نكمل ما بدأنا به في الجزء الأول من الموضوع السابق تحليل استراتيجي للعلاقات الدولية والوضع في سوريا، وقد ركزت في الموضوع السابق على التعرف على طبيعة الاتجاهات السياسية والأيديولوجية في المنطقة والعالم، وسوف أركز في هذا الجزء على علاقات الدول بأسمائها وتأثيرها على الوضع في سوريا والمنطقة.
أمريكا: أمريكا نظام ديمقراطي فيه عدة تيارات سياسية متنوعة وتؤثر عليه مجموعة من الأيديولوجيات واللوبيات خاصة اللوبي اليهودي، وله ومصالح ومشروع استراتيجي في المنطقة، وهو من حيث الأيديولوجيات فهو عدو للنظام السوري بشكل حقيقي، أما من ناحية المصالح فهي أحيانا تؤثر بشكل يخفف من هذا العداء، ثم تمر فترات من التوتر الشديد، وأخرى فيها بعض العلاقات، لكنها لا ترقى لأن تكون علاقات حقيقية على غرار العلاقات الاستراتيجية والأيديولوجية للنظام السوري مع إيران وروسيا والصين، يحتاج النظام السوري إلى تحسين علاقاته مع الغرب من أجل فك العزلة الدولية وتخفيف الضغوط عنه، ولكن من دون أن يتخلى عن علاقاته العضوية مع إيران، ويحاول أن يقدم نفسه للغرب على أنه عدو عاقل، أما الغرب فهو بسبب يأسه من إمكانية تغيير النظام السوري بعد التجارب المريرة في العراق وأفغانستان، فإنه يضطر لأن يقبل منه ولو بحد أدنى من التغيير.
كما أن النظام السوري لعب وراهن على ضرب الجيش الأمريكي ودعم القاعدة والإرهاب ومنع الاستقرار في العراق، من أجل استخدام ذلك كورقة في الضغط لتخويف أمريكا من القيام بحملة عسكرية ضده مثل ما فعلت ضد نظام البعث العراقي، ولا شك بأن مثل هذه الأوراق لا تجعل النظام السوري صديقا للغرب بقدر ما تضطره لأن تتصالح معه وتعيد تسويقه اتقاء لشره، كما استخدم النظام السوري ورقة إضاعة الوقت في مفاوضات سلام مع إسرائيل، ليدعي أنه قد غير استراتيجيته من أجل تخفيف الضغوط عنه، وتساعده في ذلك إسرائيل بقبولها هذه المفاوضات، وفي الحقيقة أنه هو وإسرائيل يرفضان إتمام هذه المفاوضات لأنه يتوجب في نهايتها إرجاع الجولان وإنهاء أي حجة لإبقاء الحالة الأمنية للنظام السوري التي تحفظ له وجوده.
كما يساهم اللوبي اليهودي في أمريكا كثيرا في الضغط على الإدارات الأمريكية لتحسين علاقة أمريكا بالنظام السوري لصالح إسرائيل، وله دور كبير في تراجع بوش عن قراره بإسقاطه عسكريا، وقد حاول هذا اللوبي أيضا في هذه الفترة أن يحافظ على بقاء النظام السوري في وجه الثورة الشعبية لكنه لم ينجح.
إسرائيل: العلاقة بين النظام السوري البعثي وإسرائيل هي علاقة تحالف عضوي مخفي ومغطى جيدا بحالة عداء واتهام متبادل علني، وهذه العلاقة أصلها هو أن الأيديولوجية الماركسية التي قام عليها النظام البعثي والأيديولوجية الصهيونية القائم عليها الكيان الصهيوني، كلاهما من منبت واحد من منطقة اليهود في روسيا، وعلى سبيل المثال فإن القادة التاريخيين الأوائل لإسرائيل وكذلك أوائل اليهود المهاجرين قد جاؤوا من روسيا، كما أن ابن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل كان عضوا بالحركة الشيوعية الروسية واشترك مع لينين في الثورة الروسية الشيوعية الأولى الفاشلة عام 1905، فهرب ابن غوريون إلى فلسطين وهرب لينين إلى ألمانيا، كما أن لينين قدم وعدا وسن قانونا بإقامة دولة إسرائيل عام 1917 بعيد نجاح الثورة الشيوعية البلشفية في روسيا، وهو وعد قانوني يتفوق في قوته على وعد بلفور، لكنه أنه أحيط بتعتيم إعلامي كبير، أما العلاقة بين النظام السوري وإسرائيل فتتمثل بكثير من الخدمات العظيمة المتبادلة بينهما، منها:
1- تسليم الجولان لإسرائيل بدون أي قتال، وهو قلعة طبيعية حصينة تجعل من العسير اختراق حدود إسرائيل من الجهة السورية في حالة سقوط النظام السوري البعثي ومجيء حكم وطني شريف يريد تحرير فلسطين بصدق.
