تدور هذه الأيام في الساحة الأردنية وفي الشوارع والصالونات وفي المواقع الإلكترونية أحاديث ساخنة حول قانون الانتخابات الجديد المؤقت، والذي صدر في ظروف غير معتادة، وهو قانون مؤقت جاء ليحاول معالجة وضع المجلس النيابي الأخير الذي تم حله بسبب كثرة فساده وترهله، وقد نتج عنه مقاطعة التيار الإسلامي للانتخابات، كما يقال بأن آخرين يخططون لهجرة صناديق الاقتراع وسط فتور شعبي، تزداد هذه الأحاديث سخونة مع تصريحات د.مروان المعشر حول هذا القانون ومدى قدرة الصحافة على مراقبة أداء الدولة والحد من الفساد، وقبل أن نبدأ بتشريح الوضع يجدر بنا وضع النقاط على الحروف على كثير من الأمور الهامة جدا، والتي للأسف هي غائبة في معظم هذه الأحاديث والحوارات الشعبية، وهذا من شأنه أن يحد كثيرا من قدرتنا على فهم القضية برمتها فهما صحيحا بأبعادها الكاملة.
تم طرح الموضوع بدون الإتيان على كافة العناصر المؤثرة فيه، بل تم الاقتصار على بعضها، فقد تم ذكر تأثير العشائرية والقبلية والجهات المستفيدة من بقاء الوضع كما هو وأن بعض هذه الجهات فاسد، وبالمقابل ولكي تكتمل الصورة يجب ذكر من هي الجهات الحزبية أو التيارات الفكرية الموجودة في الساحة، وما هي أجندتها وأهدافها، وهل هي تهدف حقيقة إلى إحداث تغيير نحو الأفضل أم نحو الأسوأ في حال لو تمكنت من الفوز بحصة كبيرة من النفوذ والتأثير في البرلمان، فإذا كانت قوى الوضع القائم بعضها فاسد، فما الذي يمنعنا مثلا من افتراض أن قوى التغيير هي أشد فسادا وانها ستقود لتغيير أسوأ؟، إن كل ما ذكرته هو ليس شيئا مؤكدا، لكنه أمر نرى أنه يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في تحليلاتنا ونقاشاتنا، لكي نخرج بنتائج أكثر دقة وحيادية بعيدة عن التحامل أو التحيز، فالذي يفهم الواقع يجب أن يستشرف المستقبل ويرى الكارثة قبل وقوعها ليحذر منها، لا أن يراها بعد فوات الأوان.
لن نقدم في هذا الموضوع مزيدا من الجدال البيزنطي، بل نطرح بعض التساؤلات والآفاق التي ستقرب الصورة وتعمق الفكرة وتساهم في الوصول إلى نتائج جديدة وآفاق أوسع من أجل مقاربة و تحليل سياسي أفضل في هذه القضية.
1- النظام الأردني هل نعتبره مثل أي نظام في العالم أم هو نظام كان وما يزال وسيظل يعيش حالة خاصة لكونه واقعا بجوار إسرائيل الدولة الإجرامية الإرهابية وهي تعتبره ضمن أرض الميعاد، فإذا كانت الدول في العالم مستهدفة من قبل اليهودية العالمية، فما بالك بالأردن؟
2- إن تحدي القضية الفلسطينية الملقى بشكل رئيس على الأردن إضافة إلى ما ترجف به إسرائيل من وطن بديل وهو أمر مرفوض، ألا نعتقد بأن لها أثارا هائلا على الشعب الأردني وأنه من شأن أي تغير كبير في تلك القضية أن ئؤثر مباشرة على علاقة النظام الحاكم بالشعب، فلو سألتكم، ما هو سبب إغلاق المجلس النيابي نهائيا لعدة عقود قبل إعادة فتحه عام 1989؟
3- ماذا نعتقد أن تكون التيارات والأحزاب السياسية المتواجدة في الأردن أو حتى التي سوف تولد، هل هم بشكل عام أفضل من القوى القائمة حاليا، أم أن بعضا منهم صنائع أو مغفلين أو متعاطفين مع أجندة إيرانية وأخرى يهودية وثالثة ليبرالية من نوع هدام ورابعة غربية الهوى؟
4- هل باعتقادكم أنه توجد مجموعة من اليهود على مستوى العالم يسطيرون على الإعلام ولهم وكلاء يتغلغون في مناصب الدول بهدف تخريبها، وهذا سؤال مهم جدا في النقاش، لأنه إذا انتهت الشيوعية بنظر البعض (مع أنها في الحقيقة لم تنتهي) فإن اليهود لهم أساليب وجماعات أخرى وعلى رأسهم إيران، وأيضا ما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني وحقوق المرأة وحقوق الشواذ وما شاكلهم من دعاة نوع من الليبرالية ذات اتجاهات تخريبية هدامة.
5- هل حقا وصدقا وليسأل كل واحد منا نفسه بكل صدق وتجرد، إذا كان قانون الانتخابات يقدم للمواطن الحق بصوتين، صوت للعشائرية وآخر للكفاءات، هل بإمكان المواطن الذي غالبا لا يعرف المرشحين أو لا يعرفهم حق المعرفة أن يختار الأكفأ في مؤهلاته السياسية؟ أم أن الأكفأ في دعايته الانتخابية وصاحب الخبرة في كسب الأصوات ومراءاة الناس، والذي يعد نفسه للانتخابات بكافة الوسائل والطرق منذ سنوات هو الذي سوف يفوز؟ فهل الانتخابات التي تقدم لنا الأكفأ في مؤهلات الدعاية سوف تقدم للوطن فائدة وتكون قادرة على محاسبة الحكومة والتخلص من الفساد؟
وبعد إذا أردنا تطور البلد والأوضاع علينا أن ندرك أن الغرب الذي نقلده قد وصل إلى أعتاب ما يمكن أن يسمى مرحلة ما بعد الديقمراطية، فلو بدأنا بتقديم الاقتراحات والأفكار حول طريقة جديدة يكون قصدها وهدفها هو إيصال الكفاءات الحقيقية الوطنية المخلصة بدلا من الترحم على قانون تعدد الأصوات، سيكون ذلك أفضل من الاستمرار في الجدل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.