هذه المرة ليست القضية مجرد نبوءات غيبية أو تفسيرات اجتهادية، وإنما هي أيضا مقالات في كبرى الصحف العالمية، بل وكذلك دراسات من أعرق مراكز الأبحاث العالمية، وبأيدي بعض أكبر الصحفيين وأساتذة العلوم السياسية. ربما أنك تعرف أن بواكيرها قد بدأت منذ زمن طويل، من بداية الانتفاضة الأولى أو بعد حرب رمضان عام 73، أو اتفاقية أوسلو، الخ. وأيا يكن وقت بداية هكذا توقعات، إلا أن مقولة شهيرة لثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر كانت معلمًا بارزًا ورئيسيًا، حيث قال ذات مرة: “بعد عشر سنوات، لن تكون هناك إسرائيل“، وهكذا نكون في هذه الحالة أمام – لا أقول توقعات مؤكدة – وإنما قرائن تستحق العناية والبحث والتحقق. فما هو الجديد أيضًا على هذا الصعيد؟ دعنا نرى…
أمريكا تسرّع إنهاء نظام الفصل العنصري الإسرائيلي
في 27 نوفمبر 2019، نشر الكاتب البريطاني آسا وينستانلي العديد من المقالات لموقع “Middle East Monitor” المدافع عن القضية الفلسطينية، وكان من أبرزها مقاله بعنوان “قد لا تعرف ذلك، لكن الولايات المتحدة تسرّع في إنهاء نظام الفصل العنصري الإسرائيلي“، تحدث فيه بأنه على الرغم من عدم إدانة أمريكا بشكل جدي للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والتي تشكل عائقًا في طريق إقامة السلام، ثم إعلان ترامب دعمه الصريح لها ولإعلان ضم الجولان، لكن ذلك في النهاية سيجبر إسرائيل على إنهاء نظام الفصل العنصري الناتج. وبسبب انتفاء الأمل بحل الدولتين، لا يتبقى لهم إلا حل الدولة الديمقراطية الواحدة والقبول بحق العودة للفلسطنيين.
إسرائيل تقترب من نقطة اللاعودة
نشرت صحيفة الواشطن بوست الأمريكية الشهيرة للكاتب “ايشان ثارور” مقالا بعنوان “تقترب إسرائيل من نقطة اللاعودة“، في 29 أبريل 2020، تحدث فيه عن استفادة حكومة نتنياهو من جائحة كورونا في التمديد لبقائها في السلطة، وعن الاتفاق مع منافسه غانتس لضم الضفة ووادي الأردن بدعم من إدارة ترامب. ولكن هذه الخطوة الخطيرة قد تكون بداية انطلاق لجيران إسرائيل العرب في الحصول على تأييد دولي واسع في معارضة السياسات الإسرائيلية. “إن الضم أحادي الجانب لديه القدرة على إشعال حريق خطير”، هي جلمة وردت في رسالة موجهة إلى غانتس، من قائد عسكري سابق، وقعها حوالي 220 من كبار الضباط السابقين في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. إذ يُتوقع انهيار الأجهزة والسلطة الفلسطينية مما يضطر إسرائيل لتحمّل المسؤولية عن ملايين الفلسطينيين، وهو سيناريو مرعب لمن يرغبون بأن تكون إسرائيل دولة يهودية خالصة، أو أنها ستضطر لتبنّي نظام فصل عنصري منبوذ دوليًا، وهو الأمر حذر منه بايدن عندما كان مرشحًا.
نهاية دولة إسرائيل كدولة يهودية؟
نشرت تايمز أوف إسرائيل في 28 كانون الثاني 2020، مقالًا للكاتب جوزيف افيسار، وهو كاتب يهودي من أصل عراقي يعيش في أمريكا وله العديد من المقالات المنتقدة لإسرائيل، بعنوان “هل هي نهاية دولة إسرائيل كدولة يهودية؟“، ينتقد فيه فشل الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو في السنوات الأخيرة، واضطرار الناخبين للذهاب إلى صناديق الاقتراع عدة مرات خلال أقل من عامين! كما يعرّج على عدم وضوح تعريف الدولة كدولة يهودية، حيث يوجد فيها يهود علميانيين وآخرين متشددين أرثوذوكس، ويوجد بين الطرفين الكثير من الخلافات والنزاعات العميقة، مما يجعل مستقبل هذه الدولة كدولة يهودية على المحك. وأما عن عرب 48 والفلسطنيين في الضفة والقطاع، فإن إسرائيل ستواجه الاضطرار إما للانسحاب، أو إعطاء حقوق المواطنة لكاملة مما يقضي على بقائها كدولة يهودية.
