لعل القاهر الأبرز أمام تقدم الثورة الوطنية الديمقراطية التي فجرها شعبنا السوري العظيم منذ ستة أشهر ، هو عدم الانتهاء من بناء كتلة وطنية على قاعدة تحقيق الديمقراطية بين المعارضات السورية بشكل عام ، وبين المعارضتين الداخلية والخارجية بشكل خاص ، والهادفة إلى إحداث التغيير الديمقراطي باتجاه إقامة دولة ديمقراطية مدنية تسودها الحرية والعدالة .
إن الكتلة المطلوبة هي ائتلاف من أجل الديمقراطية ، تعمل على توحيد جميع التيارات والأحزاب والجماعات والأفراد في سوريا تجاه برنامج عمل مشترك ، يستند إلى أولوية عليا جامعة هي تنمية الطلب الفعال على الديمقراطية ، مع بقاء أبوابها مشرعة أمام كافة القوى التي تريد التغيير السلمي على قاعدة تحقيق الديمقراطية سواء داخل النظام أو خارجه .
والكتلة هي عمل مؤسِس للمجتمع السياسي الذي يتسع لجميع أعضائه – (التأسيس للسياسة ) والتي تستهدف هدفاً تاريخياً يتصل بالتحدي الأعظم الذي يعيشه الشعب السوري والمتمثل بإسقاط النظام الدموي ، والانتقال إلى الديمقراطية والشروع ببناء الدولة الوطنية الديمقراطية المدنية
إن قيام كتلة وطنية على قاعدة تحقيق الديمقراطية لا تتأتى من ضرورة فكرية تنظيرية ، بل تتأتى من حقيقتين أساسيتين ضاغطتين :
الحقيقة الأولى / هي نقص التجانس المجتمعي ، البارز من خلال التعددية الدينية والعرقية والمذهبية والطائفية للمجتمع السوري .
الحقيقة الثانية / هي شمولية النظام السوري ، وتجذره لعقود عدة أيديولوجياً وعسكرياً وأمنياًً وإعلامياً ، لذا كان من الطبيعي أن تكون مهمة إسقاط هذا النوع من الأنظمة فوق قدرة اي تيار فكري أو فصيل سياسي بمفرده (ليبرالي – يساري – قومي – إسلامي )
وتاريخياً فقد تم استهلاك الكثير من طاقات وجهود التيارات الفكرية والقوى السياسية المتباينة ، وذلك نتيجة لصراعاتها الأيديولوجية غير المنتجة ، وإثارة الأحقاد السياسية الماضية، والتنبؤ عن الخلافات المستقبلية ، والتي كان النظام هو الرابح الأكثر منها.
لهذا كان من الواجب الأخلاقي والوطني على كافة القوى الوطنية السورية العازمة على بناء الكتلة تأجيل حروبها الأيديولوجية والثقافية والسياسة لما بعد تحقيق الانتقال الديمقراطي ، والالتزام بـــ ( هدنة فكرية – هدنة ثقافية – هدنة سياسية – هدنة مطلبية – هدنة أخلاقية ) .
ومن المهم لأطراف الكتلة التمييز بين العاجل والآجل ، ووعي التفريق بين التناقضات الأساسية والتناقضات الثانوية ، والاتفاق على تصنيفها وإبراز الملتهب منها ، والتي لا يشُترط لقيامها وجود اهداف أخرى أبعد من الديمقراطية ذاتها ، كي لا يضاعف ذلك من صعوبة تفكيك نظام الاستبداد وإسقاطه .
كما يجب الاتفاق على المدخلات الأساسية المحدودة والتجاوز عن المخرجات المتوقعة ، والاقتصار على تفاهمات الحد الأدنى وهي :
-
إقامة نظام ديمقراطي تعددي
-
إقامة دولة وطنية ديمقراطية مدنية
-
الاعتراف بالمكونات الخصوصية للشعب السوري .
ولنا في الكتلة الوطنية على قاعدة تحقيق الاستقلال الوطني في سورية أسوة حسنة ، والتي تم بناؤها عام 1928م والمكونة من جميع القوى الوطنية الهادفة إلى إنهاء الانتداب الفرنسي .
الخلافات الأساسية للمعارضة السورية :
-
قابلية أو عدم قابلية النظام السوري الشمولي للإصلاح
-
إسقاط النظام الأمني أو إسقاط النظام السياسي.
-
الموقف من التدخل الخارجي دون تحديد مضمونه بدقة .
المحاصصة السياسية في المؤسسات المقترحة لقيادة المعارضة ، والمتعلقة بحجم التمثيل بين معارضة الداخل ومعارضة الخارج من جهة ، وبين كل من المعارضة الأسلامية والمعارضة الليبرالية والقومية من جهة أخرى.
الأسباب المتوارية وراء خلافات المعارضة :
-
أسباب أيديولوجية – حزبوية .
-
أسباب دينية – طائفية – عرقية .
-
أسباب لها علاقة بالتجاذبات الأقليمية والدولية الحاضنة للمعارضة ، وقد يكون دافعها التعويض عن ضعفها الداخلي على أرض الواقع السياسي .
الاستقطاب الداخلي للمعارضة السورية :
تعاني المعارضة السورية الداخلية حالة من الأستقطاب الحاد بين المعارضة التقليدية المنظمة ، والمكونة من القوى القومية واليسارية والليبرالية ، والداعية للحوار المشروط مع النظام ، وفي مقدمتها أسقاط النظام الأمني ، والرافضة للتدخل الخارجي ، وبين بعض تنسيقيات الداخل الممثلين للشارع الاحتجاجي بغض النظر عن تياراتهم وقواهم ، والداعين لإسقاط النظام السياسي بشكل كامل ، والرافعين شعار الحماية الدولية للمدنيين دون توضيح مضمون هذه الحماية .
