في ظل الدعوات لثورة جديدة في مصر ضد السيسي والنظام المؤقت وخارطة الطريق، عملت على استدعاء تاريخ الأحداث المصرية من بدايتها لأخذ العبر والدروس، في محاولة الخلوص إلى أفضل الاقتراحات الممكنة لحل الأزمة الجديدة.
في الحقيقة لقد كان جميع الأطراف مخطئين، من الثوار إلى نظام مبارك، ومن المجلس العسكري بقيادة الطنطاوي إلى المعارضة الحزبية إلى جماعة الإخوان إلى الرئيس السابق مرسي إلى انقلاب السيسي، جميع هؤلاء كانوا مصيبين في جوانب ومخطئين أخطاء فادحة في جوانب أخرى، وهو ما أدى بالأمور إلى أن تتأزم من حين لآخر ولا تستقر، فلو عدنا مثلا بالزمن للعصر الملكي، ربما كنا سنقول بأن الإصلاح التدريجي والصبر على طول الزمن سيكون أفضل من كل ما حصل لاحقا من انقلاب عسكري ألغى الحريات السياسية في البلاد وغير ذلك من أهوال، فإذا عرفنا هذا الآن بعد فوات الأوان، فهل من حل استباقي لما سيحصل غدا؟؟
لقد كان أيضا خطاب مبارك الأخير قبل حادثة الجمل، بأنه سيكمل بقية ولايته الأربعة أشهر ويتنحى وتقام انتخابات رئاسية حقيقية لا يترشح فيها، فرصة أمل جيدة ولكن تحتاج فقط لإصرار الثوار على أن يجعلوه يوفي بوعده وليس أن يصرّوا على إسقاطه قبل إتمامه مدته، فنتج عن تنحيه بطريقة غير قانونية، أنه بدلا من أن تقام انتخابات رئاسية بعد أربع أشهر، فقد حكم مجلسٌ عسكريٌ لمدة عام تخللته اضطرابات كثيرة قبل الوصول لانتخابات رئاسية جديدة بوقت متأخر مقارنة ببقية ولاية مبارك.
والآن… هل تلوح في الأفق فرصة جديدة حتى وإن كانت هي الأخيرة؟ هل يا ترى انتظار انتهاء مدة الرئاسة المؤقتة، والإصرار على أن تمضي الخارطة بالشكل الصحيح كما وعدوا، هو عمل أفضل من الثورة على النظام مجددا؟ لأنه ليست الانقلابات العسكرية وحدها مشكلة ولو كانت محقة، مثل انقلاب السيسي المثير للجدل، بل أيضا الثورات الشعبية هي أيضا مشكلة ولو كانت ثورات محقة، لأنها بتعريفها هي عبارة عن خروج على الشرعية وعمل غير قانوني في الأصل ولا تجوز إلا اضطرارا وعندما تغلق كافة الأبواب الشرعية والدستورية، وهي بطبيعتها ليست فقط إسقاط للظلم، إنها عمل يقضي على الظلم الموجود ولكن أيضا بذات الوقت تخلق في الحال ظلما آخر بسبب الفوضى وافتقاد الشرعية، وذلك مهما كانت الثورة محقة، فيضطر الجيش ليضع مجلسا عسكريا حاكما، وهذه نتيجة مشابهة للانقلاب العسكري.
حتى في سوريا التي نظامها أسوأ بكثير جدا، فهو ليس مجرد نظام فاسد مستبد سلطوي يكمم الأفواه، بل أيضا هو نظام “أنا ربكم الأعلى” بكل معنى الكلمة، وهو مستعد لحرق 23 مليون سوري عن آخرهم وبكافة طوائفهم إذا آمنوا بالحرية، ولربما كان تسليح الثورة من أكبر الأخطاء برغم أنه حصل اضطرارا، ثم كانت شرعية الجيش الحر والمعارضة والخارجية البديلة أسوأ من المجلس العسكري المصري ومن نظام السيسي في مصر، لقد أسقطت الكفر والإكراه على عبادة وتأليه بشار عبد إيران وروسيا وإسرائيل، ولكن أيضا خلقت فوضى استغلها كثير من اللصوص من الشعب ومن المنشقين ومن عملاء النظام المندسين لبث الفوضى في الثورة ومن المتسلقين، وما أكثرهم.
إني أبحث عن حل ولست أدري كيف؟؟!! فالانقلابات تظل سيئة مهما كان النظام السابق أسوأ منها، وكذلك الثورة عادة نتيجتها سيئة مهما كان النظام الذي قبلها أسوأ، فحتى لو افترضنا أنه وصل للحكم قادة الثورة الشعبية، فهم أيضا سيكونون ديكتاتوريون مثل قادة الجيش بسبب طبيعة العمل الثوري.
إذا ماذا نفعل عندما تصبح كل الأبواب مغلقة؟ وتضيع كافة المفاتيح؟ فقط عندها لا بد من كسر الباب بثورة شعبية، رغم أن هذا يحل المشكلة ويخلق مشكلة أخرى، فالباب سيبقى مكسورا، ولكن أليس حال السيسي الآن يختلف عن حال مرسي بفارق واحد جوهري وهو أنه وعد بإعطاء مفتاح لفتح الباب بدون أن ينكسر؟ أرجو أن يكون هذا حقا، لأن هذا يعتمد على إصرار الشعب المصري على الحصول على المفتاح وليس الركون إلى الوعود، ولا أيضا بالاستعجال بكسر الباب كما استعجلوا بإسقاط مبارك، فهذا قد يطيل الحل ويعيدنا مرة أخرى لنفس الامتحان، امتحان الصبر حتى ينفتح الباب بشكل شرعي، ومن يدري فقد تكون هذه آخر فرصة!