تحول الديموقراطيون نحو الحل يعني نهاية إسرائيل
في 13 يوليو 2020، نشرت صحيفة نيويورك بوست، للكاتب جوناثان س. توبين، وهو صحفي أمريكيورئيس تحرير JNS.org نقابة الأخبار اليهودية، مقالا بعنوان “تحول الديموقراطيون المشؤوم نحو ‘حل’ يعني نهاية إسرائيل” تحدث فيه عن انتهاج صحيفة التايمز لسياسة تسمح للكتاب والصحفيين ليس فقط بمهاجمة سياسات الحكومات الإسرائيلية، ولكن أيضا بمهاجة فكرة إسرائيل كدولة يهودية. وكيف أنها نشرت مقالًا لصحفي اسمه بيتر بينارت يدعو نتياهو لتفكيك دولة إسرائيل، والأهم من ذلك قيام عدد من المسؤولين الأمريكيين الكبار من الحزب الديمقراطي بالثناء على الكاتب وشجاعته، ويُتوقع أن يتعاظم هذا التوجه في حالة فوز بايدن، حيث أن فكرة تفكيك دولة إسرائيل لم تعد مقتصرة فقط على النشطاء السياسيين من أصول عربية. أما الوضع الحالي فهو يضع إسرائيل بين خيارين، فإما أن تكون دولة ثنائية القومية، أو دولة فصل عنصري منبوذة. وكل من هذين الخيارين فيهما الكثير من الخطورة على اليهود في إسرائيل.
لم أعد أؤمن بالدولة اليهودية
نشرت النيويورك تايمز في 8 يوليو 2020، المقال المشار إليه أعلاه للكاتب بيتر بينارت وهو كاتب كبير في التيارات اليهودية في العديد من الدوريات وأستاذ الصحافة والعلوم السياسية في كلية كريغ نيومارك للدراسات العليا للصحافة في جامعة مدينة نيويورك. بعنوان “لم أعد أؤمن بالدولة اليهودية” وقد جاء في مطلعه “على مدى عقود كنت أطالب بالفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين. الآن، يمكنني تخيل وطن يهودي في دولة متساوية”. وقد تحدث عن فرحه سنة 1993 ببدء عملية السلام وإمكان قيام دولة فلسطينية، وأنه على الرغم من إيمانه بإسرائيل كدولة يهودية لكنه يكره حرمانها للفلسطينيين من حقوقهم، وهو الآن يائس بسبب وجود أكثر من نصف مليون مستوطن إسرائيلي في الضفة بدعم من الحكومتين الإسرائيلية والأمريكية، وبما أن نتنياهو اتخذ قرار إجراء ضم الضفة، فقد حان الوقت لدى الليبراليون للمطالبة بحقوق كاملة للفلسطينيين فيها، سواءً كدولة واحدة أو ككونفدرالية، وهذا الخيار الأخير هو المفضل للجمهور اليهودي في أمريكا.
ويرد على جدال البعض بأن دولة ثنائية القومية لا تنجح، بأن هذا هو واقع الأمر أصلا، حيث يعتمد سكان الضفة وغزة على التصدير والاستيراد من إسرائيل، وبأن أدبيات العلوم السياسية تقول بأن المجتمعات المنقسمة أكثر استقرارًا بشرط تمثيلها جميع الأطراف سياسيا، وذلك بالاستفادة من دروس إيرلندا وجنوب إفريقيا، حيث يتوقف العنف عندما ينال الجميع حقوقه. ويعتقد بأن رفض الإسرائيليين للفكرة ناشئ عن تفسير خاطئ لدروس الهولوكوست التي تزعم بأنه لا أقل من دولة خاصة باليهود لمنع تكرار ذلك، ويقول بأن أصل بداية الصهيونية ليس إنشاء دولة خاصة لليهود، وإنما وطن يمكن لهم فيه الازدهار. وببناء الدولة الواحدة ثنائية القومية سيتحرر ليس فقط الفلسطينيون، ولكن اليهود أيضا.
