من السياسيين من يؤمن بفقه المصالح والمفاسد الشرعي، ويلتزم بضوابطه وقواعده. وبعضهم يتوسع فيه لدرجة الميوعة المفرطة. فالعاقل من لا يُضيّقه لدرجة الإفراط، ولا يُوسّعه لدرجة التفريط.
مثال ذلك:
حوار الأديان، وليس توحيد الأديان، فإن توحيد الأديان ممتنع شرعاً وعقلاً وواقعاً، وأساسه في هذا الزمان أتى من الملاحدة، بقصد تشويه مبدأ السياسة في حوار الأديان.
فحوار الأديان، مصطلح له دلالته اللغوية و الشرعية، نصّ عليه الشرع الحكيم ووضع له ضوابطه وقواعده. ولا يُنكره إلا جاهل، أو قاصد مغرض، أو منافق، وقد وردت نصوص كثيرة في كتاب الله تعالى تحكمه منها:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.
{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}.
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.
{لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}.
وغير ذلك من النصوص الشرعية الكثيرة.
فقد اشتدت الحاجة لحوار الأديان في هذا الزمان رداً على الممارسات الطارئة الفاسدة التي قامت بها جماعات التطرف والإرهاب، فاختطفت المشهد بأعمالها الإجرامية من تكفير وقتل للمسلمين، أو تقتيل وتفجير بغير المسلمين بغير حق.
فكان الهدف الأول لحوار الأديان مع وجود تلك الممارسات الفاسدة تلك دفاعيّ، في حين أنّه هجومي، وذلك لتحقيق:
- الدعوة الى الله وإقامة التوحيد وعبادة الله وحده، ومحاربة الإلحاد، وبيان فساد المعتقدات الدينية الأرضية.
- التعاون الإنساني لعمارة الأرض.
لذلك طغت أساليب الدفاع عن صورة الإسلام لمواجهة التطرف والإرهاب على أساليب الهجوم، كالقول بالتسامح والعدل والإحسان والتعايش السلمي مع الآخرين، وحرية التعبير والاعتقاد، فظنّ البعض بأنه نوع من الاستكانة والذلّ، في حين توسع البعض الآخر في ذلك حتى تجاوزوا القول والفعل السديد إلى غيره، فاصطاد عملهم ذلك المتربصون، فطعنوا وكفرّوا المتجاوزين للحدّ قصداً منهم أم جهلاً.
وأخيراً نخلص إلى ما يلي:
- ضرورة التفريق بين توحيد الأديان المذموم، وحوار الأديان المشروع.
- لا للدعوة لتوحيد الأديان تحت أي مبرر كان.
- نعم لحوار الأديان سواء كان ذلك في حال الهجوم أم الدفاع عن الإسلام بضوابطه.
- لا للتمييع في حوار الأديان لدرجة مخالفة الشرع.
- لا للتكفير والطعن والتشهير إلا ضد من ارتكب مخالفات صريحة وكبيرة لنا فيها من الله برهان بدعوى حوار الأديان.
- لا لاستغلال الحاجة الماسة لحوار الأديان في حالة الدفاع عن صورة الإسلام لتغذية الصراع السياسي والطبقي والعرقي والإثني.
هذا والله أعلم.
عدنان الصوص