2- قمع الشعب السوري وتحويله إلى شعب من العبيد الأذلاء، وتحويل خدمة العلم إلى فترة لتحطيم روح ومستقبل الشباب السوري، وتدجينهم وتدمير طموحاتهم.
3- سرقة خزينة وميزانية وثروات البلد بحجة استخدام 75% من الميزانية في وزارة الدفاع، والجميع يعلم جيدا أن الجيش السوري من أفقر وأبأس الجيوش في العالم وأضعفها قدرة على مواجهة أي احتلال بسيط، ولكن حوله النظام إلى جيش قوي فقط ضد شعبه الأعزل.
4- ترويج النظام نفسه وحلفاءه كذبا وزورا على أنهم محور المقاومة وآخر قلعة للصمود، وهو بذلك يخدع ويغافل الشعوب العربية ويحتكر المقاومة، بل وحتى وصل به الأمر إلى التأثير على مقاومة حماس وإفراغها من جوهرها وحقيقتها.
إيران: العلاقة مع النظام السوري عضوية استراتيحية وأيديولوجية، وقد أصبحت إيران هي الدولة الإقليمية النائبة عن الاتحاد السوفيتي السابق في الشرق الأوسط، كما أن علاقة إيران بإسرائيل هي على نحو مشابه لعلاقة النظام السوري بإسرائيل رغم كل التصريحات النارية اللفظية الجوفاء، ولا أدلّ على ذلك من فضيحة الأخيرة للشركات الإسرائيلية المتعاملة مع إيران، كما توجد فضيحة مشابهة في زمن الخميني، أما علاقة إيران مع أمريكا ففي الأصل هي العداء، ولكن حصل تلاقي صالح بينهم في إسقاط نظام طالبان والنظام البعثي العراقي، وتبقى مع ذلك العلاقة بينهما هي العداء، وأما علاقة إيران بروسيا والصين فهي علاقة أيديولوجية رغم أن إيران لا تعتنق المبادئ الشيوعية، إلا أن عقيدتها مشابهة للشيوعية من الناحية البنيوية، فيوجد في إيران تأميم وخنق حريات وسجون وقتل بالآلاف، كما نلاحظ أن الصين وروسيا دأبتا على الدفاع عن الموقف الإيراني في مجلس الأمن بشأن المفاعل النووي، كما أن معظم السلاح الإيراني روسي.
الصين وروسيا: ونلحق بهم دول أمريكا اللاتينية وهي كلها تدور في فلك واحد وهو فلك اليسار الثوري والماركسي، فعلى الرغم من زعمهم محاربة الصهيونية إلا أن الحقيقة أنهم أكبر داعم في الخفاء للصهيونية، وهذه حقيقة لطالما بقيت مستورة، وقد آن الأوان لكشفها، كما أنهم يزعمون أنهم المحررون للشعوب والداعمون للحركات التحررية في العالم ضد الاستعمار الغربي، ولكنهم في حقيقتهم عبارة عن استعمار أشد وحشية وبطشا من الاستعمار الغربي بعشرة أضعاف على الأقل، وأحيانا بآلاف الأضعاف، ويمكن لمن يراجع تاريخ الاستعمار الغربي وفظائعه ويقارنها مثلا بالاستعمار البعثي وفظائعه الأشد في سوريا سيلحظ بكل سهولة الفرق الهائل، وهناك مثلا فظائع الاحتلال السوفياتي للشيشان، ووفظائع الاحتلال اليوغسلافي الشيوعي للبوسنة والهرسك وكوسوفو وغير ذلك الكثير من الأمثلة، ولكن الغريب هو كيف نجح الاستعمار البعثي والشيوعي في خداعنا وظل يقتل بنا ويبيدنا، ورغم ذلك نظل كشعوب نعشقه ونسبح بحمده ونصدق أكاذيبه؟ وقد كان إذا افتضحت حقيقة إحدى هذه الأنظمة صدقنا على الفور الأكاذيب الإعلامية التي تزعم أنه كان عميلا للغرب، من أجل صرف النظر عن المنبع الأصلي وهو روسيا والأيديولوجية الماركسية.