نهاية اللعبة: هل لدى إسرائيل خطة؟
نشر معهد بروكنجز الدولي الشهير للأبحاث للباحث ناتان ساكس، مدير مركز سياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينجز، مقالًا بعنوان “نهاية اللعبة هل لدى إسرائيل خطة؟”، تساءل فيه الباحث فيما إذا كان لدى إسرائيل أية خطة للعقد القادم وعن شكل حدودها مع الضفة وغزة، وهل سيكون سكانها مواطنين فيها. حيث المشكلة تتلخص بأن لدى إسرائيل “ثلاثية” من الأهداف لا يمكن لها أن تختار منها إلا اثنين: الحفاظ على السيطرة على الضفة الغربية، الاحتفاظ بأغلبية يهودية واضحة، وأن تظل دولة ديمقراطية. وأن معضلة الثلاثية هذه قد دفعت زعماء العالم للتساؤل بصوت عالٍ “ماذا تريد إسرائيل؟” فإما أن تنسحب من الضفة وغزة، أو تتخلى عن يهوديتها، أو تتخلى عن ديمقراطيتها، إذ يستحيل منطقيًا الجمع بين هذه الثلاثة أهداف معا!
نهاية أوسلو: استراتيجية أوروبية جديدة تجاه إسرائيل وفلسطين
نشر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR) في 9 ديسمبر 2020 نشرةً للباحث هيو لوفات، وهو زميل سياسات في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. بعنوان “نهاية أوسلو: استراتيجية أوروبية جديدة تجاه إسرائيل وفلسطين“، ذكر فيه بأنه قد شهدت السياسة الأوروبية سنة 2020 انتصارات كبيرة في إسرائيل وفلسطين مثل المساعدة في عرقلة خطة دونالد ترامب “للسلام” المسماة صفقة القرن، وتجنب ضم إسرائيل القانوني للأراضي الفلسطينية.
لقد استنفدت عملية أوسلو وأصبحت خطة الدولتين القابلة للحياة تتلاشى، وبدلاً من التركيز على عملية أوسلو للسلام، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يصوغ نموذجًا جديدًا لصنع السلام قائمًا على المساواة والتخلي عن الاحتلال. وسيعني غياب حل الدولتين أن تتكفل إسرائيل بضمان حقوق متساوية للفلسطينيين في دولة ديمقراطية واحدة.
نهاية إسرائيل كما نعرفها؟
في وقت مبكر، بتاريخ 17 سبتمبر 2011، نشر موقع “The World” لأطول برنامج إخباري يومي في الإذاعة العامة الأمريكية، للكاتب بقلم نوجا تارنوبولسكي بخبرة عقدين في تغطية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مقالا بعنوان “نهاية إسرائيل كما نعرفها؟“، جاء فيه تحليل لداني روبنشتاين محلل الشؤون العربية السابق في هآرتس والمحاضر الآن في الجامعة العبرية، “إن إسرائيل تدفع ثمن عدم توصلها بالفعل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، إذا واصلنا السير على هذا الطريق، ستتحول إسرائيل إما إلى قوة احتلال دائمة أو ستكون دولة ثنائية القومية، لم أعد أرى اليوم إمكانية تقسيم إسرائيل إلى فلسطين وإسرائيل، ما عليك سوى إلقاء نظرة على الواقع الجغرافي والديموغرافي”.
الخلاصة:
ربما تلاحظ معنا تكاثر الموضوعات والتحليلات والدراسات الغربية بشأن نهاية إسرائيل في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من كونها جميعها لا تتحدث عن نهاية فعلية حقيقية لإسرائيل بالطريقة التي نتخيلها، إلا أنها على الأقل تتحدث عن نهايتها بالشكل المتعارف عليه، وحيث إن الإسرائيليين على الأرجح سيبقون رافضين للسلام ومصرّين على احتلال الضفة الغربية مع رفض مساواة الشعب الفلسطييني بالحقوق معهم معهم، هنا نتوقع بالفعل أن تتطور الأمور إلى حرب، وستكون مرحلة فاصلة وحاسمة في تاريخ المنطقة برمتها، فإما أن تقوم إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل أو على الأقل في كامل فلسطين بدون شعب فلسطييي فيها، وإما أن تنتهي تماما، ويبدو أن هذا ما سيظهر في الفترة القريبة القادمة إن شاء الله.
ما رأيك أنت؟ شاركنا مع بالتعليقات في الأسفل.
رابط مختصر لمشاركة المقال:
https://wp.me/p7OgRl-1ki
زاهر طلب
28/1/2020