الفساد والبيروقراطية والظلم ونقص الخدمات والرشوة و..ألخ مما نسمع به في الشارع وفي الصحف والفضائيات عن الأنظمة العربية، كل هذه الأمور هي محور هموم المواطن العربي المسكين المغلوب على أمره، فليس بيده حيلة ولا يعرف طريقا ولا يهتدي سبيلا، من هو المسؤول عن الفساد؟ من الذي يقوم به؟ من الذي يقوم بفضحه وإشهاره في الإعلام والشارع ولماذا؟ وهل هذا الفساد جديد أم هو قديم أزلي؟ ماذا يجري من حولنا؟ ألا تشعرون بشيء مريب من جراء هذا الأمر، وما هو التحليل السياسي الأقرب للواقع في هذا الشأن؟
علينا أن نميز بداية بين نوعين من الفساد، الفساد المؤسسي الممنهج المقصود المتعمد من قبل الدولة الفلانية أو النظام العلاني ضد مواطنيها أو رعاياها، مثل ما تفعله إسرائيل بالعرب في أرض 48، وما تفعله الدول الشيوعية واليسارية الثورية بمواطنيها من الظلم والتعسف والقهر والسجن والتعذيب المقصود والمأمور به عن سبق إصرار وترصد. و الفساد الفردي أو الشخصي الموجود داخل جميع أنظمة العالم وفي المجتمعات بنسب متفاوتة جداً. وهو فساد بعض الأفراد في بعض المناصب، وقد يستشري لدرجة وجود ما يشبه العصابة التي يحمي أفرادها بعضهم بحكم تغلغلهم حتى في أجهزة الأمن والقضاء التي هي مسؤولة عن مكافحة الفساد، أو بعضهم قد يكون على علاقة قوية ببعض المناصب العليا، من دون علم أصحاب هذه المناصب بفساده، أو ربما بعلمهم مع عجزهم نوعا ما عن تغيير الوضع، المهم في حالة مناقشة الفساد الشخصي علينا أن نعي تماما ان التوجه العام للأنظمة الحاكمة أو العروش ليست هي المغذية والداعمة لهذا الفساد، ولا ترضاه على ارضها ولو على اقل بقعة منه. وأن الذي يقف خلف هذا الفساد الشخصي، إما أن يكون ناتجا عن أطماع مادية وهوى في النفوس ناشئة عن ضعف الصلة بالله عز وجل واليوم الآخر. أو هو نتيجة حركات وأحزاب لها ارتباطات خارجية مرتبطة أحياناً كثيرة باليهودية ووكلائها تخطط لقلب النظام والسيطرة عليه عن طريق نشر الفساد والافساد في المجتمع والدولة، وقصد الإساءة في تطبيق القوانين والخروج عنها عمدا، واتهام النظام في وسائل الإعلام ونشر الاشاعات المغرضة بأنه هو السبب وأن زواله هو الحل.
إن أي نظام حكم إذا كان هو نفسه فاسداً وكان إفساده وظلمه منظما ممنهجا، فإن مثل هذا النظام سيسقط لا محالة مع وجود هامش مفبول من الحرية الإعلامية والصحفية وكان الكلام عن هذا الفساد مسموحا به، ولكن هذا السقوط لا نراه يحصل في كثير من الدول، فما هو السر؟ فإما أن الفساد غير حقيقي أو أنه حقيقي ولكنه ليس فسادا مؤسسيا ممنهجا، بل هو فساد فردي قد وصل لمستوى بعض المناصب العالية والتي تحتمي بنفوذها وتحمي الفاسدين الآخرين بواسطة شبكة أو عصابة. أو أن الفساد مؤسسي وممنهج ولكن الإعلام فيه مخنوق والكلام فيه ممنوع نهائيا كما في الدول البوليسية مثل الاتحاد السوفييتي الشيوعي والأنظمة العربية الثورية اليسارية وإيران، حيث في هذه الدول لو كان الكلام والإعلام مسموحاً له أن يكشف الحقائق ويتكلم عنها ولو بشكل محدود مثل باقي الدول، لانهارت هذه الأنظمة ولو بعد حين.
