نكمل موضوعنا السابق ما هي الحقيقة المحمدية عند الصوفية ؟ 1/2، ومما يقوله الوارث المحمدي الجامع الغوث محمد مهدي الصيادي الرواس:
وبويعت في الحضرة، على الإيمان بحياة النبي صلى الله عليه وسلم، بل وبحياة جميع النبيين والمرسلين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ذاق طعم الموت بالانتقال من هذه الدار إلى دار الآخرة، ورد الله عليه روحه، فهو في حضرة القرب عند مليكٍ مقتدر، يفعل بإذن الله في فلك الله ما يريد، وله التصرف المحض بأمر الله تعالى في ملك الله وملكوته، وهو شرارة الأزل والأبد…وعليه تعرض الأعمال وإليه تنتهي الأحوال([1])…
– الجواب: هو أولاً سؤال: هل الرؤى الشيطانية التي يشاهدها المتصوفة في حالة غيبوبة هلوسية([2]) تنسخ آيات الله وقرآنه؟!
– والجواب ثانياً هو من كتاب الله: ((مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)) [الكهف:26]، ((لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ)) [آل عمران:128]، ((قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا)) [الجن:21].
– والجواب ثالثاً: هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم..}.
– والجواب رابعاً: إن ما يذكره الرواس من رؤياه الهذيانية منقول بدون تغيير من عقيدة النصارى بالمسيح عيسى صلوات الله عليه، وكل ما فعله الرواس هو تبديل الاسم بالاسم، ولنتذكر توجيهه للآية الذي مر معنا: ((أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ)) [يونس:53]، وكيف جعلها تعني: الله هو (أي: محمد) قل إي وربي إنه الله!
ولعلهم لم يكتفوا بالحقيقة المحمدية، فأضافت بعض الطرق إليها الحقيقة العلوية، فمن أقوال جلال الدين الرومي (الطريقة المولوية):
منذ كانت صورة تركيب العالم: كان علي.
منذ نقشت الأرض وكان الزمان: كان علي.
ذلك الفاتح الذي انتزع باب خيبر بحملة واحدة: كان علي.
كلما تأملت في الآفاق ونظرت فيها أيقنت بأنه في الموجودات: كان علي.
إن سر العالمين الظاهر والباطن الذي بدا في شمس تبريز: كان علي([3]).
ومن جهة أخرى، أحرزت البكتاشية أيضاً قصبة السبق بإعلان التثليث، فصارت الأقانيم عندهم ثلاثة: صورة الله، محمد، علي.
والبكتاشيون يعترفون بخطاياهم أمام مشايخهم فيغفرونها لهم، ويحللون الخمر، ويعتقدون تناسخ الأرواح([4]).
ويقول آية الله الخميني:
…وبالمشيئة ظهر الوجود، وهي اسم الله الأعظم…وهي الحبل المتين بين سماء الإلهية والأراضي الخلقية، والعروة الوثقى المتدلية من سماء الواحدية، والمتحقق بمقامها الذي أفقه أفقها هو السبب المتصل بين السماء، وبه فتح الله وبه يختم، وهو الحقيقة المحمدية والعلوية صلوات الله عليه، وخليفة الله على أعيان المهيات، ومقام الواحدية المطلقة والإضافة الإشراقية([5])…
نختم هذه النبذ بالنصوص التالية:
ويقول مصطفى بن محيي الدين نجا([6])، في شرحه (على الممزوجة بصلاة ابن بشيش):
…والحاصل أن الله تبارك وتعالى جعل الحقيقة المحمدية واسطة الإيجاد لمخلوقاته تفضلاً منه وإحساناً، فالأرواح التي لا تشاهد ذلك ولا تدرك أنه صلى الله عليه وسلم روحها وعين حياتها كأنها أموات([7])… (الله منه بدئ الأمر) أي الشأن الكلي الجامع لكل الشئون، وهو النور المحمدي الشريف، وهو أول صادر عنه سبحانه…ويسمى بالقلم الأعلى، وبالدوة البيضاء، وبالعقل الأول، وبروح الأرواح، وبالأب الأكبر، وبإنسان عين الوجود، وبالإنسان الكامل، وغير ذلك من الأسماء المشهورة عند العارفين([8]).
– الرجاء أن يلاحظ القارئ في هذه النصوص: الكذب على الله ورسوله، والشرك الأعظم، واليونانيات (العقل الأول).
والذي يريد استقصاء أقوالهم في الحقيقة المحمدية يستطيع أن يملأ منها مجلدات.
إذن، فالمتصوفة كلهم، من دون استثناء، يؤمنون بالحقيقة المحمدية، وقد وهم الذي خصوا بذلك جماعة منهم دون آخرين. لأن الصوفية مذهب واحد.
* وملخص أقوالهم هو: إن الله (سبحانه وتعالى عما يصفون) عندما أراد أن يجعل قسماً من ذاته متعيناً بشكل مخلوقات، كان أول شيء فعله هو أنه قبض قبضة من نور وجهه وقال لها: كوني محمداً، فكان محمد هو أول التعينات. وهذه القبضة من النور هي التي يطلقون عليها اسم (الذات المحمدية). ومن هذه الذات المحمدية انبثقت السماوات والأرض، والدنيا والآخرة، التي يسمونها فيما يسمونها (تعينات) فهي كلها تصدر عن الذات المحمدية ثم تعود إليها. وهذا هو ما يسمونه (الحقيقة المحمدية).
وأكرر، إنهم كلهم يؤمنون بالحقيقة المحمدية، وإن أنكر أحدهم ذلك فهو مخادع يستعمل التقية.
ولننتبه إلى الشبه التام بينهم وبين الهنادكة الذين يقولون: إن الخلائق صدروا من وجه براهمان، ومن يديه ومن فخذيه، ثم من قدميه (حسب الطبقات الهندوكية).
وأعيد فأكرر، إنهم كلهم يؤمنون بالحقيقة المحمدية، كلهم بدون استثناء، وما مضى براهين.
وبعض الباحثين الذين خصوا بذلك جماعة منهم دون آخرين كانوا واهمين.
وكثيراً ما يعبرون عنها بعبارة (أسبقية النور المحمدي).
والمولد المكذوب على ابن الجوزي والذي كانت قدسيته متزامنة مع دلائل الخيرات، إن لم تتقدمها في كثير من الأحيان، والذي كان يؤمن بما فيه كل المسلمين، إلا من رحم ربك، هذا المولد المكذوب فيه تفصيل للحقيقة المحمدية يستطيع الرجوع إليه كل من يريد ذلك، فهو متداول وصغير الحجم ومحشو بالشرك بالله والكذب على رسوله، وكذلك مولد البرزنجي.
([1]) فصل الخطاب، (ص:142).
([2]) أطلق أحد الأدباء الشباب على الجذبة الصوفية اسم (التحشيش الروحاني)، وهي تسمية صحيحة.
([3]) الصلة بين التصوف والتشيع، (ص:79).
([4]) الفكر الشيعي والنزعة الصوفية، (فصل البكتاشية).
([5]) شرح دعاء السحر، (ص:110).
([6]) من تلاميذ علي اليشرطي.
([7]) كشف الأسرار، (ص:126).
([8]) كشف الأسرار، (ص:139).