لو كنتُ مكان بشـار! – مترجم عن الإسبانية

لويس باسيتس – صحيفة ال باييس الاسبانية – ترجمة الحيدرامي الأميني

للثورات أيضاً دروسها  و هي تقدم العلم و المعرفة الخاصين بها . الجميع يتعلمون منها . الذين يريدون السـير في طريقها و الذين يريدون عرقلتهـا ، الذين يرجونها و الذين يخشونها . أما أولئك الذين ينكرون وجودها فلا يتعلمون منها إلا القليل . كذلك هو حال الذين ينكرون سمتها التعليمية و يقتصرون على محاربتها بدون الاستفادة من دروسها .

 

لقد كانت دروس ثورة تونس نافعة لمصر : فالعسكريون عرفوا كيف يأخذونها في اعتبارهم ، بالعكس من مبارك ، الذي لم يستفد منها شيئاً . ثورتا تونس و مصر نفعتا ليبيا أيضاً : لم  يستفد منها القذافي المكابر في أي حال من الأحوال ، لكنها نفعت المعارضة فعلاً ، التي جربت الثورة السلمية و انتهت بحمل السلاح . أما الآن ، فإن كل الدروس الثورية تعود بتأثيرها على سوريا ، البلد الأساسي في التوازنات الاستراتيجية في الشرق الأوسط : يستمر الأسـد مع  دليل القمع العتيق و الزنخ الموروث من والده ، و يختبر الثوّار الطريق الليبي بعد أن سُدَّ في وجوههم الطريق التونسي و المصري .

تتم الاستفادة من الدروس على الصعيد الدولي أيضا . كانت فرنسا فعالة جداً في ليبيا من أجل أن تمحي خطاياها في تونس . الولايات المتحدة تعلمت أن تقود من الخلف في الحرب ضد القذافي بعد الكثير من التذبذبات و الترددات مع مصر . المَلَكيات العربية ، و السعوديون على رأسها ، استخلصت دروساً محلية : الإصلاح بأقصى سرعة ، قبل أن تصل الثورة إليهم ، و القمع ضروري أيضا مع الحسم العاجل أمام خطر داهم ، كما كانت الحال في البحرين . و في كل الأحوال ، الاستفادة من أجل تحسين المواقع في الساحة الدولية .

في حالة البلدان المجاورة ، يُضاف إلى كل هذه الاعتبارات الحاجةُ إلى خلق  جدران حماية  أمام الخوف من تزعزع الاستقرار الذي يدهم الحدود . إسرائيل التي تراقب جارها المُقلِق باهتمام خاص ، جربت هذا الأمر فعلياً في الجـولان . العراق الذي يسيطر عليه الشـيعة و يقوده رئيس الوزراء نوري المالكي يخشى انتصار ثورة سنية تشعل النار بين السكان العراقيين ذوي الانتماء نفسه . يخشى هذه الثورة أيضاً عبد الله ملك الأردن ، الذي غيَّر رئيس وزرائه مرتين منذ أن بدأت الثورات من أجل كبح الاستياء الشعبي .

الفسيفساء الطائفية في لبنان تتوجس خيفة من عدم الاستقرار السوري ، فيما لو أشعل مرة أخرى توتراته الأهلية الخاصة المترسخة ، رغم أن نصف اللبنانيين يودون سقوط النظام السوري و نصفهم الآخر يقدم دعماً غير مشروط  للأسـد . و الأخيرة هي حالة حزب الله ، الحزب الشيعي القوي ، الواقع في التناقض جرّاء مساندته لكل الثورات العربية إلا عندما تؤثر على حليفه الاستراتيجي السـوري . هذا ما يحدث للنظام الإيراني أيضاً ، الذي عانى مبكراً و سحق ثورته الخضراء في 2009 : إنه لا يريد الآن أن يخـسر شـريكاً شديد الأهمية مثل سـوريا ، لكنه يساند ،  ظاهرياً على الأقل ،  الثورات العربية .

كل القوى الإقليمية تعمل على استعمال أوراقها إلى الحد الأقصى من أجل الحد من الأضرار و تحسين شروط هيمنتها في الآن ذاته . تركيا ترى في سوريا واحدة من مناطق نفوذها ، بالتنافس مع إيران و السعودية ، لكنها ترى فيها أيضاً سوقاً للتوسع و عاملاً حاسماً و خطراً في المشكلة الكردية . أما بالنسبة للسعودية فسوريا هي واحد من الميادين التي تخوض فيها نزالاً حتى الموت ضد إيران بالتزامن مع سعيها لاحتواء الموجة الثـورية . إن أنقرة و الرياض تقدمان نموذجيهما الإسلاميين كبدائل للديكتاتوريات المدنية : النموذج التركي هو الجمهورية الديموقراطية ، أما السعودي فهو نموذج الخيرية المفترضة للملكية المضطرة لإصلاح نفسها .

الجامعة العربية ، المعروفة بعدم فعاليتها المثالي و الفوضوي ، وجدت في الأزمة السورية دوراً أساسياً جديداً لتلعبه . كانت لديها هذه الفرصة بالفعل مع القذافي ، عندما دعمت قرار الأمم المتحدة الذي أدى إلى تدخل حلف الأطلسي . و قد قامت للتو بطرد سوريا ، البلد المؤسس و صاحب الدور المحوري في تاريخها  ، في رد على خدع الأسـد التقليدية ، الذي التزم في الثاني من تشرين الثاني | نوفمبر بسحب الفرق العسكرية من المدن و لكنه حصد منذ ذلك الحين أرواح ثلاثمائة ضحية . تريد هذه المنظمة الدولية إرسال قوة مدنية من أربعمائة أو خمسمائة مراقب من جمعيات حقوق الإنسان بهدف حماية السكان المدنيين في مواجهة  قمع النظام .

إنها خطوة إضافيه في الحصار الذي يضيِّق الخناق على الأسـد ، بينما تتحول المعارضة المدنية السورية الداخلية إلى مقاومة مسلحة تحظى بجيش سوري حر و مئات الجنود المنشقين . العاهل الأردني عبد الله ، مع كل السلطات المطلقة التي تخولها له الملَكِيّة ، كان أول قائد عربي يطلب بشكل صريح من الأسـد أن يتنحى عن السلطة في مقابلة مع بي بي سي .” لو كنتُ في مكانه لتنحيت ” قال الملك . من المؤكد أنه لو كان بشار في مكان عبد الله فإنه سيفعل الشيء نفسه الذي يفعله جاره ؛  تغيير الوزراء ، الإعلان عن إصلاحات و عدم التخلي عن أي واحدة من سياساته الامتيازية المميَّزة : تغيير كل شيء في سبيل أن لا يتغير أي شيء .

بالإضافة إلى انتقاد جاره المأزوم ، يريد عبد الله أن ينقذ رأسـه و لو على حساب رأس بشـار . إذ إنه في حال فقدها سيكون العاهل الأول الذي يسقط  في هذه الموجة الثورية . كل الملوك الآخرين يقفون خلفه للحيلولة دون سقوطه . و من هنا هذه الجهود التي تقوم بها الجامعة العربية من أجل التحكم بهذه االتصدعات الثورية بغية تحويلها إلى إصلاحات هـادئة .
www.elpais.com/articulo/internacional/zapatos/Bachar/elpepiint/20111117elpepiint_9/Tes

Scroll to Top