رأي و تحليل لأخطاء نظام مبارك القاتلة

يا سيادة الرئيس (آلآن) وقد عصيت قبل!!

نعم يا سيادة الرئيس مبارك، لقد سبق السيف العذل، فبعد أربعة أيام متواصلة من الاحتجاجات في الشارع المصري خرجت بعد منتصف ليلة التاسع والعشرين من يناير 2011، وأعلنت للشعب عبر التلفزيون أنك طلبت من الحكومة تقديم استقالتها، وأنك ستقوم بتكليف حكومة جديدة للتعامل مع أولويات المرحلة القادمة. فهل ستشمل تلك الأولويات النواحي السياسية والاجتماعة والاقتصادية في البلاد، تلك التي كنت عاصيا بها؟

إن إدارة النظام المصري الحاكم للأزمات التي عصفت بمصر الشقيقة لم توفق في امتصاص الأزمات ولا في حلها بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن كان المطلوب من الدعاة التعامل مع الفراعنة بالقول اللّين، فالأجدر بالحكومات السنية أن تكون كذلك مع شعوبها السنية. فهنالك العديد من الملفات الشائكة السابقة والأخطاء المتراكمة التي لم تنجح السياسة المصرية في تجاوزها كمشكلة المعابر، والأنفاق والسور الفولاذي وغيرها حتى جاءت القشة قاصمة الظهر بإقصاء جميع مرشحي الإخوان المسلمين من المجلس التشريعي الحالي، مما أدى الى الانفجار بعد تراكمات من الاحتقانات.

أليس من العيب السياسي أن تقترف بعض الحكومات وبعض الأنظمة ما يقوي شوكة المعارضة والمتربصين بالبلاد والعباد؟ لماذا يحصل هذا وفي تلك الأنظمة من الخبرات وقوى الأمن والمخابرات والإمكانات ما يغني عن مثل هذه السقطات؟ أهو لضعف فيها أم لسبب المندسين  والمنافقين؟

على كل حال إن ما قدمه السيد الرئيس مبارك للمعارضة في هذا الوقت المتأخر من تنازلات، ما كان ليكون في هذا الوقت القاتل الذي أعطى به قوة لذلك المشروع الخطير والمشبوه و (البدعة) القائمة على حرق الذات لنيل الحقوق المشروعة والإصلاحات. فالوصول إلى الحلال لا يكون لدى العقلاء إلا بالحلال، ويكفي حارق نفسه شؤما أنه يأتي يبعث يوم القيامة وهو يحرق نفسه.

لذا يجب أن لا يكون التركيز الآن على رحيل النظام السابق برموزه كلها أو بعضها بقدر التركيز على البرنامج السياسي والاجتماعي والسياسي المطلوب في المرحلة القادمة، فما يهم المواطن الآن هو تحقيق الضروات الخمس للحياة الانسانية، وحرية التعبير عن الرأي، وهذه الأمور لا تكون في ظل غياب المشروع الإسلامي الكبير إلا بالقبول بتطبيق الديموقراطية لا الديكتاتورية القائمة على إلغاء الألوان الأخرى، وأن تكون المعارضة على استعداد للتحرك بوعي لتحقيق تلك الضرورات، وأن لا تكون معارضة لأجل المعارضة والتخريب فقط. ولا هي نوع جديد من الديكتاتورية المقنعة (الممرحلة)، تدغدع العواطف لتقصف شعبها بعد حين بالعواصف والقواصف كما حصل في ثورة 23 يوليو المصرية، والثورة الخمينية في إيران، وغيرهما.

فعلينا أن لا نلدغ من جحر واحد مرتين، وإلا فلن نجني من حركات التحرر من ربقة الجاهلية والظلم إلا مزيدا من الخوف والجوع  والبؤس ونقص من الأموال والأنفس والثمرات. وحينها لن ينفعنا الندم ولا الترحم على الأنظمة البائدة السابقة التي وأدناها بأيدينا. فلا زلت أتذكر عبارات بعض المعارضين لحكم الملك فاروق، بعد أن ذاقوا أنواع العذاب من زعماء ثورة يوليو عام 1952، يقول الكتور جابر الحاج في كتابه (فشل حركة يوليو بعدائها للتيار الإسلامي، ص3- 24) : ” تمنينا الثورة وانتظرناها، وكم سهرنا الليالي ندعوا ربنا ونناجي خالقنا، ونسأله إنقاذ مصر من طغيان فاروق”. ويقول: “وكنا نتصور أن أي انقلاب سيأتي برجال أفضل من الذين أبغضناهم”. وبعد أن ذكر بعضا من الجرائم الاشتراكية الناصرية قال: ” ألا يجوز لنا أن نترحم على فاروق، ونبكي على غيره ممن لعنا عهدهم، فبعض البلاء أهون من بعض!! “. نعم لقد صدق، فبعض البلاء أهون من بعض، والفتنة لا تُزال بفتنة أخرى ولو كانت بصورة مزينة ملفوفة بورق ملمع جذاب.

قال تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). وعلى رأس العمل الصالح الصدق والامانة.

29/1/2011

Scroll to Top