لم يتبقى في العالم العربي ممن يؤيد بشار والمقاومة الكاذبة بشكل علني إلا من ينتمي للأحزاب القومية واليسارية، أما الإسلاميين والمتعاطفين مع حماس فقد أيدوا بشار في بداية الثورة، ثم دخلوا في حالة ارتباك لفترة، ثم أيدوا الشعب السوري، ولكن يظل هناك من هؤلاء من يؤيد بلسانه فقط ويظل في قلبه مؤيدا لبشار!! فقد حدثني أحدهم عن أقاربه الذين كانوا يؤيدون بشار وحزب الشيطان والمقاومة الكاذبة، بأنهم أصبحوا الآن يلتزمون الصمت التام، ولا يفتحون معه هذه الأحاديث في زياراته لهم، ولا حتى يفتحون على القنوات الإخبارية أثناء وجوده، فقرر هو أيضا أن يحترم مشاعرهم ويلتزم الصمت، ولكن استمرار الجرائم البعثية الأسدية المهولة لم يعد يسمح بأي مجال للصمت، فقرر أن يعاتبهم على صمتهم بطريقة كوميدية قائلا لهم: “صبوا لي كاسة مقاومة وفنجان ممانعة”، بدلا من كأس من الشاي أو فنجان من القهوة، فوجد أنه حتى هذه المزحة البسيطة هي شديدة الوقع عليهم! فماذا نستنتج من ذلك؟
نشر الكاتب ياسر الزعاترة في بدايات الثورة السورية، وبعد ظهور أوائل المؤشرات على دعم إيران وحزب الشيطان للنظام البعثي الأسدي، مقالا يحث فيه الشعب السوري على عدم شمول ثورته بالثورة على مفاهيم المقاومة (الكاذبة) وطالبهم بالمحافظة على العلاقات مع إيران وحزب الشيطان، مؤكدا على أن “الخطر الأمريكي الصهيوني أشد من الخطر الإيراني”!! ثم منذ في الفترة الأخيرة وبعد أن افتضح دور إيران وحزبها الشيطاني الإجرامي تماما في قتل الشعب السوري، كتب مقالا جديدا بعنوان ” لماذا تلقي إيران بثقلها خلف النظام السوري؟! “، ندد فيه بإيران ودورها ورفع فيه سقف نقده لها، لكنه لم يصل إلى سقف الشعب السوري، ثم عاد وأكد في المقال مرة أخرى على أن “الخطر الأمريكي الصهيوني أشد من الخطر الإيراني”!! وأكد على وجوب إبقاء العلاقات السورية مع إيران بعد نجاح الثورة السورية عبر مفاوضات بالتعاون مع تركيا من أجل الوصول إلى ما سمّاه “مفاهمات لمصلحة الجميع”، كما قلل فيه من شناعة جريمة إيران وحزب الشيطان ولمّح إلى عدم مشاركتهم بشكل مباشر بقتل الشعب السوري.
غني عن البيان أن هذا الكلام مردود جملة وتفصيلا، لأن الشعوب العربية أصبحت في زمن المعرفة والاتصالات واعية وليست بحاجة لأي رد أو تفنيد لمثل هذا الكلام، فإسرائيل متمسكة بشدة بالنظام البعثي الأسدي، ورائحة العلاقات السرية بين إسرائيل وإيران تزكم الأنوف، وقد أصبح بديهيا عند الشعب السوري أن المشروع الإيراني مرتبط بالمشروع الصهيوني، فعن أي “مفاهمات” يتحدث وأي مفاوضات يريدنا أن نخوض مع إيران وحزب الشيطان قتلة شعوبهم، والذين هم أسوأ ممن يقتل شعبا غير شعبه، ولهذا فإن بداية الطريق الحقيقية لإسقاط الاحتلال والمشروع الصهيوني هي بإسقاط المشروع الإيراني المخادع.
ثم قال فيه إن الشعب السوري يثور ضد المقاومة الكاذبة، وأنه سوف يصبح بعد الثورة أكثر مقاومة وممانعة من بشار ونظامه المجرم، لأنه سوف ينتهج المقاومة الحقيقة، وهذا صحيح، ولكن هل هي بنفس أسلوب المقاومة البعثية والإيرانية كما يوحي في مقاله؟ وما هذه المقاومة الحقيقية التي تختلف عن مقاومة الأسد وإيران وحزب الشيطان الكاذبة؟ إنها المقاومة التي تضع مصالح الشعوب أولا، ولا تحول المقاومة إلى متاجرة وأوراق للعب، فإذا كان بالإمكان استرجاع الجولان بالطرق السلمية والمفاوضات فهذا بالتأكيد أفضل وأوفر من خوض حروب وإراقة مزيد من دماء الشعوب، وخسارة مزيد من النمو الاقتصادي.
