لماذا في هذا الوقت بالذات جاءت حضرة قناة الجزيرة لفتح هذا الموضوع؟ لماذا بعدما استعد الاتحاد الأوروبي للاعتراف بالدولة الفلسطينينة؟! وبعد رفع علم فلسطيني على المفوضية الفلسطينية في أمريكا! إنها فعلا مؤآمرة لاغتيال ليس فقط السلطة الفلسطينية بل كل الدولة الفلسطينية، فإذا لم يكن فكر قناة الجزيرة له أي دور في قيام الدولة الفلسطينية فهل يسمح لها موتها من الغيرة أن تتصرف لمصلحة إسرائيل؟
لا يوجد مستفيد من وراء هذه العملية أكثر من دعاة التمسك بخيار المقاومة المسلحة المتعاملين من تحت الطاولة مع إسرائيل، وإن أكثر ما تستفيده إسرائيل من هذه العملية هو زيادة الضغط على السلطة الفلسطينية الجاثمة على قلوب قادة إسرائيل، فقد سربت وثائق وكيليكس أن إسرائيل تعتبر مرحلة محمود عباس أصعب مرحلة عليها حيث أن استمرار هجوم العرب بالعملية السلمية، واضطرار إسرائيل إلى إعلان رفضها، ادى إلى إحراج إسرائيل كثيرا أمام المجتمع الدولي، مما أعطى دفعة قوية باتجاه الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية والتي سوف توميء أن إسرائيل تحتل أراضي في دولة عضو في الأمم المتحدة.
لنقرأ هذا التسريب بتمعن:
“ويكيليكس” عن نتنياهو: عباس هو “أخطر زعيم عربي واجهته اسرائيل عبر تاريخها”
الأحد يناير-9-2011
القدس – كشفت إحدى وثائق موقع “ويكليكس” نشرت أمس السبت، عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال خلال اجتماع خاص جمعه مع بعض القيادات اليهودية في الولايات المتحدة إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس هو “أخطر زعيم عربي وفلسطيني واجهته إسرائيل عبر تاريخها الطويل”.
وأضاف خلال الاجتماع أن عباس “يدمر صورة إسرائيل في محافل عدة، فيما يبني دولته فلسطين على الجبهة الداخلية عبر رئيس وزرائه سلام فياض”، بحسب ما ذكرته وكالة (وفا) الفلسطينية. وأوضحت أن نتنياهو قال في الوثيقة “لقد حاولنا استخدام حماس ضده (عباس) ولم ننجح، وحاولنا استخدام بعض رجال فتح ضده ولم ننجح، بل إنه كسب مزيداً من الشعبية، لذلك يجب أن نتخلص من هذا الرجل، ونريد مساعدتكم لإضعافه داخل الدوائر السياسية الأميركية المهمة”… انتهى.
لنلاحظ أن مثل هذا النوع من التسريبات يتم التعتيم عليها فورا، ولا تنتشر كثيرا في وسائل الإعلام، لكن الحقيقة تظل حقيقة، وحتى وإن دفنت دهورا في باطن الأرض، والأكذوبة أكذوبة وإن ملأت الآفاق.
وأمام هذه الضغوط الهائلة على إسرائيل لم يكن بيدها أي خيار، خصوصا وأن خياراتها التقليدية في مثل هذه الأوضاع قد أصبحت مستهلكة، مثل شنّ حرب على لبنان أو غزة بحجة قيام حزب الله أو أحد الفصائل الفلسطينية بإلقاء صواريخ عليها، لقد أصبح الآن معروفا للجميع أنها صواريخ كرتونية تبرر بها إسرائيل إرهابها وحروبها، كما لم يعد مقبولا مثل هذه الحروب بعد ظهور رفض إسرائيل لعملية السلام، والحل لديهم دائما هو ابتكار وسائل جديدة وخلاقة للهروب من هذه الأزمة.
