قرأت مقال الأخ عدنان الصوص يقترح فيه إذا لم يحصل تدخل عسكري أن تتوقف الثورة والانسحاب المدروس حقنا للدماء وكأن الأمر يشبه معركة مؤتة، شعرت بأنه له وجهة نظر جيدة من زاوية حقن الدماء، لأن هذا النظام ومن ورائه روسيا وإيران من الواضح أنه مستعد لقتل الملايين للبقاء، ثم قرأت مقال لصالح القلاب يتحدث فيه عن مقولة لافروف أن بشار لن يتنحى أبدا، وعن اقتراح إيراني للأخضر الإبراهيمي بمرحلة انتقالية بقيادة بشار!! “وكأنك يا أبو زيد ما غزيت”، فزادت حيرتي لأن الانسحاب من الثورة تكتيكيا ولو من أجل حقن الدماء هو ترجمة لما تريده روسيا وايران.
إني على يقين تام بأن الشعب السوري لن يُهزم، ولكني خائف كثيرا مما يصيبه من كوارث كبرى خطيرة قد محت نصف سوريا وأخشى أن تمحو الشعب السوري، هذا هو سبب القلق، وليس القلق على الثورة فهي منتصرة إن شاء الله، أما أحد أصدقائي ممن يشاركني هذا الخوف، فهو يضيف أيضا موضوع الخوف على الآثار والحضارة، وأنه إذا صحت الأخبار بأن بعض الثوار يبيعون الآثار لشراء السلاح فربما لم يعد استمرار الثورة مفيدا لشدة الكلفة الباهظة.
فقلت له الحمد لله أننا في أجواء حرية الرأي نستطيع تبادل الآراء بدون خوف من تبادل الاتهام بالخيانة وما شابه، لأن البعض من الثوار للأسف صارت الثورة عنده غاية مقدسة ولم تعد وسيلة، وتكاد تصبح الثورة عندهم صنما، وسرعان ما يتهمون أصحاب مثل هذه الأفكار بالخيانة، ولكن أجواء حرية الرأي هي نقطة إيجابية ومبشرة جدا برغم كل الإحباط الذي أتوقع إن شاء الله يكون مؤقتا.
إن الحالة الطبيعية للحروب هي تقديم بعض التضحيات في الأوراح والممتلكات، أما عندما تصبح التضحيات هائلة جدا، فإن النظرة الشرعية تهتم بمجموع الأفراد الهائل الذي استشهد والذي لا يزال يجب تقديمه للوصول إلى النصر، وذلك انطلاقا من قاعدة عدم الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، والمقاصد الشرعية بحفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل، ولا يشعر بهذا إلا من أصابت النار طرف ثوبه، ومن تقصف مدينته أو قريته يستطيع الشعور بنفس شعور أهل المدن المدمرة مثل الرستن وحمص وحلب ودير الزور وغيرها.
في كل الحالات هناك حالات شواذ متطرفة، فهل ننظر لهذه التضحيات الجسيمة جدا على أنها طبيعية لكنها حالة متطرفة؟ لكن ما السبب في حصول هذا؟ من الأسباب هو أن هذا النظام لا يقبل القسمة، فإما الكل أو العدم، إما كل النظام يسقط مع سقوط أكثر من كل هذه التضحيات، أو يبقى كما هو وتذهب التضحيات السابقة كلها سدى. ولكن… لماذا الشعب السوري هو الآخر لا يعلن في لافتاته عن قبوله بنصف حل بشرط أن يكون حقيقيا؟ فإذا كان النظام رهن نفسه بمبدأ الكل أو العدم، فلماذا يكون الشعب أيضا كذلك؟ أليس من المحتمل جدا إذا طرح الشعب السوري هذا الطرح بجدية أن تصدع الخلافات بعض مكونات النظام وبعض حلفائه أو داعميه؟ إذ من المحتمل جدا وقوع خلافات في الرؤية بين بعض المكونات حول قبول أو رفض هذا الطرح، بل وربما تحصل خلافات كبيرة داخل النظامين الروسي والإيراني بين أجنحتها المختلفة، كما ربما يزداد التأييد الغربي ويتصدع الصوت الصهيوني داخل الغرب المتسبب بهذا التخاذل الغربي! وقد يساعد على حصول تدخل عسكري أخيرا، مثال على ذلك قد طرح طلاس رؤية للحل مشابهة لذلك، ومع أنه من المنطقي رفض مشاركة أزلام النظام في المرحلة الانتقالية، لكن حتى هذا النظام على فكرة في بداية حكمه في الستينات يضع حكومات انتقالية يشارك فيها بعض من رجال الحكومات السابقة، حتى إذا استتب له الوضع تماما في السبعين تخلص منهم.
قد يعزز هذا الرأي أن لافروف صرح باستحالة تنحي الأسد بعد مقترح طلاس بحل التسوية، ربما كي يدفع الشعب السوري لليأس والاستسلام أو القتال حتى النهاية مع ما يحتمله ذلك من إلقاء للنفس إلى التهلكة، لكن يجب أن لا يغيب عن بالنا أنه حتى عندما تأتينا عروض تسوية مرفوضة مثل مقترح إيران بمرحلة انتقالية بقيادة بشار، فهذا لا يعني استحالة أن نقدم نحن عروض تسوية أخرى مناسبة لنا، بل يمكننا أن نعرض طرحا آخر لا يستطيعون رفضه أو يتسبب بخلافات وتصدعات بينهم مما يعجل في سقوط النظام وسقوط الدعم الروسي والإيراني له، وتوقف هذا التخاذل والصمت الدولي، وربما بدء تدخل عسكري جدي أخيرا.