في هذا الموضوع سوف نتحدث بالتفصيل عن أهم الأمور للحصول على تحليل الأحداث السياسية والدولية الكبيرة التي تطل علينا كل فترة في الفضائيات الإخبارية، وعادة يتم من أجلها استضافة كافة أنواع المحللين السياسيين والاستراتيجيين، لكن كثيرا من هذه التحليلات تأتي متناقضة أو متأثرة بتوجهات ومصالح الدول أو الأحزاب السياسية. لكن في هذا الموضوع سوف نمضي معا خطوة بخطوة للحصول على تحليل سياسي حيادي يكون أقرب للحقيقة والواقع إن شاء الله، كما سوف تساعدنا هذه الخطوات في تمييز التحليلات السياسية الخاطئة والمُسيّسة من التحليلات العلمية الحيادية، ومن إحدى الأمثلة التقريبية على هذا، في حرفة النجارة ـ مثلا ـ إذا وجدت أن ثمّة اختلافات وتناقضات كبيرة بين آراء النجارين في صنع قطعة خشبية معينة، فيمكنك أن تتعرف من المصادر على كيفية صناعتها حسب الأصول، وعندها يمكنك إما أن تصنعها بنفسك إذا كانت سهلة، أو تطلب من أحدهم أن يصنعها لك، لكن ستكون في هذه الحالة على دراية كاملة بمن يعطيك عملا صحيحا ممن يغشّك، لنبدأ.
عندما تحدث حادثة دولية أو عربية كبيرة مثل حرب حزب الله وإسرائيل أو حرب غزة أو حادثة أسطول الحرية أو حتى المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المباشرة، يمكننا الإستعانية بهذه القواعد للحصول على التحليل السياسي الحيادي أو التمييز بين التحليلات التي تعرض في الشاشات والصحف:
1. اعتمد على أكثر من مصدر للخبر الواحد: لا تقتصر على مشاهدة أو سماع أحداث الخبر على قناة فضائية معينة أو إذاعة أو صحيفة أو موقع إلكتروني أو شخص ما تعتقد أنه ثقة مهما كان ذلك المصدر مشهورا كالجزيرة مثلا، أيضا لا تكترث نهائيا بما يقال أو يروج له حول عدم الثقة بأحد المصادر كالفضائية العربية مثلا، فقد يكون هذا الكلام مجرد تشهير من المنافسين، أو حتى ربما من بعض الجهات أو الدول أو الأحزاب التي تتعارض مصالحها معها. وهكذا سوف تتحصل على تغطية للحدث أو الخبر من عدة زوايا، ويصبح لديك من التفاصيل أكثر مما يقدمه كل مصدر لوحده.
2. إفصل بين الخبر ورأي المحلل أو الكاتب: سوف تجد أن مصادر الأخبار تورد الخبر أو الحدث مُغلفا وموجهاً برأي الكاتب أو المحلل السياسي وفي عدة صيغ أو قوالب بعضها سلبي وبعضها إيجابي وذلك باختلاف نظرة المحلل، كما أن المصدر كثيراً ما يميل لأحدى الجهات ذات العلاقة بالحدث وتجده يتعاطف معها مرجحا التحليل السياسي الذي يخدمها، وهذا ما تفعله غالب القنواة الإخبارية التي تعرض آراء متعددة، فضلا عن الصحف الحزبية والكتاب المسيّسين أو المؤدلجين، وحتى كثير من مراكز الدراسات تكون ذات توجه سياسي معين وترى الأحداث من منظورها الخاص. فالمطلوب من القاريء في مثل هذه الحالات أن ينتبه جيدا لنفسه من أن تتسلل الى عقله آراء المحلل نفسه بحيث تطغى على واقع الحدث وبُعده الحقيقي، وهذا الحذر أدعى لقراءة الحدث وتحليله على طبيعته، وبالتالي الوصول الى المعرفة الحقيقة لواقع الحدث بأسره. ثم لا تكترث كثيرا باختلاف الآراء لأن الحقيقة واحدة بالنسبة لأغلب الأحداث، والخلافات غالبا ما تكون بسبب الجهل أو التسييس أو قصد الإخفاء والتعتيم، وفي حالات قليلة يكون الخلاف حقيقي ومعتبر، وفي هذه الحالة لن تكون هناك مشكلة لأنها قضايا فرعية.
