من منا يكره استلام الاسلاميين للحكم،؟ بل هدفنا هو تطبيق الاسلام في الانظمة القائمة على ارض الواقع. ثم من قال بان من عارض استلام الاخوان للحكم في مصر فقد عارض الاسلام أو ناصر البرادعي وصباحي الناصري ضرورة؟
اعتقد بأن هذا النوع من التفكير يعبر عن ضيق في الافق وعن نظرة سطحية للأمور بعيدة عن دراسة العمق.
فتأييدنا أو اعتراضنا على استلام الاسلاميين للحكم أو غيرهم مناط بقدرتهم على تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وأعظم المصالح للحياة الانسانية الكريمة هي المحافظة الضرورات الخمس (الدين، النفس، المال، العقل، النسل).
وبما ان الدول أو الانظمة الاسلامية لا يسعها إلا ان تقيم علاقاتها مع القوى العظمي الاخرى للإستفادة من خبراتها وتجاربها في مختلف مجالات الحياة، حيث ان الحكمة ضالة المؤمن اينما وجدتها فهو أحق بها، وحيث أقرّ الرسول صلى الله عليه وسلم التحالفات المبنية على النواحي الانسانية والاجتماعية التي تراعي حقوق الافراد وتدفع عنهم الظلم كما في موقفه صلى الله عليه وسلم من (حلف الفضول) في الجاهلية. فأن على الدول الاسلامية ان تختار من بين القوى الدولية الحالية ما يحقق هذه الاهداف النبيلة المنطلقة من مقاصد الشريعة لتقيم علاقاتها معها، ومن قال بأن على دولة الاسلام في هذا العصر قطع علاقاتها بالعالم فهو ضال مبتدع، داعية هدم للدولة الإسلامية أو أنه جاهل يردد مقولات المغرضين.
فإذا علمنا يقينا بوجود معكسرين اثنين أو قطبين اثنين قويين يتنازعان الامر لبسط السيطرة على العالم سواء بالزحف العسكري أم بالزحف الاستعماري الفكري أو بكليهما. فإننا مأمورون شرعا في الوقت الذي لا يمكننا أن نقطع علاقاتنا بالعالم أن نقيم علاقاتنا مع من هم اقرب إلينا في تحقيق الضرورات الخمس: (الدين، النفس، المال، العقل، النسل) ويضاف اليها العرِض. كما وجب علينا أن ندرك حقيقة نظرة المعسكرين لتلك الضرورات ومدى احترام كل منهما لها ومدى إعطاء كل منهما الحرية للشعوب في ممارستها والمحافظة عليها، وبدون ذلك فأننا سنعرض مستقبلنا للخطر المحدق.
هذا الميزان يجب علينا أن نتفق عليه ولا نختلف فيه، ومن رفض التحاكم الى هذا الميزان الموافق للشرع والموافق للاحتياجات الانسانية والموافق للقوانين والأعراف الدولية والمنظمات الإنسانية فقد ندّ عن الصواب وأبعد النجعة.
وعلى هذا، فإننا وبلا ريب ولا شك سنؤيد أي نظام اسلامي يقيم علاقاته مع الكتلة أو المعسكر أو القوة التي تعطي الشعوب الحق والحرية في ممارستها للضرورات الخمس والمحافظة عليها. وأننا سنعارضه إذا اقام علاقاته مع أي معسكر يهدم تلك الضرورات الخمس أو يحدّ من الحريات المطلوبة للمحافظة عليها.
بعد أن رضينا بالتحاكم لهذا الميزان الفصل والقاطع، علينا أن ندرس موقف كل كتلة سواء الشرقية أم الغربية من الضرورات الخمس، فان كانت تلك الكتلة تراعيها وتمنح الشعوب الحق والحرية بممارستها وتضع من التشريعات ما يحفظها للناس، فلا حرج حينها أن نقيم علاقاتنا معها. اما إذا كان امر تلك الكتلة يقوم على العكس من ذلك فلا يجوز لنا في حالة الاختيار التعامل معها مع وجود البديل الاصلح.
