تحرير فلسطين بين الحرب و المقاومة و السلام

ليس من اليسير ولا من السهل أبدا إجراء مقارنة دقيقة منصفة بين خيار المقاومة وخيار السلام في جميع نواحي الإيجابيات والسبليات لكل خيار على حدة، فخيار المقاومة أو الجهاد هو الخيار الأصلي والأساسي عندما يدهم عدو بلادنا ويحتل منها ولو شبرا من ارضنا، clip_image002وتجب لأجل ذلك محاربة هذا المحتل وإخراجه بالقوة، وهو الخيار الشعبي والجماهيري المفضل. أما خيار السلام فهو خيار تحكمه ظروف خاصة جدا، لطالما كان مكروها شعبيا وجماهيريا، ولطالما كان محط تنزيل اللعنات والاتهامات الجاهزة على من قاموا باختياره، ولكن كالعادة لو سألنها أنفسنا: هل فكرنا جيدا وتحرينا عميقا قبل أن نتخذ موقفا من كلا الخيارين؟ أم أننا أسلمنا زمام قيادة تفكيرنا وعقولنا للعاطفة الجياشة؟ ماذا نخسر لو قمنا بإعادة النظر والبحث والتفكير بمواقفنا؟ فإما أن تكون صحيحة فنزداد تمسكا بها ويقينا، وإما أن تكون خاطئة كليا أو جزئيا فنعدل عنها، أو نصحح ما فيها من خلل، إذن دعونا ندخل في
صلب الموضوع.

تاريخيا عندما تقوم دولة معتدية باحتلال أرض من بلاد المسلمين فإن السيناريو التقليدي هو دخول جيشها واحتلال الأرض بالقوة دون النظر إلى شرعية دولية أو مجلس أمن أو ما إلى ذلك، والتاريخ والواقع الملموس يظهر لنا أنه حتى في الصورة التقليدية للاحتلال فإن الرد عليه والقيام بواجب الجهاد يتوقف على عوامل كثيرة، من أهمها مدى التزام الشعب الذي وقع عليه الاحتلال وكذلك باقي الأمة الإسلامية بدينها وتحقق الاعداد الايماني فيها، لما له من دور أكبر لتحقيق نصر الله تعالى لنا على الاعداء، وغيابه لوحده يؤدي بنا إلى مزيد من، لأننا أمة الإسلام به ينصرنا الله على الرغم من قلة العدد والعدة، ولا يعني ذلك مطلقا، بل للعدد والعدة اعتباراتها في أحكام الجهاد وشروط النصر على الاعداء. فكيف يكون الحال إذا كان الالتزام الديني ضعيفا إضافة للضعف الكبير في العدد والعدة؟ وكيف ننتصر بهذا الحال؟ وهل يجوز في منطق العقل السليم فضلا عن الشرع الحكيم أن نخوض معركة نحن متأكدون من نتيجة هزيمتنا فيها؟ وهل يجيز لنا الشرع القيام بمثل هذا؟ هل قام الرسول (صلى الله عليه وسلم) بحرب فتح مكة قبل أن يكون لديه من العدد والعدة ما يمكنه بإذن الله من تحقيق النصر؟

لكن هل المطلوب أن نستسلم لعملية سلام أو استسلام كما يقولون؟ ما هو السلام وما هو الاستسلام؟ ما الفرق بينهما؟ كيف أقنعونا بأن السلام هو استسلام بدون أن نعرف الفرق بينهما؟ وهل الاستسلام هو نهاية أبدية ومصير أبدي؟ وهل يمكن للسلام أن يكون وسطا بين السلام والاستسلام باختلاف بعض الجوانب؟ وأخيرا هل يمكن للسلام أن يحرر فلسطين بشكل نهائي رغم أن أنه يظهر كتسوية أبدية نخسر بموجبها جزءا من أرض فلسطين للأبد؟ هل الأحداث التي نشاهدها دائما تكون حقيقية أم أنه توجد كثير من الجوانب المخفية والخدع التاريخية؟ دعونا نرى…

نحن المسلمين يستحيل علينا في عصر كنا فيه قوة أن نقبل بمثل هكذا سلام، واليهود أيضا يستحيل عليهم في عقيدتهم القبول بمثل هكذا سلام طالما هم في موقع القوة الأكبر، إذن فما اللذي يجعلهم يزعمون أنهم يريدون السلام وما الذي جعلهم أول من كان يطالب بالسلام حتى قبل حرب 67، فهل في الأمر خدعة؟

clip_image004ولماذا هم بحاجة إلى خدعة؟ أليسوا هم القوة الأكبر؟ للإجابة على هذا الأسئلة نعود قليلا للطريقة الشاذة التي قامت فيها دولة اليهود إسرائيل، فهي تختلف عن طريقة قيام أي دولة احتلال في التاريخ أي الطريقة التقليدية، فطريقة اليهود كانت في البداية كسب الدعم والتعاطف بالوسائل الدبلوماسية وتأييد ودعم الدول الكبرى التي كانت سوف تحتل أرض فلسطين ومحاولة أخذ وعد منها بإقامة ولو مجرد وطن قومي لهم وليس دولة ذات سيادة، ثم تحول الوطن القومي إلى دولة أيضا بواسطة دبلوماسية اليهود المسيطرين في الكتلة الشيوعية والاتحاد السوفييتي في مجلس الأمن عام 47 رغم رفض بريطانيا وأمريكا آنذاك، وهذا الأسلوب الجديد في قيام الاحتلال هو بسبب حدوث اختلاف كبير في طبيعة العلاقات الدولية وعلاقات السلم والحرب في منتصف القرن العشرين نتيجة الحروب العالمية وقيام منظمة الأمم المتحدة.

