ما حرمة الشيخ إلاحرمة الله، فقم بها أدباً لله بالله. ابن عربي.
لا طريقة بدون شيخ:
الشيخ عند المتصوفة هو إله، يعطونه كل صفات الألوهية، وهو الأساس في كل طريقة. وما تفرقت الطرق إلا اتباعاً لشيخ، وتسمى كلها باسم مشايخها ومؤسسيها، ومع الزمن تتفرع الطريقة الواحدة إلى طرق كثيرة تحمل أسماء مشايخها الجدد. ولنزك أئمتهم يتكلمون…
يقول أبو حامد الغزالي:
…فكذلك المريد يحتاج إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة، ليهديه إلى سواء السبيل، فإن سبيل الدين غامض، وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة، فمن لم يكن له شيخ يهديه قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة… فمعتَصَمُ المريد، بعد تقديم الشروط المذكورة شيخه، فليتمسك به تمسك الأعمى على شاطئ النهر بالقائد، بحيث يفوّض أمره إليه بالكلية، ولا يخالفه في ورده ولا صدره، ولا يُبقي في متابعته شيئاً ولا يذر، وليعلم أن نفعه في خطأ شيخه – لو أخطأ – أكثرمن نفعه في صواب نفسه لو أصاب، فإذا وجد مثل هذا المعتَصَم، وجب على معتَصَمِه (أي: شيخه) أن يحميه ويعصمه بحصن حصين([1]).
ويقول القشيري:
…ثم يجب على المريد أن يتأدب بشيخ، فإن لم يكن له أستاذ لا يفلح أبداً. هذا أبو يزيد يقول: من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان. وسمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: الشجرة إذا نبتت بنفسها من غير غارس، فإنها تورق لكن لا تثمر، كذلك المريد إذا لم يكن له أستاذ يأخذ منه طريقته نفساً فنفساً فهو عابد هواه، ولا يجد نفاذاً([2]).
ويقول محيي الدين بن عربي في أول الباب الواحد والثمانين والمائة من الفتوحات المكية:
ما حُرمة الشيخ إلا حرمة الله فقم بها أدباً لله بالله
هم الأدلاَّء والقربى تؤيدهم على الدلالة تأييداً على الله
كالأنبياء تراهم في محاربهم لا يسألون من الله سوى الله
فإن بدا منهم حال تولههم عن الشريعة فاتركهم مع الله([3])
– لا أظن أن القارئ الذي بدأ الكتاب من أوله بحاجة إلى شرح لهذه الأبيات الضلالية، وتبيان ما فيها مما ينقض الشريعة الإسلامية جملةً وتفصيلاً.
وكان عبد القادر الجيلاني يقول:
من لم يعتقد في شيخه الكمال لا يفلح أبداً([4]).
ويقول عبد الوهاب الشعراني (القطب الرباني والغوث الصمداني):
…فإن لم يتيسر للمريد صلاة الجمعة عند أستاذه، فليتخيله عنده في أي مسجد صلى فيه([5])…
ويقول علي وفا:
المريد الصادق مع شيخه كالميت مع مغسله، لا كلام ولا حركة، ولا يقدر ينطق بين يديه من هيبته، ولا يدخل ولا يخرج، ولا يخالط أحداً، ولا يشتغل بعلم ولا قرآن ولا ذكر إلا بإذنه([6])…
ويقول عدي بن مسافر:
لا تنتفع بشيخك إلا إذا كان اعتقادك فيه فوق كل الاعتقاد([7]).
– أرجو أن يفتش القارئ الكريم عن حدود قوله: (فوق كل الاعتقاد).
وللعلم: عدي بن مسافر هذا هو تلميذ عبد القادر الجيلاني، وهو شيخ الطريقة العدوية المعروفة الآن باليزيدية (عباد الشيطان)، طبعاً، بعد أن خضعت لشيء من التطور.
ويقول يوسف العجمي:
مِنْ أدب المريد أن يقف عند كلام شيخه ولا يتأوله، وليفعل ما أمره به شيخه وإن ظهر أن شيخه أخطأ([8])…
ويقول علي اليشرطي:
إياكم أن تؤولوا كلامي، فإن كلامي صريح لا يؤول، فاسمعوا ما أقول لكم([9]).
– كلام الله وحديث رسوله يؤولان ليتفقا مع كشفهم!- كما يقول حجة الإسلام وكما يفعلون كلهم مما مر معنا ومما لم يمر- أما قول الشيوخ المتصوفة فلا يجوز تأويله؟!!