والحقيقة التي لا مرية فيها إلا لمن أشرب في قلبه الهوى، او خضع للتضليل الإعلامي، أن المعسكر الشرقي يهدم الضروات الخمس كلها، منها ثلاثة يهدما نصا وتطبيقا، واثنتين منها يهدمها تطبيقا في حين انه يصرح بالمحافظة عليها نفاقا. أما المعسكر الغربي فأنه لا يهدم الضرورات الخمس جميعها على اقل تقدير لا نصا ولا تطبيقا، علما بأنه في الواقع يحترم تلك الضرورات الخمس للحياة الانسانية ويحافظ عليها نصا وتطبيقا. ولمن أراد الاطلاع على الادلة عليه بمراجعة كتابي: [المنابر الاعلامية بين تجاهل الخطر الاشتراكي وظاهرة معاداة أمريكا].
وعليه: فمن ثبت له أو رأى أن نظام الحكم الاسلامي في مصر (الاخوان) قد بدأ مشوار التحول في علاقاته إلى المعسكر الشرقي (موسكو، الصين، ايران) جاز له معارضته أو وجب عليه، وكل بحسب يقينه في المسألة. اما من لا زال يؤمن بأن نظام المصري الجديد (الاخوان) بقيادة الرئيس محمد مرسي لا زال على علاقاته مع الغرب، جاز له تأييده أو وجب عليه، وكل بحسب يقينه في المسألة.
والحقيقة أن الرئيس مرسي قد بدأ مشوار نقل مصر في التعامل من المعسكر الغربي الى المعسكر الشرقي وإيران على الرغم مما ابداه الشارع المصري من معارضة لهذا السلوك.
اذن الحكم على الموضوع ليس من باب اسلام أو غير إسلام وحسب، فنحن نؤمن بأن جماعة الاخوان المسلمين هم من المسلمين بلا ريب، وأنهم يريدون مصلحة الإسلام والمسلمين، ولكن خلافنا معهم في تحالفاتهم الجديدة مع المعسكر الشرقي، وان ابدى مرسي بعض السياسيات الحالية أو التصريحات المرحلية التي يظهر منها انه لا زال مع المعسكر الغربي، ولكن الواعين لقناعات الاخوان يعلمون انهم ضد الغرب وضد سياستة، وأن الغرب بالنسبة لهم أخطر من الشرق على الاسلام والمسلمين، ويعلمون كذلك بأن الاخوان اقرب الى سياسة الشرق فتراهم يسعون للتحالف مع ايران وموسكو والصين في مختلف السياسات، وبهذا الامر سيكونون بمثابة جسر للشرق لضرب الضرورات الخمس للأمة الاسلامية عملوا بذلك أم جهلوه. وهذا الحكم لا يخص مصر لوحدها، بل لكل نظام قائم.
لهذا فلا معنى لمن يقول: إما حكم الاخوان في مصر أو الكفر، فهذه النظرة التكفيرية قائمة على الايمان بأن المجتمع المصري مجتمع جاهلي ما لم يُحكم بشرع الله. مذكرا ـ وهذا امر مهم جداـ بان التحالف الوطني المشكل للمحافظة على الشرعية قد ضم مع الاخوان احزابا يسارية تظاهرت بالإسلام لمقتضيات المرحلة، مثل حزب الشعب وحزب العمل، وتجمعات ماركسية أخرى مما يسقط وبشكل قاطع ان الامر محصور بين معسكر الايمان ومعسكر الكفر. لذا فان الموقف الواجب في المسألة تأييدا أو معارضة، يجب أن يدور مع الضرورات الخمس ومدى تحقيقها والمحافظة عليها من عدمه.
هذا والحمد لله رب العالمين.
3/7/2013