من المعلوم بأن الساحة الاردنية مرت منذ تاريخها بأزمات متتالية وصل بعضها الى النقطة الحرجة التي كادت ان تعصف بالنظام كله لصالح قوى اليسار، ولظروف سياسية ومرونة القيادة الاردنية وحكمتها في تجنب الاصطفاف مع القوى الثورية او الاستجابة لمطالبها ومناهجها، بل ولحرصها على استمرار علاقاتها المتوازنة مع القوى الاقرب لمنهجها ولرؤيتها من الدول الديمقراطية الغربية، ولتجنب الاردن سابقا في الدخول المباشر في الحروب التي وقعت ضد دول الجوار عدا الحروب ضد العدو الصهيوني، كل هذه الاسباب وغيرها لم تؤد فقط الى تجاوز النظام لتلك الكوارث وتخطيها، بل أدت الى تجذره ودوام تقدمه النسبي الى الامام.
ولدوام تجذر النظام الاردني ودوام تقدمه النسبي الى الإمام، يجب العلم ان سياسة المعسكر الشرقي اليساري الرامي للسيطرة على العالم لتحقيق الاهداف الصهيونية تهدف الى اخراج القطب الآخر من الصراع الدولي وخاصة في منطقة الشرق الاوسط كون هذه القوة كانت ولا زالت تمثل العقبة الاكبر امام تحقيق اطماعهم في العالم وفي المنطقة العربية خاصة. لذا فقد اتخذت تلك القوى الثورية اليسارية خطة لإنهاك راس القوة الضارب في المعسكر الغربي من خلال جره الى حروب وأزمات حول العالم تؤدي الى استنزاف قواه الاقتصادية والعسكرية وإغراقه في الازمات الداخلية وفي المديونية مما سيضطر لاحقا الى الانفضاض عن المنطقة والتنازل عن خطة الهجوم الى الدفاع، ومن ثم التنازل عن خطة الدفاع الى الانكفاء التام على الذات والتخلي عن التدخل في الصراعات الدولية والاكتفاء بحل ازمتها الداخلية.
وقد تحقق جزء واضح من هذه الخطة اليسارية التي استُخدم فيها مشروع (الجهاد) في عدد من الحروب منذ عام 2000 تقريبا كان اولها الحرب الافغانية ثم الحرب العراقية، وتجري حاليا مقدمات تدخل عسكري بري للتحالف الاربعيني ضد (داعش). ويبدو للمراقبين بان القوى الغربية بعد ان فشلت في القضاء على النظام الدموي السوري الاشتراكي بسبب فزعة الكتلة الشرقية ووقوفها معه بالمال والسلاح والفيتو، قد استغلت من خلال التحالف الاربعيني ومن وجهة نظرها، استغلت دموية وتجاوزات (داعش) وقتلهم للنصارى ولأعداء النظام السوري لدخول الحرب الجوية التي يبدو انه يأمل من جانبه ان تمتد لتطال النظام السوري نفسه لسبب او لآخر مما أثار مخاوف الكتلة الشرقية من جديد.
وعليه، فان صدقت التوقعات وكانت نوايا الحلف الاربعيني او من نواياه محاصرة النظام السوري والقضاء عليه تحت ذريعة محاربة (داعش)، فان الكتلة الشرقية لن تسمح بهذا الحدث، وستسعى جاهدة لإجهاضه كما اجهضت كل المحاولات السابقة في مجلس الامن وغيره الرامية لإسقاط النظام السوري، ومن المتوقع ان تنجح في ذلك وان ينجو النظام السوري من قبضة الحلف الاربعيني ما دام هذا الحلف لم يتخذ موقفا حازما وواضحا كما عهدناه ضد النظام السوري نفسه ولم يوجه ضرباته الجوية لمراكز قواه.
ومن هنا فان أية دولة عربية قبل ان تتحمس للمشاركة في الحرب البرية المتوقعة ضد (داعش) يلزمها دراسة ما ذكر اعلاه حول الازمة السورية ابتداء والحرب ضد (داعش) انتهاء كون إزالة (داعش) أو النظام السوري لم يعد مؤكدا، بل ثمة نسبة واردة للفشل يحسب لها حساب، وذلك لقدرة الكتلة الشرقية في الدفاع عن وكلائها في المنطقة بعكس قدرة الكتلة الغربية التي باتت تتراجع عن حماية اصدقائها لعدد من الاسباب كما حصل للنظام المصري ايام الرئيس المخلوع (مبارك) وأهمها قوة اللوبي الصهيوني داخلها الذي يريد الخلاص من الانظمة العربية الصديقة للغرب.
ان دخول اي دولة عربية في الحرب البرية ضد (داعش) أو ضد النظام السوري يعني ذلك اعلان حربها على من يقف خلفها من الكتلة الشرقية برمتها ومن خلف تلك الكتلة (اسرائيل)، ولهذا فإذا وضعت الحرب اوزارها بعد حين وكانت النتيجة سلامة (داعش) وسلامة النظام السوري، فعلى الدول العربية المشاركة في الحرب البرية المقبلة ان تستعد لما هو أسوء خاصة في ظل توقع مزيد من تراخي القوى الغربية عن نصرتها. اما ان تأكدت الدول العربية الداخلة في الحرب البرية نجاح الحلف الأربعيني في إزالة النظام السوري الاشتراكي والقضاء على ربيبته (داعش) فان الحديث حينها يكون قد اختلف.
سائلا المولى تعالى أن يحفظ ديار المسلمين ودماءهم.
الكاتب الأستاذ: عدنان الصوص