3- معايير التحسين والتقبيح في تحليل الحدث: لكي يتيسر لك الوصول إلى معرفة واقعية حقيقية لحسن أو قبح الحدث بشكل قطعي لا يكتنفه غموض ولا تشوبه شائبة، فإن عليك أن تعرض أثر الحدث أو تلك الدعوة على الأصول الخمسة للحياة الإنسانية وهي: الدين والنفس والنسل والعقل والمال، فإن وجدت أن هذا الحدث أو تلك الدعوة كان حافظاً صائناً لهذه الأصول، فيمكنك أن تحكم على الحدث بالحسن والإيجاب، أما إذا وجدته مضيعاً ومهدراً لأصل أو أكثر من تلك الأصول فإنه يجب عليك أن تحكم عليه بالقبح والسلبية. وهذه المعايير لا يختلف عليها اثنان، فكل الناس تحتاجها وتحتاج إلى الدين، ولكن مع اختلاف وتنوعٍ بينهم، أما الشيوعية والإلحاد فهي شأن آخر ولها بحثها الخاص، فواضعوها هم من اليهود وهم يريدونها فقط لغيرهم لا لهم، فماركس مثلا كان متدينا، وكان يعلم أن المادية هي كذبة كبرى يقدمها كخطوة ومرحلة أولى لاستعباد الإنسان. ولينين كان يهودياً ولا يعمل يوم السبت.
4. ميّز بين العقل و العاطفة في تفسير الحدث: بعد أن تقوم المصادر بإيراد الخبر تقوم باستضافة المحللين أو تجلبهم لبرامج حوارية، فمن المهم جدا في هذه الأثناء التمييز بين التحليل المبني على التفكير الهاديء والذي يخاطب العقل وينطلق من قراءة الأصول والعقائد ويدعو للتفكير، وبين التحليل العاطفي الذي يستثير العواطف والانفعالات بسرعة كبيرة قبل أن تتمكن عقول أغلبنا من تمييز ذلك، وعادة لا يكترث بقراءة الأصول والعقائد ذات العلاقة بالحدث وبأصحابه. وفي هذه الحالة سيكون من السهل جدا على هذا المحلل أن يجير عواطف الجمهور بسهولة بالغة في الاتجاه الذي يريده هو، ويجعل منهم رعاعاً أو غثاءً، ولا شك أن مثل هذا ليس له موقع من الإعراب في طريق محاولة الوصول للحقيقة، ومن أشهر الأمثلة على ذلك، عندما ارتكبت إسرائيل المجرمة مجزرة أسطول الحرية، قام بعض المحللين باستغلال عواطف الجماهير الجياشة الكارهة جدا لإسرائيل، محاولاً تجييرها باتجاه الكراهية للحكومات العربية. ومهما يكن من أمر فإن هذا التجيير يؤول في اللاشعور أو في العقل الباطن لدى المشاهد إلى تخفيف مشاعره العدائية والكارهة لإسرائيل التي هي المجرم والمرتكب لهذه المجزرة المروعة.
5. الإعتماد أولا على دراسة العقيدة والأيديولوجيا في الحكم على الأفراد والأنظمة والجماعات: يخطئ من يظن أن المصالح أو أي عوامل أخرى قد أصبحت أكثر أهمية من العقيدة والأيديولوجيا في تحليل وتوقع أفعال الأفراد أو الهيئات والجماعات، كما يخطئ كثيرا من يعتمد على المظاهر الخارجية أو الأقوال أو حتى الأفعال، وذلك لامكانية المخادعة فيها بقصد التضليل، أما العقيدة أو الأيديولوجيا فهي المعبر الحقيقي عن الدوافع والأهداف، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه يجب توخي الدقة والحذر ودراسة العقائد أو المبادىء من مصادرها الأصلية وليس من الشعارات التي يطرحا أصحابها فقط، لأن الكذب و التقية هي أصل من أصول الأفكار والحركات الهدامة، ومن أبرزها اليهودية والصهيونية والرافضة والحركات اليسارية الثورية بمختلف مسمياتها، وبعض الحركات العلمانية والليبرالية التي تضمر الأيديولوجيا الشيوعية.
