من هو مؤسس دولة إسرائيل وعد بلفور أم قوانين لينين؟
نسمع كثيرا وكثيرا جدا بوعد بلفور الشهير، وكلنا يعلم الصغير قبل الكبير أنه المسؤول عن قيام دولة إسرائيل الهمجية العنصرية الإجرامية، وأن وعد بلفور هو المسؤول عن وجود اليهود وهجرتهم بأعداد كبيرة إلى فلسطين، ولكن ما رأيكم لو نقوم بالغوص بتفاصيل أعمق ونزداد علما ومعرفة بحيثيات قيام دولة إسرائيل؟ فلا شك أنكم مللتم من تكرار نفس المعلومات القديمة، ولقد حان الوقت منذ زمن بعيد أن يتم الكشف عن مزيد من الملابسات والحقائق التي طوتها وأخفتها أيدي اليهودية، لكن بعضا من كتب التاريخ قد رصدتها وكتبتها وإن ظل مصيرها على الدوام هو التهميش، فلماذا لم يقم اليهود بتهميش وعد بلفور إعلاميا؟ مقارنة بتهميش قوانين لينين (أول رئيس للاتحاد السوفييتي) الإلزامية لإقامة دولة إسرائيل لليهود وليس فقط وطن قومي، دعونا نتعرف إلى الحقائق التي ظلت طي التهميش لعدة عقود.
في عام 1917 صدر وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود، وكلمة وطن قومي لا تعني بالضرورة دولة ذات سيادة، فمن الممكن أن يكون مجرد حكم ذاتي تحت الانتداب البريطاني أو حتى تحت دولة فلسطينية أو أردنية، فما الذي أقر تحويل الوطن القومي إلى دولة ذات سيادة؟ وفي نفس العام 1917 نجحت الثورة البلشفية الشيوعية ومعظم قياداتها من اليهود، كما أن مؤسسها الفكري كارل ماركس هو يهودي أيضا، نجحت هذه الثورة في السيطرة على روسيا، وفورا تم إصدار قوانين تحرم اضطهاد اليهود، وقوانين أخرى أهم وهي إلزامية على عاتق دولة الاتحاد السوفييتي بإقامة دولة إسرائيل ذات السيادة في فلسطين، وبما أن أرض فلسطين كانت ستؤول إلى الاحتلال البريطاني وليس الروسي، فإن هذه القوانين رغم أنها أقوى من وعد بلفور وأكثر إلزامية، فقد توجب الأمر أن يتوجه اليهود بكافة الوسائل الدبلوماسية للحصول على قانون أو حتى مجرد وعد من بريطانيا بإقامة دولة إسرائيل أو حتى ولو مجرد وطن قومي على جزء من فلسطين، وسوف يتكفل الاتحاد السوفييتي الشيوعي بالباقي، وهكذا كان.
فكان تأسيس أول حزب شيوعي عربي في فلسطين بالذات عام 1919 ليكون مركز الشيوعية في البلاد العربية، فلماذا بالذات في فلسطين؟ إنها قوانين لينين، كما تولى اليهود في الاتحاد السوفييتي الدوائر المختصة بالشرق الأوسط وفلسطين، ولا فرق بين اليهودي الماركسي واليهودي الصهيوني، فأول رئيس وزراء اسرائيل بن جوريون كان شريك لينين في ثورة 1905 الشيوعية الفاشلة في روسيا، وهرب إلى فلسطين بينما هرب لينين إلى ألمانيا، وطوال فترة الانتداب البريطاني، كانت الدول الشيوعية تزود اليهود في فلسطين بالمهاجرين والأسلحة، وكما تشجعهم على التمرد على الانتداب البريطاني! وخاصة بعد صدور الكتاب الأبيض البريطاني 1939 الذي يقضي بأن يكون لليهود منطقة تل أبيب وما حولها ويكون لهم ثلث الوزارات في حمك ذاتي تحت سلطة المملكة الأردنية، ورغم أن هذا أمر مرفوض لدينا قطعيا ولكنه أقل سوءا من دولة إسرائيل الاحتلالية المجرمة، ونتيجة لكثرة تمرد اليهود وكثرة الضغوط اليهودية على بريطانيا فقد قررت عرض قضية مستقبل الحكم في فلسطين إلى الأمم المتحدة عام 1947.
فقامت الكتلة الشيوعية في مجلس الأمن بقيادة مندوب الاتحد السوفييتي أدريه غروميكو بإلقاء ثقلها من أجل إصدار قرار بتقسيم فلسطين، وأن يكوأندريه غروميكون لليهود دولة دينية يهودية مستقلة ذات سيادة وليس تحت حكم ذاتي عربي أو حكومة مشتركة، وقد عارضت بريطانيا وأمريكا ولكن الاتحاد السوفييتي والكتلة الشيوعية أصروا، وقد دافعوا عن الموقف الإرهابي للعصابات اليهودية الإجرايمة بحق الفلسطينيين ورفضوا مبدأ حق العودة وذلك في خطابات مندوبهم العتيد غروميكو اليهودي الشيوعي، قد تسبب موقفهم في حمل بريطانيا وأمرريكا على قبول التقسيم، ولكن موقف الشيوعيين كان عن عقيدة وأيديولوجية وقوانين إلزامية، بخلاف الموقف الغربي الناتج عن الضغط اليهودي.
ولكن ما هي أهمية الحديث عن وعد الشيوعية بإقامة إسرائيل رغم أن الاتحاد السوفييتي انتهى؟ وبالمقابل ما هي أهمية استمرارالحديث حتى الآن عن وعد بلفور رغم أن امبراطورية بريطانيا العظمى انتهت؟ الجواب المعروف طبعا الاستعمار المباشر انتهى وجاء الاستعمار غير المباشر والامبراطورية البريطانية انتهت وجاءت الامبراطورية الأمريكية، وأيضا الشيوعية المباشرة العلنية انتهت، وجاءت الشيوعية غير المباشرة أو الثورية اليسارية كما ذكرنا في موضوع الاستعمار غير المباشر والشيوعية غير المباشرة، والاتحاد السوفيتي انتهى وقامت امبراطورية الصين الثورية اليسارية العظمى والتي تنافس أمريكا، فإذا كان الاستعمار القديم خطيرا فقد كانت الشيوعية أشد خطرا بأضعاف، وإذا كان الاستعمار غير المباشر خطيرا فإن الشيوعية غير المباشرة أشد خطرا ودهاء ومكرا بنا بأضعاف مضاعفة.
وأخيرا فإن وسائل الإعلام يسيطر عليها اليهود، فلماذا لم يحصل تهميش لوعد بلفور كما حصل لقوانين لينين الشيوعية؟ أليس من الأولى أن يتم تهميش وعد بلفور طالما أنه مجرد وعد بإقامة وطن قومي وليس دولة؟ ولماذا تم تهميش السبب الأهم قوانين لينين وتطبيقاتها العملية التي أدت أيضا إلى توسيع إسرائيل في حرب 1967 بعكس موقف الرئيس الأمريكي أيزنهاور عام 1956 الذي أجهض التوسع الإسرائيلي في سيناء؟ أسئلة تنتظر الزمن ليكشف عن مزيد من الحقائق ويحثنا لمزيد من التفكير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.