الاستقطاب الخارجي للمعارضة السياسية :
وقد تبلور هذا الاستقطاب غير الحاد في اتجاهين الأول : يتمثل في محور أجتماع أستانبول والمتميز بالحضور القوي للتيار الأسلامي المعتدل بشكل عام وتنظيم الأخوان المسلمين بشكل خاص ، والذي يحظى بالدعم الرسمي التركي ، والثاني : يتمثل بالتوجه القومي والليبرالي للمعارضة والذي يلقى دعماً عربياً وأوربياً ( فرنسا ) .
المبررات الداعية لإسقاط النظام الأمني فقط ( المعارضة الداخلية التقليدية ).
-
عدم قدرة السوريين على تحمل كلفة إسقاط النظام السياسي برمته لأسباب شتى ..
-
إن إمكانية إسقاط النظام بالكامل تفوق قدرة الشارع الاحتجاجي في ظل موازين القوى الداخلية لأسباب متعددة ( الجيش – الأمن -البرجوازية ……).
-
إسقاط حجة النظام أمام القوى الدولية بأن المعارضة ترفض نهج الحوار ، مع تمسكها بأشتراطات الحوار وفي المقدمة منها إسقاط النظام الأمني.
-
عدم وجود رغبة إقليمية وعربية ودولية في إسقاط النظام السياسي.
المبررات الداعية لإسقاط النظام السياسي ( المعارضة الخارجية + التنسيقيات ).
-
النظام السوري الشمولي غير قابل للأصلاح بالمطلق , وضرورة إسقاطه بكامل أركانه و رموزه.
-
إصرار الشارع الاحتجاجي على إسقاط النظام السياسي بالكامل وظهور بوادر مشجعة على تصدع النظام .
-
ازدياد رقعة الاحتجاجات الشعبية عمودياً وأفقياً ، ودخول فئات جديدة للساحة.
-
إن مجرد الاكتفاء بالعمل على إسقاط النظام الأمني ، لا تعني إلا تجديد النظام السياسي من الداخل وركوبه سفينة النجاة ، وتحوله إلى نظام استبدادي مُحدث بديكور جديد وهوامش ضيقة من الأحزاب المرخصة من وزارة الداخلية والحريات السياسية والأعلامية المقيدة على شاكلة سياسات وممارسات النظام المصري السابق ( مبارك ) والتي سرعان ما يتم التخلي عنها عند أقرب فرصة ممكنة ( خطوة للأمام خطوتان لخلف ).
استنتاجات ختامية :
-
إن إسقاط النظام الشمولي لا يمكن تصوره دون وحدة المعارضات السورية بشكل عام ، والمعارضتين الداخلية والخارجية بشكل خاص، باعتبارهما المؤطرتين لنضالات وطموحات شعبنا في الداخل والخارج.
-
لن تحظى ثورة الشعب السوري بالدعم والمساندة الإقليمية والعربية والدولية دون وحدة هذه المعارضة في جسم سياسي واحد.
بروز حالة من التمركز على الذات بين المعارضة الداخلية التقليدية المنظمة ، والمعارضة الخارجية شبه المنظمة ، وادعاء كل منهما تمثيل الشارع الاحتجاجي ، مع محاولة كل طرف منها استمالة بعض الشخصيات الثقافية المستقلة الى جانبه.
إن سقف المعارضة الخارجية أعلى من سقف المعارضة الداخلية ، حيث الأولى تقوم على قاعدة إسقاط النظام السياسي ، في حين أن الثانية تقوم على قاعدة إسقاط النظام الأمني فقط ، في الوقت الذي يتراوح فيه توصيفها للاحتجاجات الشعبية الواسعة ما بين الانتفاضة والثورة.
-
عدم التوازن في الخطاب السياسي للمعارضة السياسية التقليدية ، من حيث تشريح الحالة الوطنية المتأزمة والتي يتحمل النظام وزرها ، وبين ما تطرحه من حوارات مشروطة وعلى رأسها إسقاط النظام الأمني كمقدمة لإحداث التغيير (تشريح ثوري وحلول إصلاحية !!)
-
إذا كانت نضالات المعارضة ضد النظام خلال العقود الماضية تمثل حركة اعتماد ، فإن وحدتها الحالية تمثل حركة نقلة بامتياز ( هذا يومكم فأين أنتم ؟! )
-
إذا كان البعض يميل إلى اعتبار الخلافات بين المعارضتين الداخلية والخارجية خلافات استراتيجية ، فإننا نعتبرها خلافات تكتيكية ، سرعان ما يتم تجاوزها ، والتي قد تكون من باب التفاهم الضمني وتقاسم الأدوار- رغم تجاهل كل منهما للأخرى – طالما أن الطرفين متفقين على إحداث التغيير الديمقراطي وبناء الدولة الديمقراطية المدنية .
وأخيراً / إذا كان البعض ما زال يردد مقولة عدم قدرة السوريين على تحمل كلفة إسقاط النظام السياسي ، فإن التحليل الموضوعي للواقع السوري يفيد بأن كلفة بقاء النظام أعلى من كلفة تغييره .
نعم للتكتل… الإسلامي – الليبرالي – اليساري- القومي – على قاعدة إسقاط النظام
لا للتنابذ الوطني المعارض – لا للتمركز على الذات – لا لتخوين الاخرين .