قد يتخيل البعض أن الموقف الروسي المؤيد لإجرام النظام السوري البعثي الأسدي بحق شعبه الأعزل، قد يتخيلون أن هذا الموقف مجرد مصالح، لكن هذا غير ممكن، فمن الواضح للجميع ولهم أيضا أن مصالحهم هي مع الشعب المنتصر، أمريكا والغرب وقفوا إلى جانب الأنظمة المتحالفة معهم النظامين التونسي والمصري، ولكنهم سرعان ما تخلوا عنه عندما أيقنوا أن الشعوب هي المنتصرة، فهل يُعقل أن السياسة الروسية أغبى من السياسة الغربية والأمريكية، أم أن الأمر فيه أكثر من مجرد مصالح؟
لم تكن روسيا في تاريخها إلا ضد الشعوب ولم تكن إلا صاحبة شعارات كاذبة خادعة تدعي نصرة الفقراء والعمال، فقد قامت الثورة الشيوعية فيها على هذه الشعارات لكنهم حولوا العمال إلى عبيد في وضع أقسى مما كانوا فيه ومات منهم الملايين من الجوع والقمع الوحشي، وما الثورة البعثية أو بالأحرى انقلاب 8 آذار إلا عبارة عن تصدير للثورة الشيوعية ولكن في لباس عربي قومي للخداع والتمويه، إن جميع الشعارات البعثية والشيوعية التي تتحدث عن الحرية والاشتراكية والمساواة لم تكن إلا أكاذيب، ولن تكون أبدا إلا أكاذيب.
إن الميراث الشيوعي والماركسي المشترك لكلا النظامين السوري والروسي هو أحد أهم الأسباب الخفية لهذا الموقف الروسي العجيب الذي من البديهي أنه يتناقض مع مصالحها، إن النظام السوفياتي الستاليني في روسيا لم يسقط، فقط سقط الحزب الشيوعي وبعض الأشياء الظاهرية، وبقيت الهياكل الجوهرية للنظام الشيوعي الستاليني ممسكة بالحكم، فالرئيس الروسي بوتين هو خريج مدرسة المخابرات السوفياتية KGB، وهم يعملون الآن على إعادة الاتحاد السوفياتي الذي كان أكبر عدو للشعوب والحريات وحقوق الإنسان في القرن العشرين.
إذا من الواضح أن الموقف الروسي ضد ثورات الشعوب وتأييدا للأنظمة الديكتاتورية الستالينية نظام بشار والقذافي هو موقف مبدأي، إن شركاء النظام في القتل، في موسكو وبكين وطهران، يقطعون علاقاتهم الدبلوماسية مع الشعب السوري إلى الأبد، ويجب على الشعب السوري أن يقطعها قطعا أبديا بمعنى الكلمة، هؤلاء المجرمين ليس لهم مصالح مع الشعوب، هؤلاء لم يعرفوا أبدا مصلحة مع شعوبهم فكيف يعرفونها مع شعوب غيرهم؟ هؤلاء مصالحهم محصورة بالأنظمة الديكتاتورية من النوع الستاليني الذي يتفوق حتى على الديكتاتورية من النوع النازي، مع الاحترام طبعا لبعض الشرفاء من الشيوعيين واليساريين الذين يؤمنون فعلا لا قولا بالديمقراطية الحقيقية والتداول السلمي للسطلة.
أشكر جدا صفحات الثورة السورية على إقامة ثلاثاء الغضب على روسيا، ولكن إذا أردتم نصيحة خالصة لوجه الله فيجب أن يستمر هذا الغضب للأبد، فتخيلوا لو أحدهم قال مثلا:
“أمريكا لا تغلقي عينيكي على المجازر بحق الناس الذين أحبوكي.”
“أمريكا لا تخسروا أصدقائكم كل ما نريده هو العيش بحرية”
لكانت كارثة كبرى وتم اتهامه بالعمالة والخيانة، حسنا إذا كان وصف أمريكا بالصداقة عمالة وخيانة، وإذا كان موقف روسيا من الثورة السورية والثورات العربية أسوأ من موقف أمريكا، فماذا يجب أن يكون وصف روسيا بأنها صديقة؟