وأما بالنسبة لدعم الشعب الفلسطيني الشقيق، فلا تكون المقاومة الحقيقية بدعم الانشقاق بين حماس وفتح، ولا بدعم فصيل دون آخر، بل بدعم مصالح الشعب الفلسطيني أولا، ودعم المصالحة الفلسطينية، ودعم جهود الشعب الفلسطيني لإقامة دولته الموحدة وعاصمتها القدس، التي هي أول الطريق لتحرير كامل أرض فلسطين التاريخية، وبالتأكيد سوف يكون هناك فرق كبير في شدة الضغط على إسرائيل في المفاوضات عندما يكون الشعب الفلسطيني موحدا وممثليه موحدين ومدعومين من دولة سورية وشعبها الحر دعما صادقا وحقيقيا، وخاصة إذا تزامن ذلك مع ثورة سلمية للشعب الفلسطيني على الاحتلال الإسرائيلي، تلك الثورة السلمية التي تفضح وتبيّن حقائق الأمور أمام العالم برمته، وتسقط أعتى الأنظمة الاستبدادية، وتجبر إسرائيل على التراجع عن تعنّتها، وخاصة أنها دولة قائمة على المساعدات الغربية.
إن المبادرة العربية للسلام وإقامة الدولة الفلسطينية هي الوسيلة الأنجع في الوقت الحالي لكبح جماح اسرائيل التوسعي التوراتي في بلاد ما بين الفرات والنيل، هذا التوسع التي حققته إسرائيل من خلال تلك الجعجعات والمقاومة والممانعة الكاذبة التي كان يطلقها نظام الأسد البعثي ونظيره الناصري المصري، فنحن لا نريد بعد زوال النظام السوري أن نستنسخ المقاومة التي تخدم إسرائيل كيفا ونوعا وزمنا، ففي السياسة الناجحة هناك أيضا أسلوب “خذ وطالب” لأي مكسب يمكن تحقيقه، وليس بالضرورة أن تقوم المقاومة على الجهاد المسلح المقدس، لأن شعار “ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة” أثبت فشله في القضية الفلسطينية في ظل اختلال ميزان القوى الدولي، وأثبت أنه أعطى اسرائيل مبررات التوسع والدعم الغربي لها.
أما حين بدأت عملية السلام، أخذت إسرائيل بالتراجع جغرافيا ومعنويا، وبدأت العزلة تدريجيا تحيط بالكيان الصهيوني الغاشم. فلماذا لا نزيد الضغط عليها بعملية السلام، ونقطع الطريق على المتاجرين بالقضية الفلسطينية من عملاء إسرائيل، ولنحشر إسرائيل أكثر في الزاوية؟ فها نحن نرى أن موجات الانتقاد الدولية لإسرائيل تزداد يوما بعد يوم، بل أصبح الغرب يربط بين اسرائيل ودول الاستبداد. ثم لماذا لا يكون السلام مع العدو في هذا الزمن بداية النهاية لدولة الظلم إسرائيل، خاصة أن هذا ما صرح به وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان، فقد قال بأن مبادرة السلام وصفة للقضاء على إسرائيل، ولفهم كيفية ذلك نستحضر نموذج المبادرة العربية للثورة السورية، التي هي أقل بكثير من سقف مطالب الشعب السوري، ولكن تطبيقها يعني عمليا سقوط النظام السوري، ولذلك فإن إقامة دولة فلسطينية مهما كانت صغيرة، تعني بداية الانحدار في منحنى توسع الدولة الصهيونية، وبداية الصعود في منحنى تحرير فلسطين، لأنها تؤسس لمرحلة جديدة وقاعدة انطلاق للتحرير من عبودية اليهود. وقد كان الصهاينة يعملون بشعار “خذ وطالب” عندما قبلوا الحصول على أي جزء من فلسطين عام 1948، لأنهم على يعرفون بأنهم قادرين على التوسع لاحقا، وهذا ما فعلوه عام 1967.
بعد نجاح الثورة السورية إن شاء الله، فإن الكاتب ياسر مدعو للسهر على كاسة مقاومة وفنجان ممانعة…