).

([3]) بوارق الحقائق، (ص:340).

([4]) أحد علماء الأزهر، عاش إلى ما بعد سنة (1343هـ)، ولم أقف على أكثر من هذه المعلومات، إلا أنه كان خليفة الشيخ أمين الكردي.

([5]) تنوير القلوب، ترجمة المؤلف، (ص:42).

([6]) بغدادي، من خلفاء الخالدية، نسبة إلى الشيخ خالد النقشبندي، توفي سنة (1234هـ).

([7]) الحديقة الندية في الطريقة النقشبندية، (ص:107).

([8]) النفخة العلية في الأوراد الشاذلية، (ص:16).

([9]) النفحة العلية، (ص:144).

([10]) دلائل الخيرات، (ص:15).

([11]) دلائل الخيرات، (ص:233).

Scroll to Top