لقد كانت الثورة السورية منذ بدأت، في كافة مراحلها السلمية والعسكرية تمر دائما بحالات من الصعود ثم الهبوط ثم الصعود ثم الهبوط وهكذا…، وكان هذا على جميع الأصعدة سواءً في الحراك الشعبي، أو في الأوضاع الداخلية والخارجية، أو العربية والدولية، أو العسكرية والسياسية. ولكن المنحنى البياني العام لسير الثورة مع تطاول الزمن ظل يشير لصعود الثورة ببطء ولكن بثبات، حيث كان الصعود في كل مرة أعلى من الصعود الذي قبله، وكان آخر أعلى صعود على الصعيد العسكري هو التجهيز لأكبر هجوم للجيش الحر من الغوطة على دمشق لكن أوقفتها الضربة الكيماوية اللعينة، وكان آخر صعود على مستوى المواقف الدولية عندما أوشكت أمريكا على توجيه ضربة عسكرية.
أما الهبوط فيبدو كما لو كان انهيارا للصعود الذي قبله، لكن الصعود اللاحق يجمع من عناصر الصعود السابق ويضيف إليه مزيدا، فمثلا إذا كان الغرب قد خمدت حماسته للضربة العسكرية وتواطأ مع النظام بعد فترة، ففي الحقيقة لم ينتهي موضوع الضربة بل خفت واختفى إلى حين، ففي المرة القادمة إذا فعل النظام شيئا جديدا، أتوقع أن يكون الحشد هذه المرة مضاعفا، لأن هكذا كان يحصل في كل مرة سابقة يصعد فيها الموقف الدولي مؤيدا للثورة ثم يخفت فجأة، ثم يعود للصعود أقوى مما كان وقد استعاد جميع عناصره السابقة وأضاف إليها المزيد وهكذا…، ونفس الأمر ينطبق على باقي الأصعدة.
لست أعول على الموقف الدولي فهذا الحال المتذبذب لا يستحق التعويل عليه ولو كان تذبذبا صاعدا، لكن من حق الثورة أن تستفيد منه إذا حصل، وأظن حصول تدخل عسكري دولي نهاية المطاف على المدى البعيد، لكن التعويل هو على هجمات الجيش الحر ومواقف وأحوال المعارضة السياسية والدعم السعودي، حيث هي الأخرى تمر بهبوط وصعود.
أما على صعيد المعارضة السياسية، فقد كانت في البداية تشتهر بظهور هيثم مناع وهيثم المالح ثم أعضاء من هيئة التنسيق الوطنية، ثم تحسن الأمر قليلا بظهور المجلس الوطني ودخول جماعة الإخوان المسلمين على خط الثورة، ثم دخلت فئات معارضة أخرى أكثر فأكثر، وعلى الرغم من أن المعارضة السورية لا زالت سيئة الأداء عموما، إلا أن أداءها يتحسن ببطء مع مرور الزمن، فالائتلاف الوطني الحالي بقيادة الجربا تحسن كثيرا برغم أنه لم يصل بعد للمستوى المطلوب لكنه أفضل كثيرا مما سبقه في تمثيل الشعب ومطالبه في الثورة.
أما فترات هبوط الثورة وصعود النظام على جميع المستويات العسكري والسياسية والداخلية والخارجية والدولية ومنها الفيتو وألخ.. فهي كلها توحي نفسيا بأن كل هبوط للثورة هو أخطر وأشد إيلاما من الهبوط الذي قبله، لكن الحقيقة أن النظام في كل مرة يعود فيها للصعود لا يصل في قمة صعوده الظرفي إلى وضع يعود فيه إلى نفس سيطرته على البلاد قبل الثورة، بل إن كل صعود له يكون أقل في مجموعه ومجمل وضعه من الصعود الذي قبله، لكن زيادة الدمار في البلاد وكثرة الأرواح التي أزهقها تعطي انطباعا نفسيا غير حقيقي بأنه عاد أقوى، لكنه الآن وبرغم كل الدعم الخارجي له الأقوى في التاريخ عاجز عن إعادة الوضع لما كان عليه قبل الثورة، وأظن أنه صعود الثورة وهبوط النظام البطيء سيستمر حتى نقطة التعادل، ثم تبدأ الثورة في الرجحان حتى تنتصر، ورغم ذلك ربما سيظل الوضع متذبذبا ويوحي كل فترة بعودة قوة النظام، لكنه إيحاء نفسي.