ومن هذا نستفيد قاعدة ذهبية أن كل من انتسب الى عقيدة أو دين أو فكر يجيز لأتباعه الكذب لجلب المصالح ودرء المفاسد سواء في حالة الاختيار أو الاضطرار، أي بمعنى آخر تبني مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) كمن ذكرنا من الأيديولوجيات السابقة، فإن روايته مردودة ابتداءً حتى يثبت لنا صدقه من طرق أو قرائن أخرى، وهذا النوع من الكذب يسمى “كذباً مؤسسياً”. وإن كل من انتسب الى عقيدة أو دين أو فكر يُحًرّم على أتباعه الكذب كالإسلام فإن روايته مقبولة ابتداء حتى يثبت لنا كذبه من طرق أو قرائن أخرى لإمكانية وقوعه فيه لغرض من الأغراض، وهذا الكذب يسمى “كذبا شخصياً”.
6- فرّق بين الشعارات الزائفة و الواقع المعاش: عليك أن لا تلتفت ابتداء في التحليل إلى نوعية الشعار (إسلامي، ديموقراطي، اشتراكي) أو غيره لكي تصل إلى الحقيقة، وما عليك في هذا الحال إلا أن تتجرد من الإسقاطات السابقة للشعار المرفوع حتى لو كان إسلاميا، وتعرض النتيجة التي على أرض الواقع للحدث أو الشعار على الأصول الخمسة للحياة الانسانية، الدين والنفس والنسل والعقل والمال، فإنها هي الكاشف الحقيقي لصحة الشعار من دجله. فحين ترفع راية ليبرالية أو اشتراكية ـ وهي في أصولها وتعاليمها معادية للدين ـ شعاراً مقبولا لدى المسلمين مثلا، فيجب أن لا يعطيها ذلك منا التأييد والنصرة أو التعاطف، خاصة وأن الكذب أصل من أصول دعوتها. وحين يرفع شعارُ مّا راية أو يافطة إسلامية، كالرافضة في إيران، فعلينا أن نحمل هذه الراية على ما يخدم عقيدتهم هم، لا على عقيدتنا، ومن عقيدتهم إبادة أهل السنة فيما يعتقدون.
7. فعّل ذاكرة الاستفادة من التجارب السابقة وتعلم منها: لا شك أن كل واحد منا قد شاهد أحد الأحداث الكبيرة واقتنع ببعض التحليلات السياسية التي تم طرحها، ثم تبين بعد وقت طويل أنها كانت مجرد أباطيل فارغة، لكننا للأسف الشديد في الغالب لا نأخذ منها عبرة ولا نصبح أكثر تدقيقا ووعيا في الحالات المشابهة لها التي تأتي في المستقبل، رغم أننا نأخذ العبر ونستفيد منها في كافة شؤون حياتنا إلا في هذا الأمر الهام بالذات، فلماذا؟ لماذا ذاكرتنا ضعيفة في هذا الشأن تحديدا؟
8. في حالة مجيء فتنة يجب أن نعلم بها وهي قادمة وليس بعد أن تذهب: للأسف الشديد فإن كثيرا من المحللين وحتى بعض المشايخ والدعاة الذين يتصدون لتحليل الأحداث السياسية ذات الأثر المصيري على الأمة، للأسف يقعون في الفتنة أو الخدعة السياسية التي خطط لنا أعداؤنا (خاصة اليهود) للوقوع فيها، ثم بعد انتهاء الخدعة وفوات الأوان ينتبهون لها. مثل خدعة التقريب بين المذاهب التي طرحها الرافضة، وهذه من أكبر الكوارث ومن أكبر أسباب عدم اقتراب النصر منا، فالمفروض بالدعاة أن يروا الفتنة وهي مقبلة ويحذروا مسبقا من الوقوع فيها، لا أن يروها وهي مدبرة بعد فوات الأوان، وللأسف فإن البعض لا يراها ولا يقتنع بها حتى بعد فوات الأوان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. مثل أيضا خدعة الشيوعيين والاشتراكيين قديما في تبنيهم للقضية الفلسطينية لأجل تحريرها بزعمهم، ثم تبين لنا فيما بعد أنهم بهذا التبني الزائف خدموا إسرائيل لا العرب، ثم بعد كل هذا ننخدع مرة أخرى بشعارات ثورية جديدة تخلط مرحليا بين الإسلام واليسار مثل شعارات حزب الله.
