ازداد الوعي بخطر إيران لكن ينقصنا فقه الواقع

مرت سنة 2005 وما بعدها بثقلها الشديد على أمتنا وما حملته من تهديدات إقليمية طائفية إيرانية غاية في الخطورة، حيث وقتها كان الوعي الجماهيري بها شبه معدوم، ومن يحاول نشر الوعي بها يعد شبه مجنون، وكان الجميع (إلا من رحم الله) ثملا بانتصارات حزب اللات الموهومة، وعلى الرغم من كل هذا، استمر الدعاة الذين هم على بصيرة بكشف دعوة حقيقة التقريب بين الشيعة والسنة، وبيان زيف الانتصارات، واستمروا وتحملوا الشتائم والصعوبات والإهانات واستخفاف الناس بهم، وكان دافعهم هو الإشفاق على مصير الأمة التي غدت بين فكي جهلها والافعى الإيرانية الرافضية الثورية ، فغدت الامة وقتها ذاهبة إلى حتفها وهي تظن نفسها أنها تحسن صنعا وأنها تقترب من النصر المؤزر المبين، وكل ذلك بفعل الأثر السحري للدعاية الدجلية الايرانية الرافضية الشبيهة بالماركسية.

فاستمر الدعاة ولا زالوا في عملهم وجهادهم بالكلمة في بعض القنوات وبعض المواقع الإلكترونية والمنتديات، ورغم قلة الإمكانات المادية وكثرة العثرات وضعف الجهود، رغم كل هذا، فقد بارك الله بهذه الجهود القليلة، رغم ما يقابلها من جهود وأموال طائلة تبذل وعدد هائل من المجندين الزاحفين من قبل ايران، إلا أن الحق أبلج والباطل لجلج، فومضة صغيرة من النور تمحو ظلام غرفة كاملة، وهكذا ومع الصبر كتب الله الفرج ولو جزئيا، وبدأ الوعي بخطر الشيعة ينمو ويزداد وخصوصا بسبب أعمال الشيعة الإرهابية في العراق، حيث نأمل إن شاء الله أن لا تكون معاناة وآلام عشرات الألوف من أرواح المسلمين ومئآتها تحت السكين الإيراني قد ذهبت سدىً، ونرجو أن يستمر هذا الوعي ويزداد.

ولله الحمد فقد بدأت تكثر الفضائيات والمواقع والدعاة وجنود الحق والمتبرعين في دعمها، ولكن هنا يجب التنبه إلى قضية غاية في الأهمية لا تزال غائبة عنا، وهي أن كل هذا الوعي الذي حصل وهو خير عظيم وفائدة كبيرة، إلا أنه غير كافٍ إطلاقاً، لا من ناحية الكم ولا من ناحية الكيف وهي الأهم، فمن ناحية الكم فقد ازداد كثيرا أعداد الجماهير التي بدأت تهتم وتعي هذه الأمور الخطيرة وتوعّي وتحذر غيرها، إلا أنه لا يزال في المقابل أعداد هائلة جدا من المنجرفين وراء الدعاية الإيرانية والرافضية المنبثقة من حرب الدعاية الثورية الماركسية القديمة ودجلها. ولذا يجب أن لا نغتر بما وصلنا إليه من وعي ولا نظن لطرفة عين أننا أحسنا العمل كثيراً أبداً، فعدونا لا زال ذكيا وسريعاً في تغيير تكاتيكه، بعكسنا نحن الذين احتجنا إلى عشرات الألوف من الضحايا ومئاتها لكي نصحو قليلا.

أما من ناحية الكيف وهي الناحية الأهم، فإن معظم الذين أصبح لديهم قليل من الوعي بالخطر الإيراني لا زال وعيهم منقوص وهش للغاية، لضعف فهم العلاقة العقيدية والسياسية بين إيران وموسكو وتل أبيب، ومن الممكن أن يقوم الرافضة في إيران أو خارجها بإعادة خداعهم بمسرحية بسيطة من إخراج مشترك بين ملالي طهران وحاخامات تل أبيب، تماما كما حصل في حرب حزب اللات في عام 2006، ويبدو أنهم لم يعيدوا إخراج مسرحية مشابهة لتلك لأن الأمة لم تعد تنطلي عليها هكذا تمثيليات مصطنعة، بل على الأرجح لأن الظروف الدولية لم تسمح لهم بمثل ذلك، ولذا ها نحن أحيانا نرى ونسمع هذه الأيام ببعض التحضيرات لحرب (إسرائيلية – حزب لاتية)، وهي كلها على ما يبدو بالونات اختبار، قد ترقى لمسرحية حقيقية إذا رأوا أن الظروف الدولية مناسبة، أو أن ذاكرة الجماهير نسيت الماضي لأن الدعاة توقفوا عن تذكيرهم.

ولكن من أراد أن يعي الواقع بشكل حقيقي فلا يكفيه فقط أن يدرس ويفهم أخطاء الماضي ويتعلم الدروس والعبر منها فقط، فلاعب الشطرنج الذي يريد أن يفوز يجب عليه أن يظل على الدوام يتوقع الأساليب والخطط الجديدة من عدوه والتي لا تخطر على بال، وذلك من خلال المتابعة الحثيثة للأوضاع وتوسيع دائرة التفكير والتحليل بعمق، وكثرة القراءة والدراسة والتمرس بمهارات التحليل السياسي، وخاصة أن هذا اللاعب إذا خسر اللعبة فمصيره الموت أو الفتنة، والفتنة أكبر من القتل، وهنا يجب أن يتم إبراز (الدور الوقائي)، وقاية الأمة مسبقا من الوقوع في مثل تلك الخدع والمسرحيات، وهذا هو دور فقهاء الواقع وعلماء فقه الموازنات، هذا إذا أردنا أن تستمر صحوتنا وتكتمل وتتكلل جهودنا بدحر أعدائنا، وإلا فما قمنا به لا يعدو أن يكون فورة حليب ثم تعود الأمور إلى ما كانت عليه، وعلى مصير الأمة بعدها السلام.

Scroll to Top