جميع الأحزاب وجميع الدول تحاول التأثير في مصير الثورة المصرية، فقد خضعت مصر ولا تزال لعدد من التجاذبات الدولية التي تترواح ما بين مشروع دول المقاومة والممانعة ـ زعمواـ ، ومشروع دول الاعتدال السني القائم على فقه الموازنات وتغليب الحلول السلمية. ولا شك أن أخطر مشروع يريد بمصر أمراً كبيراً هو المشروع الإيراني، صاحب مشروع ولاية الفقيه والخطة الخمسينية. وبعد الثورة في مصر ورحيل الرئيس مبارك، تبدو المخططات المرسومة تسير بطريقة أكثر تطوراً لمواكبة التطلعات الشعبية والشبابية نحو الحرية والديمقراطية وتحقيقها.
فما هي طبيعة هذا المشروع الإيراني بعد الثورة؟ وبماذا يتمثل فعليا على أرض الواقع؟ وهل هو مخطط سخيف يكفي مجرد الانتباه له كي نحبطه؟ أم هو مخطط معقد ومحكم ويصعب للغاية التصدي له؟ أم هو مخطط قوي من الممكن إحباطه لكن حال الشعب المصري وأطيافه لا يبشر كثيرا بإمكانية التصدي له؟ أم أن بعض تباشير وإرهاصات النصر مثل حركة التغيير الشعبي في سوريا، وسقوط كثير من الأكاذيب وأساطير المقاومة السورية والإيرانية، وانتشار أكثر وأسرع للمعلومات عبر الانترنت كلها عوامل جديدة يمكن التغلب بها على عجزنا السابق؟ وكيف نتصدى لهذا المشروع؟ هل هو بمجرد التخويف والتحذير منه، أم إضافة إلى ذلك بإيجاد وتشجيع البدائل الوطنية الصادقة؟
إن طبيعة المشروع الإيراني بشكله السابق القائم على تصدير الثورة من الممكن أن نمثلها بدعوة نصر الله للجيش والشعب المصري بالانقلاب أو الثورة على النظام الراحل في فترة حرب غزة، ومثل هذه الثورة لأسباب أيديولوجية هي أشبه بالثورة الإيرانية، ولكن الثورة المصرية الجديدة هي ذات طابع غير أيدولوجي وتدعو لإقامة نظام ديمقراطي تعددي لتداول السلطة سلميا، لذا فقد أصبح المشروع الإيراني الجديد يرتكز على مبادئ هذه الثورة ويحاول أن يمتطي موجتها بما لا يتعارض معها، وذلك عبر الديمقراطية وصناديق الاقتراع، ويحاول في نفس الوقت غزو عقول بعض شباب الثورة والاعتماد على بعض تيارات الإخوان المسلمين التي تقبل بالمشروع الإيراني أو صاحبة الهوى الإيراني بالمعنى الآخر، كما يحاول أيضا غزو بعض الجماعات السلفية بالتحالف السياسي لا العقدي، مثلاً، عبر استغلال فكرة تضخيم وتقديس العداء ضد الغرب بشكل أكثر من العداء لكل من إيران والمعسكر الشرقي (روسيا والصين).
الكثيرون من تيارات الإخوان وغيرهم من الذين ينظرون للخطر الإيراني بحذر، لا يحذرون منه بالشكل الكافي ولا يدركون مدى قوة خداعه وقدرته على تسخير الشعوب والجماعات من أجل مشروعه وهي تظن أنها تعمل لأجل قضيتها، بينما في الطرف الآخر هناك البعض ممن يعرفون جيداً مدى خطورته ودهاء مخططاته، لكنهم يقعون فيما يمكن التعبير عنه بالتهويل من حتمية نجاح هذه المخططات بسبب قوة إحكامها من جهة وضعفنا وضعف انتشار الوعي بها من جهة أخرى، وكلا الحالتين تؤدي لنفس النتيجة وهي نجاح المخطط في تحقيق أهدافه.
