يوجد فرق بين طبيعة دول الغرب الديمقراطية ذات التيارات المتنوعة، وبين روسيا والصين وإيران الشمولية المشابهة للنظام البعثي السوري، وكذلك توجد درجات مختلفة من الأعداء، إن الدعم الروسي والصيني والإيراني للنظام السوري هو دعم مبدأي قائم على أساس أيديولوجيا الشيوعية وحزب البعث الاشتراكي وعلى الأسس الشيعية الطائفية (وإن أظهروا غير ذلك لخداعنا)، فلو كانت المصالح هي الدافع، فمن البديهي أن النظام ساقط، ومصالحهم إذا أرادوها فهي مع الشعب السوري، أما في أمريكا ودول الغرب عموما، توجد في الدولة عدة تيارات مختلفة، منها مثلا ما هو داعم لإسرائيل أشد من غيره، ومنها حتى المعارض لإسرائيل، ومنها داعم للأسد ومنها المعارض بشدة للأسد، ويمكن بالتالي التأثير على مواقفها وتغييرها عن طريق التأثير على آراء الشعوب الغربية لتضغط على حكوماتها، فهي تتراجع أمام شعوبها إذا ضغطت عليها، بسبب النظام الديمقراطي.
إن مبدأ “عدو عدوي صديقي” هو لا يعني الصداقة الحقيقية الدائمة، بل هو استغلال لتقاطع المصالح، فعندما يكون لنا عدوين (التحالف البعثي الروسي الإيراني والدول الغربية)، الأول أخطر من الثاني، فمن البديهي أنه من الممكن التحالف مؤقتا مع الأقل خطرا (الغرب) منهما ضد الأشد خطرا، لكن في حالة حماس مثلا، كان تحالفها مع إيران ضد إسرائيل خاطئا، لسببين، الأول أن إيران أخطر قليلا من إسرائيل، والثاني أنهما دولتين صديقتين للعظم لكن في السر.
أما في حالة الشعب السوري في التحالف مع أمريكا والغرب ضد النظام السوري وضد إيران وروسيا والصين، فرغم أن هناك تيارات في أمريكا صديقة سرا لإيران والأسد ومن العبث التعويل عليها، إلا أنها أنظمة ديمقراطية وتوجد فيها أيضا تيارات أخرى، خاصة تيار الحزب الجمهوري الأمريكي الذي رغم أنه داعم لإسرائيل، إلا أنه مناهض بشدة للنظام الأسدي بشكل حقيقي، وهو أقل سوءا وخطرا من شدة وحشية النظام السوري بكثير، ولهذا فمن الممكن الضغط عليه للتأثير على موقف دولة أمريكا باتجاه دعم تطبيق حظر جوي على سوريا، وذلك على مبدأ دفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى، ولو أن إيران كانت مناهضة بشكل حقيقي لإسرائيل وكان خطر الشيعة والتشيع أقل من خطر إسرائيل لكان من المعقول أن تضطر حماس للتحالف مع إيران رغم أن إيران تحتل العراق، ولكن إيران قتلت الفسطينيين في العراق فكيف تدعمهم في غزة؟
صحيح أن أمريكا والغرب قتلوا من العرب والمسملين لكن هناك فرق، فإيران والنظام الأسدي يقتلون الشعوب “لأنهم يريدون الحرية” بينما أمريكا تقتل من يقاتلها “لأنه يقاتلها” إذ هل من المعقول أن نجد أي مخلوق في الدنيا صديقا كان أم عدوا مسلما أم كافرا لا يقاتل من يقاتله؟ أقول ذلك فقط من أجل عدم تفويت فرصة الاستفادة من تناقضات الكفار. إذ ما معنى حديث النبي (صلى الله عليه وسلم): تصالحون الروم صلحا آمنا حتى تغزوا أنتم وهم عدوا من ورائهم …؟ ولماذا حزن المسملون بانتصار الفرس على الروم ثم فرحوا بانتصار الروم على الفرس؟، وأيضا قال تعالى: “لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى”.
والحقيقة أنه برغم التعارض والتناقض الواضح بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية تاريخيا، إلا أن القرآن الكريم حذر من اليهود عشرات الأضعاف من الروم والنصارى، وإن الشيوعية والمعسكر الشرقي هو صناعة يهودية صرفة (كارل ماركس مؤسس الشيوعية هو حاخام يهودي) وهو أخطر ليس فقط بسبب ما ذكر القرآن، بل أيضا لما فعله على أرض الواقع، وهو لم يسقط بشكل حقيقي، بل فقط تراجع تكتيتكيا، وهو الآن يعود بكل قوة.
إن مجموع من قتلهم الغرب والروم والصليبيين من المسلمين والعرب طوال 14 قرنا قد لا يصل الى 5 ملايين بما فيهم المليون شهيد الجزائري وهو أكبر رقم، في حين قتلت الشيوعية في 100 عام فقط من المسلمين ومن شعوبهم ما يصل إلى 100 مليون في الصين وروسيا وكمبوديا والعراق أيام صدام وحافظ الأسد والجزائر وغيرها من الدول الشيوعية والاشتراكية، وقتلت ثلثي الشعب الشيشاني، بما في ذلك موت عشرات الملايين من الجوع.
إن التحالف مؤقتا مع الغرب لإسقاط العدو المشترك لا يعني أن نصبح أصدقاء للأبد، ولو أن هذا إن كان ممكنا فهو أفضل، وهو أقل خطرا بكثير من الاحتلال البعثي، فلو تخلينا مثلا أن الاحتلال الحالي في سوريا كان فرنسيا أو أمريكيا فلن يقوم بقصف المظاهرات السلمية… بل ربما في أسوأ الأحوال سيقوم بقمعها وقتل المئات فقط مثل زين العابدين، ولكن لن يقتل بالجملة وباستمرار بعشرات الآلاف كما يفعل الأسد البعثي.
من هنا يجب دفع هذه المفسدة الكبرى (الاحتلال الشيوعي البعثي الروسي الإيراني الطائفي الأسدي) بمفسدة أصغر بكثير وهي طبعا ليست طلب الاحتلال غربي، وإنما مجرد تطبيق حظر جوي وتسليح للجيش الحر على الطريقة الليبية، علما أنه حتى الاحتلال الغربي البري هو أقل شرا من هذا الاحتلال الأسدي، ومع العلم أيضا أن الغرب لا يرغب في هذه الفترة بأي احتلال بري، بل هو يقوم بسحب الجيوش من العراق وأفغانستان، وقد وجد الغرب في الطريقة الليبية فعالية أكبر بكلفة أقل بكثير. وإن أوراح شعبنا السوري هي أغلى من فاتورة الاقتصاد أو النفط التي هي أصلا تذهب إلى جيوب الأسد وإيران وروسيا.
إن هذا التحالف يجب أن لا يحل مكان التوكل على الله وحده تعالى، وإنما يكون فقط من باب الأخذ الواجب بالأسباب المادية، وقد افتى كثير من العلماء بجواز ذلك عند الضرورة عند عجز المسلمين والعرب عن المساعدة، منهم علماء خليجيين، ومنهم أيضا الشيخ القرضاوي.
والله أعلم.