ولأن هذا التوقيت من المتوقع فيه أن تقوم إسرائيل أو أحد وكلائها بمفاجأة كبيرة تزيح الضغط عن إسرائيل، فليس من المستبعد أن تكون زوبعة وثائق الحزيرة المبالغ فيها تصب في هذا الاتجاه، وخصوصا أن مواقف قناة الجزيرة معروفة مسبقا بالميل إلى معاداة خيار السلام الاستراتيجي، ومهما تكن النوايا فهي موكولة إلى الله، إلا أنه يمكننا الجزم بأن هذه الوثائق المزورة التي نشرتها الجزيرة تصب بالدرجة الأولى في مصلحة إسرائيل مباشرة، لأنها تحرج وتهاجم السلطة الفلسطينية التي استطاعت الحصول على اعتراف من دول كثيرة حول العالم بالدولة الفلسطينية التي أصبحت كابوسا يهدد وجود إسرائيل على المدى البعيد.
وأما من ناحية التنازلات التي تكلمت عنها الوثائق التي هي حسب ما قال المسؤولون الفلسطينيون وثائق او مطالب اسرائيلية وليست فلسطينية. ثم هب ان في بعض الوثائق التي نشرتها الجزيزة بعض الصدق او بعض الحقيقة، فإن على المفاوض الفلسطيني في مرحلة الاضطرار أن يكون مرنا فيما تجوز المرونة فيه، وأن لا يتصلب فيما لا يجوز التصلب فيه، وهذا الامر يكون من خلال تفعيل القواعد الاصولية، كقاعدة (الضرر يُزال)، التي يتفرع عنها عدد من القواعد الفرعية، كقاعدة: (دفع المفاسد أولى من جلب المصالح)، وقاعدة: (تدفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى)، وقاعدة: (تدفع المفسدة العامة بالمفسدة الخاصة). لان العملية السلمية في هذه المرحلة التي تعيشها الامة من الانقسام والتشرذم والضعف الايماني والمادي، تعتبر من المسائل الدقيقة في الفقه الاسلامي، فلا ينبرى لها الا الناضجين سياسيا المعتبِرين لفقه الموازنات في الشريعة الاسلامية.
أما الحديث عن الثوابت، فإننا نرى أن اللذين رفعوا هذا الشعار، سرعان ما تخلوا عنه في مرحلة لاحقة، سواء بقبولهم بدولة فلسطينية على حدود عام 1967، او قبولهم بالمشاركة البرلمانية في السلطة الفلسطينية التي كانوا يعتبرونها من المحرمات. أو تخليهم عن اطلاق الصواريخ على العدو، بل دعوة غيرهم بالتزام الهدوء وعدم الاطلاق، بحجة التمسك بالمصلحة الوطنية العليا، وعدم إعطاء العدو المبرر للهجوم على الفلسطينيين، ويكأنه يحق لهم هم لوحدهم تقدير المصالح والمفاسد، وأن هذا الأمر محرّم على غيرهم، وإذا قام به الآخرون فهو حسب نظرهم القاصر يُعد من باب الخيانة والعمالة للعدو – زعموا-. لذا فالتمسك بالثوابت على طريقتهم ما هو الا اسلوب فني منهم لرفض الممكن في الوقت المناسب، وتأخير الحصول على ما هو اقل من الممكن في الوقت الضائع، فالأصول والثوابت جميعا تخضع لفقه الموزنات في الشريعة الاسلامية. لذا فإننا لا ننسى فتوى فضيلة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى في الحوار الذي أجراه رئيس تحرير جريدة (المسلمون) مع سماحته حول الصلح مع اليهود في العدد 516 بتاريخ 21/7/1415هـ ، بجواز عقد العرب الهدنة مع العدو مطلقة أو مقيدة في الصراع العربي الاسرائيلي. ولا ننسى كذلك ما جاء على لسانه رحمه الله من نصيحته للفلسطينيين جميعا بان يتفقوا على الصلح وأن يتعاونوا على البر والتقوى حقنا للدماء. وجمعاً للكلمة على الحق ، وإرغاماً للأعداء الذين يدعون إلى الفرقة والاختلاف.