مع التذكير بأن الفساد والظلم الذي كان في الاتحاد السوفييتي كان بعشرات الأضعاف عما هو في الأنظمة العربية، وأنه فساد وظلم مؤسسي مقصود من قبل الحكم الشيوعي، وهذا أمر معروف فالناس أكلوا بعضهم في مجاعة الشيوعية الشهيرة كما في الصورة، أما ما يحصل في الأنظمة العربية، فإنه توجد والحمد لله الكثير من الإيجابيات والخدمات والمشاريع الناجحة، ولكن يوجد أيضا فساد، فلماذا يركز الإعلام الحر فقط على الفساد والظلم ولا يتحدث إلا قليلا عن الانجازات والعدل والأمن والتقدم والتنمية الحاصلة؟ أليس من المفترض بنا إذا أردنا حكما عادلا منصفا أن نكون نحن أيضا عادلين منصفين؟ لماذا فقط الصحف الحكومية والإعلام الحكومي هو الذي يتحدث عن الإيجابيات وأحيانا يكون الحديث عنها ليس بالمستوى المطلوب لا كما ولا نوعا؟
إذن لماذا هذا الفساد موجود طالما والحمد لله يوجد الخير والإيجابيات الكثيرة، فإذا رجعنا وقرأنا مقالا كنا قد نشرناه من قبل (كيف نبدأ بفهم الواقع الجزء 2)، قلنا إنه يصعب غالبا الحصول على معلومات عما يجري الآن وحقيقة ما يجري، لكن يوجد العديد من الأمثلة في التاريخ على وجود دول انتشر فيها الفساد وانتشرت فيها وسائل الإعلام والإشاعات تضخم من شأن هذا الفساد وتعمل على تثوير الناس ضد النظام القائم، وبعد نجاح الثورة فإننا نرى أن الذين كانوا متغلغلين في المناصب من المفسدين هم الذين استلموا الحكم، وكان هذا مخططهم، يدخلون فيفسدون ويثرون الناس ضد النظام نفسه وبعد التخلص من النظام هم انفسهم يتولون الحكم، فيا حسرة على المواطن العربي كم هو مسكين ومستهدف؟ أوهموه أن الخلاص في شيء فإذا هو قمة هلاكه وشقائه.
إذن ما هو الحل؟ فالبلاد فيها فساد بلا شك فهل نسكت عليه؟ طبعا لا، فهل نثور ضده؟ بالتأكيد لا، لأن هذا هو هدف المفسدين، إذن ما الحل؟ إن الحل يبدأ حين نعرف ما هي المشكلة، ونشخصها بشكل محدد ودقيق، وهي على نحو ما ذكرنا، وهذا يعني أنه توجد في نظام الحكم وفي الشعب من الكفاءات والقدرات المخلصة والتي لا يُتاح لها الفرصة في إحقاق العدل وإنصاف المظلوم وتنفيذ المشاريع، وإذا بدأنا بتوعية أنفسنا وتوعية هذه الكفاءات وشن حملة ذكية على المفسدين فإن هذا كله من شأنه أي يخفف كثيرا من حدة المشكلة، كما يتوجب علينا ان نعي جيدا ان آخر الزمان هو زمان فتن كقطع الليل المظلم، الواقف فيها خير من الماشي والقاعد خير من الواقف، وقد أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر على جور وأثرة أو (أنانية) بعض الحكام، والتجارب التاريخية أثبتت أن الخروج والثورات لا تاتي إلا بمزيد من الظلمات والفساد وإزهاق الأرواح.
وأخيرا قال تعالى: [إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم].
والسلام ورحمة الله وبركاته. 7/7/2010