الإصلاح ضد الإفساد، وما أرسل الرسل إلا لأجله، وهو في ميزان الشرع على درجات، أصل لا يتم الإصلاح إلا به، وفرع ناشئ عنه يكمل بكماله ويتم بتمامه. فأصله الأيمان والتقوى، ممثلاً بإصلاح العقيدة والعبادة والخُلُق، بمعنى: أن بقية الإصلاحات الفرعية الأخرى كالإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي والإصلاح النفسي والإصلاح الطبي والإصلاح الصناعي، وغيره فرع لازم له. إذ لا يُتصور تحقيق أصل الإصلاح في المجتمع مع تخلف فرعه عنه. أي: كلما تكامل أصل الإصلاح وتتامّ، تكامل فرعه وتتامّ كذلك، والعكس صحيح.
قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ). وعن مصادر الأيمان والتقوى قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ). [الجمعة:2]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي”
أما الإفساد فهو ضد الإصلاح، وهو في ميزان الشرع كذلك على درجات، أصل أو مرض لا يحصل الإفساد إلا به. وفرع أو عرض ناشئ عنه، يزيد بزيادته، وينقص بنقصانه. فأصله أو مرضه الكفر والظلم والفسوق والعصيان. وفرعه أو عرضه الإفساد الاقتصادي والسياسي والأخلاقي والأمني والنفسي والضلال والهلاك وغيره. قال الله تعالى في حق أهل القرى : (وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
ثم إذا علمنا بأن محط أصل الإصلاح الممثّل بإصلاح العقيدة والعبادة والخُلُق ومحلّه النفس البشرية وقلوب العباد. وأن محط أصل الإفساد الممثل بالكفر والظلم والفسوق والعصيان ومحله القلب أو النفس البشرية، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) [البخاري]. إذا علمنا ذلك، فإن من العقل والحكمة لدى الدعاة العمل على تحقيق أصل الإصلاح في المجتمع، ودفع أصل الفساد والإفساد فيه كذلك. قال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، ولم يأت التعبير القرآني بإشغال المسلمين بالعمل على إصلاح الفروع من دون الأصول لحكمة يعلمها الله تعالى.
لذا من شغل نفسه، أو أشغل الناس بإصلاح الفروع، كالإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي وغيره، من دون أصله الممثل بإصلاح العقيدة والعبادة والخُلُق، أو كان تركيزه وهمّه وجهده الأكبر موجَّهاً لإصلاح الفرع على حساب إصلاح الأصل، فقد أضاع وقته فيما لا فائدة فيه من جهة، وسار في سبيل الضلال والإضلال من جهة أخرى. فوافق بذلك سبيل المجرمين أعداء الملة والدين الذين يقصدون إشغال الناس فيما يضرهم ولا ينفعهم، من خلال الصراع مع الأنظمة السياسية والاقتصادية وغيره، من دون الصراع مع النفس البشرية ونوازعها. أفلا يخشى أولئك الأخوة في الحركات الإسلامية ممن شغلوا أنفسهم واشغلوا الناس بالدعوة إلى إصلاح الفرع، على حساب الأصل، أن يصيبهم شيء من قوله تعالى: ((قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)). 6/6/2012