صحيح أننا في المرحلة السابقة كنا ضحية سهلة أمام كافة أنواع المخططات والمشاريع بسبب غفلتنا أو غثائيتنا كما عبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أيضا السنوات الخداعات، ولكن من قال بأن هذه الغثائية وهذه السنين الخداعة سوف تستمر إلى ما لا نهاية؟ ومن قال بأنه إذا بقيت بعض الشرائح مستمرة في غثائيتها وتصديقها للكذب فإن هذا يعني أن الأغلبية سوف تظل كذلك؟ إن الأمور قد تكون في بداية تغيير جذري في هذه المعادلة، وخاصة بوجود الانترنت ووسائل الاتصال التي تمكن أي شخص أو مجموعة مهمشة لديها فكرة رائعة من نشرها، وهذه الوسائل الجديدة كانت من أهم وسائل الثورات الشعبية الأخيرة كما يعلم الجميع، أفلا يمكن أن تكون أيضا وسيلة لنهوض كبير من حالة الغثائية والتخلص من خداع السنوات الخداعة؟
إن حلول الديمقراطية الحقيقية في أي دولة قد يجعلها عرضة للمتسلقين وأصحاب الأجندات الخارجية، ولكنّ صمام الأمام هو القيام بترسيخ عدد من الأمور والثوابت والوطنية التي يصعب اختراقها، منها:
1- دستور ديمقراطي تعددي يكفل الانتقال السلمي السلس للسطلة ويمنع احتكارها، مع وضع بنود لحماية الدستور من العبث به أو تعديل مواده الديمقراطية الكفيلة بتداول السلطة، إلا بأغلبية استفتاء شعبي تفوق مثلا نسبة 85%.
2- الشعب والشارع الواعي جيدا هو الضامن لبقاء الديمقراطية، ولكن من يحرك الشعب؟ قد تأتي مرحلة يستطيع فيها بعض العابثين تحريك الشعب في اتجاه معين، لذا يجب التركيز على نشر الوعي الشعبي جيدا بأهمية المحافظة على الديمقراطية لمنع أي رئيس من تجاوز فترتين رئاسيتين، مثلا لا يمكن القبول تحت أي ظرف بمجيء نموذج لرئيس (منقذ مقدس منزه مثل جمال عبد الناصر)، ليقوم بإلغاء الديمقراطية والحرية مقابل شعارات مقاومة أو وحدة عربية ألخ… سواء كانت شعارت كاذبة أو حقيقية، ولا يمكن القبول باستمرار رئيس ناجح أكثر من ولايتين حتى لو كان مثاليا، كي لا نفتح الباب مستقبلا أمام مجيء رؤساء ديكاتوريين ويستمرون بالسلطة.
3- تأسيس أحزاب وطنية حقيقية ذات محتوى وطني وولاء فعلي لمصالح الوطن والشعب تحتوي على كافة أطياف المجتمع، ويكون لها أهداف واضحة ومحددة بعيدا عن الأيديولوجيات الجاهزة القديمة أو المستحدثة، بحيث تملأ الفراغ الذي تريد أن تستغله الجهات ذات الأغراض المشبوهة.
4- على كافة المواطنين وأصحاب التوجهات الوطنية الصادقة غير المرتبطة بتيارات خارجية ـ من السلفيين والإخوان المسلمين والليبراليين وغيرهم ـ أن يعملوا جميعاً وبوعي منهم لمواجهة وتحدي أصحاب التوجهات المرتبطة بالخارج وفضح أساليبهم.
بهذه المبادئ نستطيع بحول الله الاستفادة من حركة الجماهير السلمية وتخطي مرحلة العيش في كنف الأنظمة الدكتاتورية إلى مرحلة الديموقراطية، ونكون قد نأينا بأنفسنا من الوقوع فيما هو أسوأ.