الشبهة الثانيةً: هل شرك القصور هو البدعة الكبرى والشرك الأكبر كما يقول البعض؟

جوابه: أن الشرك إما أن يلحق ضرره بالفرد أو بالجماعة، أو بالفرد والجماعة على الترتيب.

الأمر الأول: هل شرك القصور- الشرك الثاني – أخطر على العبد، أم أنه الشرك الأول – شرك العباد مع الله – ؟

الإجابة: يجب العلم أن غاية العبد أن يُسلم أمره لله تعالى، فيخرج نفسه من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد لينجو من عذاب جهنم. وهذا أول عمل للأنبياء جميعاً؛ إنقاذ ما يمكن إنقاذه من البشر من الكفر إلى الإيمان، ولو لم يتحقق التمكين في الأرض لهذه الجماعة المؤمنة التي اتبعت الأنبياء.

إذن فهل القضاء علـى شرك القصور يعني بالضرورة القضـاء على الشرك الأول – شرك ما بين العبد وربه -؟

الجواب: لا، لأن أنبياء ومرسلين لم يستطيعوا القضاء على هذا الشرك في نفوس أصحابه، رغم ما معهم من التأييد والبرهان الرباني.

إذن فالشرك الأول هو أخطر على العبد من الشرك الثاني، لأنه لو مات موحداً لله تعالى تحت راية طاغوتية وأحكام كفرية – كموت النجاشي في قومه – فاز ونجا، ولو مات العبد مشركاً بالله تعالى الشرك الأول، يعني فيما بينه وبين الله تعالى، ولو في ظل خلافة راشدة، لا يغنيه ذلك من الله شيئا، وكان خالداً في جهنم – كأبيّ بن خلف -.

إذن البدعة الكبرى والشرك الأعظم بالنسبة للفرد هو الشرك الأول وليس شرك القصور، وهذا لا يعني أن الفرد الموحّد لا يمكن أن يتأثر بشرك القصور ولا يصيبه ظلم، لكن هذا الظلم الواقع عليه يستدرك ويرفع عنه، ويأخذ حقه كاملاً يوم القيامة من أولئك الظالمين والطواغيت. في حين أن العبد المشرك الذي استظل بخلافة راشدة لا يستطيع النجاة مما استحق من عقوبة بسبب ما اقترفت يداه  من شرك  يوم القيامة، أي: لا تنفعه الخلافة الراشدة لعدم تحقق التوحيد فيه أصلا!!!

وعليه فقد اتضح لنا أن الشرك الأول يعد الأخطر على العبد, ويعتبر البدعة الكبرى والعظمى بالنسبة له.

الأمر الثاني: هل شرك القصور- الشرك الثاني – أخطر على الجماعة، أم أنه الشرك الأول – شرك العباد مع الله -؟

وللإجابة: أقول سائلاً، هل يعني بالضرورة أن يكون أثر شرك القصور سيئاً من الناحية المادية، على المجتمع الذي يسود فيه؟

لماذا هذا السؤال؟ لأننا نرى أن البلاد الرأسمالية – منها، السويد, سويسرا, انجلترا, وحتى أمريكا – على الرغم من وقوعها في هذا الشرك إلا أن الحياة المادية التي يتمتع بها المجتمع الغربي أصبحت حلماً تحلم به كثير من المجتمعات الإسلامية هذا الزمان.

لماذا إذن شرك القصور عندنا له أثر سيء على المجتمع بينما عند الغرب, لا يظهر منه ذلك – وأقصد ماديا لا روحياً -؟ إذن لا بد من توفر عوامل أخرى تضاف إلى شرك القصور ليعطي أثرا سيئاً على مجتمعه, وليس هو بذاته، ومنها (اللاأخلاقيات).

لذلك نستطيع القول, إذا اجتمع شرك القصور مع الأخلاقيات – حب العدل والصدق, والمواطنة, والأمانة, والوفاء بالعهد, والإيثار, والتكافل الاجتماعي, وما شابه ذلك –  يعطي غالباً حياة مادية كريمة للمجتمع, وإذا افترقا أدى ذلك إلى عكس ذلك.

فبتحقيق التوحيد الأول, توحيد ما بين العبد وربه, نصل في المجتمع إلى النتائج التالية:

1- حياة روحية كريمة, واطمئنان نفسي.

2- النجاة من النار.

3- حياة مادية كريمة في ظل التوحيد الثاني توحيد القصور إذا وجدت الأخلاقيات، أو حياة مادية سيئة في ظل التوحيد الثاني مع عدم وجود الأخلاقيات.

4- حياة مادية كريمة, تحت أحكام الشرك الثاني شرك القصور مع وجود الأخلاقيات أو حياة مادية سيئة تحت أحكام شرك القصور مع عدم وجود الأخلاقيات.

أما نتائج تحقيق التوحيد الثاني توحيد القصور، على حساب التوحيد الأول توحيد العبد لربه على المجتمع هي:

حياة مادية كريمة مع وجود الأخلاقيات، أو حياة مادية سيئة مع عدم وجود الأخلاقيات.

– حياة روحية ميتة.

– الخلود في جهنم.

فالسؤال, أي النتيجتين أقوم وأسلم للمجتمع يا أولي الألباب؟؟!!! وكيف يجرؤ شخص بعد هذا البيان أن يتقول على الشرع بالظن, قائلا أن شرك القصور هو البدعة الكبرى والشرك الأعظم؟ فهل عندكم من علم بهذا من الكتاب والسنة ما يدل على حسن فهمكم؟

فإن قلتم نعم وأوردتم لنا آيات الحاكمية – وهي على العموم ولا يجوز حملها على الخصوص كما مر معنا سابقاً إلا بتفصيل – باعتبارها من العبودية والعبادة، كقوله تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ) [يوسف:40].

قلنا لكم: وكذلك الدعاء ورد في الكتاب والسنة على أنه العبادة وأنه من العبادة. كقوله تعالى على لسان خليله إبراهيم عليه السلام: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا # فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا) [مريم:49].

وقول الرسول صلى الله عليه وسلّم: “الدعاء هو العبادة([1]).

وبهذا يكون شرك دعاء غير الله هو البدعة الكبرى والشرك الأعظم. إذن فأي الشركين أكبر، شرك القصور أم شرك الدعاء والحجة فيهما واحدة؟ وإذا أوردتم قول الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) [الزخرف:84]، للتدليل على زعمكم، أي أن الله تعالى هو المعبود في الأرض كما هو في السماء.

قلنا لكم أن هذه آية عامة تدل على جميع مظاهر العبودية ومن ضمنها التوحيد الأول, توحيد العبد لربه, والتوحيد الثاني, توحيد القصور, ولهذا يحق لنا أن نزعم بهذه الآية كذلك، أن التوحيد الأول هو الأهم، وعنه ينتج أن الشرك الأول هو البدعة الكبرى والشرك الأعظم.

وإذا أوردتم قوله تعالى: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) [المائدة:49]. فليس في الآية ما يدل على أن الحكم بما أنزل الله بين العباد هو الأعظم, غير التأكيد على الحكم بما أنزل الله والتحذير من مخالفته. وعليك أخي القارئ أن تستعرض آيات الحاكمية في نفسك, فهل تجد فيها ما يدل على ما يزعمون؟


(1) أخرجه الترمذي: وقال: حسن صحيح، وقال الشيخ الألباني في صحيح الترمذي: صحيح، ورقمه (3372). وانظر: “صحيح الجامع الصغير”.

الشبهة الثانيةً: هل شرك القصور هو البدعة الكبرى والشرك الأكبر كما يقول البعض؟
تمرير للأعلى