إذا كانت الثورات العربية قد كشفت القناع وأسقطت ورقة التوت عن حقيقة وعلاقة جبهة الممانعة مع الصهيونية، فهل هناك أيضا وجه آخر لعلاقة جبهة الاعتدال مع إسرائيل؟ إذا كان الهجوم الكلامي المتبادل المعلن بين جبهة الممانعة وإسرائيل هو للتغطية شعبيا على العلاقات المشبوهة السرية، فهل من الممكن أن يكون المديح الإسرائيلي العلني المتعمد لدول الاعتدال من أجل تغطية وتشويه حقيقة حالة عداء خفية؟ ولماذا يستمر المسؤولون الإسرائيليون في مدح دول الاعتدال وإظهار الخوف عليها علنا إذا كانوا فعلا أصدقاء؟ أليس هذا من شأنه أن يؤجج الكراهية الشعبية ضدها ويحث شعوبها على الثورة عليها وبالتالي ستخسر عميلها؟ ولماذا تتعمد إسرائيل ومعها وكلائها في جبهة الممانعة تثوير الشعوب كل على طريقته ضد أنظمة الاعتدال لو كانت فعلا صديقة لها؟
في القصة المعروفة لسيدنا موسى (عليه الصلاة والسلام) مع الخضر، نجد الخضر يتصرف تصرفات تبدو في ظاهرها ضد المصلحة والخير، ثم تبين لنا لاحقا أنها في حقيقتها هي جوهر المصلحة وعين الصواب. ربما يكون الإصرار المستمر من قبل إسرائيل وأنظمة الممانعة العميلة الحقيقية لها على إسقاط وتشويه شعبية الأنظمة المعتدلة هو من أجل إسقاط أنظمة معادية لإسرائيل في حقيقة أمرها على نحو ما فعله الخضر، وهذه الدول تخفي هذا العداء في ظل موازين قوى دولية وعالمية تدعم إسرائيل سواء المعسكر الغربي وأيضا المعسكر الشرقي (روسيا والصين).
يمكننا أن نأخذ مثالا آخر وهو أن صلح الحديبية الذي بدا في ظاهره وفي شروطه المجحفة مذلا، كان على أرض الواقع نصرا كبيراً حيث أسلم بسببه من الكفار في غضون سنتين فقط ضعف من أسلم منهم في عقدين تقريبا، مما أدى إلى إمكانية الزحف بجيش مقداره عشرة آلاف لفتح مكة سلميا. أما في عملية السلام فرغم فشلها في المسار الفلسطيني، إلا أنها بمجملها كان لها أكبر الأثر في إضعاف إسرائيل دبلوماسيا وتقليل التعاطف الغربي معها، ثم أخيرا حملات معادية لها خاصة في أوروبا وحتى من قبل كثير من التجمعات اليهودية الغربية.
والسبب الرئيسي في ذلك هو أن قيام دولة إسرائيل قد اعتمد أولا على التعاطف وكسب الشرعية الدولية عند الغرب، ثم أخذ الضوء الأخضر بسبب تلك التهديدات المزيفة بينها وبين وكلائها الممانعين لاحتلال أرضنا، ومثل هذه الحالة ربما يصعب مواجهتها والانتصار عليها إلا بمثل خطواتها، وذلك بالعمل على نقض شرعيتها الدولية تدريجيا وإبطال أو إبطاء التعاطف الغربي معها وتقليله إلى أدنى مستوى ممكن، والعمل على قلب موازين القوى العالمية، وهذا أمر قد يستغرق زمناً طويلاً، ولحين الوصول الى نتائج مرجوّة يمكن للعرب القبول بأي نصر يمكن كسبه وتحريره من أراضٍ محتلة، أو نيل اعتراف دولي بالشعب الفلسطيني وعدالة قضيته، ثم الاعتراف بالسلطة الفلسطينية، ثم الدولة، ثم التخلص من دول الممانعة العميلة لإسرائيل حقيقة والتي هي في الواقع لا تألوا جهدا في عرقلة مسيرة تحرير فلسطين ونيل الاعتراف الدولي بها. وهكذا تستمر مسيرة الصراع السياسي بيننا وبين العدو حتى نصل إلى الظروف المناسبة التي يمكن فيها تحييد جميع القوى الدولية، والقيام بالتحرير العسكري لأرض فلسطين حين تتوفر الظروف التي تجعل إمكانية التغلب عليها أكبر من الهزيمة التي ينتج عنها احتلال مزيد من الأرض العربية كما في حرب عام 67.
وبذلك نكون قد حققنا عدد من الأهداف وهي: أولا: بالنسبة للجانب الإسرائيلي، وقف التوسع الإسرائيلي وعلوها إعلاميا، ثم بدء التراجع الإسرائيلي جغرافيا وإعلاميا. ثانيا: في الجانب العربي نكون قد أعدنا حقوقنا وأرضنا تدريجياً ـ 95% من الأراضي العربية المحتلة أعيدت ـ وفي نفس الوقت نحقق من التقدم الإعلامي ما يكفي لدعمنا عسكريا واقتصاديا. وكل هذا يعد في باب المصالح للأمة العربية والإسلامية.ً