ونتيجة لهذا الإختلاف وكذلك بسبب تغير موازين القوى لغير صالحنا في العصر الحديث، فإنه من غير الممكن في الوقت الحالي القيام بالكثير على الصعيد العسكري إلى أن تبدأ موازين القوى مرة أخرى بالتغير لصالحنا، ولكن في نفس الوقت فإن أسلوب العلاقات الدولية الجديد من مجلس الأمن والرأي العالم العالمي المناهض للعنصرية يقدم لنا فرصة إن أحسنا استغلالها فسوف نحصل على مكاسب مهمة وكبيرة حتى قبل تغير موازين القوى، بل وحتى يمكن لنا التعجيل بتغير موازين القوى العالمي لصالحنا، وذلك بواسطة طرق مناسبة لهذه الأوضاع ومن خلال نفس القنوات الموجودة حاليا، وحتى لو افترضنا أن الأمر عبث حسب رأي البعض، فهو الشيء الوحيد الذي من الممكن القيام به في الوقت المنظور، أي في أثناء انتظارنا لتغير موازين القوى، لكن كثيرا من الآراء والخيالات الشائعة في الشارع يتم الترويج لها ونشرها بدون التفكير المنطقي والدراسة العلمية لمجرد أمكانية التهديد بها فضلا عن إمكانية القيام بعملها، مثل الدعوة لجمع كافة الجيوش العربية لتحرير فلسطين، أو حتى جمع كافة الشعوب العربية لتحرير فلسطين !!

ففي الحالة الأولى لن تكون جيوشنا هي الوحيدة التي تجتمع، فهناك أيضا جيوش الشرق والغرب تجتمع ضدها، كما أن هناك المنافقين في الداخل الأشد خطرا، خاصة اليساريين والثوريين، ولنا معهم في خيانة حرب 56 أو 67 ، خير عبرة ودليل. أما الخيار الثاني خيار جمع الشعوب، فهو أكثر استحالة من أن نفكر فيه، إذا ليس من المعقول أن نجمع الشعوب ونقدمها لحما طريا لأفران الإجرام الإسرائيلي، فالمحافظة على الأنفس المسلمة من أهم مقاصد الشريعة، كما أن اليهود clip_image006 العارفين جيدا بقوانين التاريخ قرروا وهم الأقوى في مؤتمر بال عام 1897 أنهم بحاجة لخمسين عاما ليحتلوا فلسطين ويقيموا دولتهم على أرضها. فلماذا نحن لا نقدر أن نسير بالطريق الصحيح المؤدي للتحرير ولو كان طوله خمسين عاما؟ فل و مشيناها من البداية على صواب لكنا الآن قد حررنا فلسطين، ولكن لأننا تأخرنا في البداية عن معرفة الطريق، بل سرنا عكسه، وعملنا على تخريب مسيرة الحكماء منا ممن أدركوا بعمق فهمهم للواقع سر التعامل مع الاعداء في حالة الضعف والهوان.

لكن على الرغم من كل ذلك، فقد بدأ يظهر لنا أنه رغم عدم تحقيق ما نريده من خيار السلام بعد، لكنه بحد ذاته كان سببا قويا في كشف الغشاوة عن أعين الغرب تجاه عنصرية إسرائيل، وها قد تحولت أوروبا وكثير من يهودها ضد إسرائيل، وبدأت امريكا وكثير من اليهود فيها تتحول تدريجيا عن الدعم الاعمى لإسرائيل.

فلو سألنا أنفسنا: أليست إسرائيل عنصرية ومجرمة من بداية قيامها؟ فما الذي جعل الغرب في الماضي لا يرون؟ وما الذي جعلهم الآن يرون؟ إنها المحاولات (الفاشلة) الرامية لإجبار
إسرائيل على القبول بالسلام، بعكس الحال تماما في فترة الخمسينيات والستينيات،حيث كانت تلعب إسرائيل على العرب أمام الغرب لعبة الظهور بأنها تحاول عبثا إقناعنا بالسلام ونحن نرفض فتكسب مزيدا من الدعم والتغاضي عن عنصريتها وجرائمها ظنا منهم أن العرب الرافضين للسلام أشد عنصرية وإرهابا. إن السلام نفسه لن يكون ولكنها لعبة كسبت بها إسرائيل في الماضي الدعم والتأييد لتقوم وتستمر، وهي نفس اللعبة التي بها سوف نكسب نحن أيضا ولتبدأ إسرائيل بالتراجع وينفض عنها الداعمون ويتركوها لمصيرها، فهي ستزول clip_image008 في النهاية إن شاء الله عسكريا كما بشرنا بذلك الحديث النبوي الشريف “لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود…” الحديث.
فمتى نفهم أن هذه الحرب المذكورة في الحديث هي بيننا وبين اليهود وليس بيننا وبين جميع دول الشرق والغرب، وهذا لا يتأتى إلا بتحييدهم في الصراع، وهذا ما تقوم به عملية السلام التي يسمونها فاشلة والتي ترفضها إسرائيل وتعتبرها وصفة للقضاء عليها.

والسلام ورحمة الله وبركاته.

Scroll to Top