فيا ناس، ويا خلق، ويا عباد الله، ويا أسوياء، ويا مجانين، ويا من عنده ذرة من عقل أو ذرة من ضمير أو ذرة من حياء، أفتونا في هذا البلاء؟ أين المخرج؟ وكيف السبيل؟
ولئن عرضت عليهم هذه الأقوال، فستجد الجواب المعهود: هذا مدسوس، أو: هؤلاء منحرفون، ليس كل الصوفية هكذا …إلخ.
ويقول علي المرصفي (الذي قرأ في يوم وليلة ثلاثمائة وستين ألف ختمة!!):
…وإن قال (قائلٌ) للمريد: إن كلام شيخه معارض لكلام العلماء أو دليلهم، فعليه الرجوع إلى كلام شيخه …وإذا خرج المريد عن حكم شيخه وقدح فيه، فلا يجوز لأحد تصديقه، إنه في حال تهمة، لارتداده عن طريق شيخه([10])…
– إذن فالدليل لا قيمة له!! وما هو الدليل؟ إنه القرآن والسنة بلا ريب، ومع ذلك فعلى المريد الرجوع إلى كلام الشيخ؟! ولتُنْسخ الآية الكريمة.
وهذا يفسر لنا الحالة التي وصل إليها المسلمون من الجهل والانحطاط والذل.
وعودة إلى يوسف العجمي، الذي يقول:
…ومن شأنه (أي: المريد) إذا ذكر الله تعالى، أو فَعَل عبادة من العبادات، أن يستحضر نظر شيخه إليه، ليتأدب ويضم شتات قلبه([11])…
ويقول أحمد الرفاعي (الذي تسري كراماته في أتباعه من بعده!!):
…مَن لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان …وينبغي للمريد أن يعرف لشيخه الحق بعد وفاته كما كان يعرف له الحق في حالة حياته… وقال: من يذكر الله تعالى بلا شيخ، لا الله له حصل! ولا نبيه! ولا شيخه([12])!
– يا مسلمون! بل يا مؤمنون! (لأن ليس كل مسلم مؤمناً)، إن لم يكن هذا هو الشرك فما هو الشرك؟! أفيدونا يرحمكم الله.
ويقول العارف بالله سراج الدين الرفاعي الصيادي، ويشاركه أبو الهدى الصيادي:
…ومِن آداب المريد اللازمة: أولاً: حفظ قلب شيخه، ومراعاته في الغيبة والحضور… والتواضع له ولذريته وأقاربه، وثبوت القدم على خدمته، وأوامره كلِّيَّها وجزئيِّها، وربط القلب به، واستحضار شخصه في قلبه في جميع المهمات، واستمداد همته، والفناء فيه، وأن يكون ملازماً له لا يفتر عنه طرفة عين، ولا يُنْكِر عليه ما ظهر منه من صفة عيب، فلربما يَظْهر من الشيخ ما لا يَعْلمه المريد…كما وقع لبعضهم أنه دخل على شيخه فرأى عنده امرأة جميلة يلاعبها ويعانقها ويجامعها؟! فخرج منكراً على شيخه، فأُخذ منه حالاً جميعُ ما استفاده من شيخه، ومع ذلك إن المرأة امرأة الشيخ وزوجته([13]).
– يا للأولياء النجباء الأتقياء الأنقياء…دستور من خاطرهم دستور! يلاعب زوجته ويجامعها أمام مريده!!
لكن ماذا عليه؟ فالمقربون لا يُسألون عما يفعلون؟ هكذا قرروا ويقررون! ولا تعترض فتنطرد، وسلِّم تَسْلَم. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
([1]) إحياء علوم الدين: (3/65).
([2]) الرسالة القشيرية، (ص:181).
([3]) الفتوحات المكية، (الباب: 181) في أوله.
([4]) الأنوار القدسية: (1/174).
([5]) الأنوار القدسية (1/188).
([6]) الأنوار القدسية: (1/189).
([7]) الحقيقة التاريخية، (ص:343).
([8]) الأنوار القدسية: (2/36).
([9]) نفحات الحق، فصل (إرشاد وهداية).
([10]) طبقات الشعراني: (2/128).
([11]) الأنوار القدسية (2/98).
([12]) قلادة الجواهر، (ص:177).
([13]) قلادة الجواهر، (ص:278).