9. يجب عدم إهمال الأخذ بنظرية المؤامرة وعدم المبالغة بها: كثرت في فترة ماضية الانتقادات للتحليلات المبنية على ما يسمى بنظرية المؤآمرة، حيث كثرت المبالغة بها، وهذا أدى لرد فعل معاكس يطالب بإبعادها تماما، لكن الواقع الإنساني والتاريخي شاهد على كثير من المؤآمرات والمخططات، لذا من الغباء الإهمال بأخذها، كما لا يجوز إهمال العوامل الإنسانية والبيئية الأخرى، ومن أكبر حقائق المؤآمرات التاريخية هي المؤآمرة اليهودية الكبرى للسيطرة على العالم، ومن ينكرونها يقعون حتما في نظرية مؤآمرة معاكسة، حيث يتحتم اتهام كافة شعوب العالم في كل زمان ومكان بالتآمر على اليهود والكيد بهم، أي أنه لا مفر من نظرية المؤآمرة، لكن الضابط هنا هي الأدلة والبراهين العلمية الواقعية. فمن المؤآمرة رفض نظرية المؤآمرة بالكلية، والغريب أن فريقا من الذي يروجون ببطلان نظرية المؤامرة تراهم متناقضون مع أنفسهم، فهم ينفون نظرية المؤآمرة اليهودية ويثبتونها للرأسمالية أو الصليبية، وهذا من أغرب الأحكام. ولإثبات نظرية المؤآمرة لجهة من الجهات لا بد من الرجوع لفكر أو عقيدة أو أيدولوجية تلك الجهة والتأكد من أن تعاليمها ونصوص الكتب والمراجع الكبرى لمؤسسيها تدعو أتباعها لبسط السيطرة ظلما وعدواناً على الإنسانية، كاليهودية والشيوعية اللتان تريدان إخضاع البشر لحكمهم واستعبادهم ونهب ثرواتهم واحتلال أرضهم.
10. فرّق بين النوايا الحسنة والأعمال السيئة: الإعجاب بالنية الحسنة لوحدها تصنف من مزالق المغفلين. فللوصول إلى نتيجة حقيقية واقعية في تحليل حدث ما يجب أن نفرق بين نية صاحب العمل وعمله، فإن كانت نيته حسنة وكان عمله حسناً، فقطعا يجب أن يكون التحليل للحدث إيجابياً وحسناً، ومن قال غير ذلك فقد ادّعى. وإن كانت نيّة صاحب العمل حسنة، وكان عمله سيئاً ـ بعد عرضه على معايير التحسين والتقبيح وهي الأصول الخمسة للحياة الانسانية ـ رددنا عمله وقبّحناه، واحترمنا نيّته. أما إن كانت نيّة صاحب العمل سيئةً وكان عمله سيئاً، فهذه هي أقبح الحالات على الإطلاق، أما إن كانت نيته سيئة وعمله صالحاً، فعلينا في هذه الحالة أن نكون حذرين منه، فنقبل صلاح عمله، ونَحذَر أن يجرّنا من خلاله إلى ما يريده من الإذلال والإهلاك والاستعباد مستقبلا، وهذا النوع من الناس هم أصحاب الدعوات الهدامة الباطنية كالشيوعية والليبرالية والرافضة والاشتراكية.
وفي الختام نقول إنه من دواعي سرورنا أن ننشر موضوعا آخر يوضّح تطبيق هذه القواعد بشكل عملي على أحد الأحداث الكبيرة، ونشاهد كيفية الحصول على التحليل السياسي المحايد، وذلك قريبا إن شاء الله، كما أرجو ممن لديه مزيد من النصائح لإضافتها للموضوع في التعليقات أن لا يبخل علينا، لكي تعم الفائدة على الجميع، كما نرغب بالنقاش والتفاعل في نقاط الموضوع للحصول على فائدة أكبر.
زاهر طلب
عدنان الصوص