في عام 1956 قامت إسرائيل وبريطانيا وفرنسا بالهجوم الثلاثي على مصر نتيجة قيام جمال عبد الناصر الإشتراكي بتأميم قناة السويس قبل سنوات فقط من موعد انتقالها تلقائيا لملكية الحكومة المصرية، وقد نتج عن هذا الهجوم أن احتلت إسرائيل سيناء مصر، وفي ذلك الوقت قام الرئيس الأمريكي أيزنهاور برفض هذا الاحتلال وأجبر إسرائيل على الانسحاب رغم أنفها، وأمام هذه الخسارة، قرر اليهود أن يحاولو الاستفادة منها وتعويضها، وسنحاول في هذا الموضوع إظهار أوجه التشابه في التحليل السياسي بين هذه الحادثة وحادثة أسطول الحرية.
فقام رئيس وزراء الاتحاد السوفييتي بولغانين باعتبار أن الحكم الشيوعي هو حكم يهودي، قام بمحاولة قطف وتجيير هذه العملية لصالح روسيا الشيوعية، فخلع حذاءه على الطاولة في مجلس الأمن وهدد إسرائيل بأنها إن لم تنسحب فسوف يضربها عسكريا، مع أنها كانت قد انسحبت من قبل وانتهى الأمر، ولكنها عملية مسرحية لخداع الشعوب حتى تتعاطف مع الشيوعية، وعلى الفور بدأت معظم الصحف والإذاعات العربية واللتي تسيطر اليهودية العالمية إلى حد كبير عليها، بإعادة وتكرار “إنذار بولغانين .. إنذار بولغانين ..” في الصفحة الأولى وبالخط العريض ولعدة شهور والناس ينامون على إنذار بولغانين ويفيقون على إنذار بولغانين، وفي نفس الوقت قليلا ما يتم ذكر الحقيقة أن إيزنهاور هو الذي أجبر إسرائيل على الانسحاب.
ونتيجة لذلك اشتعل جو عاصف وكبير من التعاطف العربي مع الشيوعية، وقد أنستهم هذه الحادثة الدجلية، الحقائق الواضحة من قيام الاتجاد السوفييتي بإلقاء ثقله على مجلس الأمن من أجل التصويت على تقسيم فلسطين وتحويل الوطن القومي لليهود إلى دولة إسرائيل، نسي الناس كل ذلك، مع أنه لم يكن قد مضى على هذه الحادثة سوى تسع سنوات!! وقد أخبرني أحد الذين عاشوا أحوال تلك الفترة، أنه يعرف أناسا كانوا من أشد دعاة القومية فأصبحوا من أشد اعدائها وأصبحوا شيوعيين، وحتى أيضا بعض الإسلاميين حصل معهم نفس الأمر، كل هذا نتيجة قيام الإعلام بتضخيم شيء وإماتة شيء آخر.
فهل ما يحدث اليوم شبيه بما حدث بالأمس، هل حادثة أسطول الحرية هي لقطف لثمرة عملية السلام؟ التي رغم فشلها إلا أنها على الأقل قد كشف الوجه العنصري لإسرائيل، ولماذا هذه الحادثة جاءت في توقيت خاص في وقت زيارة نتنتياهو لأوباما الذي كان سيضغط عليه ليقبل بقيام الدولة الفلسطينية، فجاءت هذه الحادثة وأنقذته وأعطته وقتا ليخطط ويفكر، لماذا تم تضخيم حادثة الأسطول وأنها هي التي أدخلت العالم في مرحلة تاريخية جديدة؟ حيث أضحى هناك إجماع دولي على إدانة إسرائيل واتهامها بالعنصرية؟ فهل يُعقل أنه تم تحويل تفكير العالم 180 درجة هكذا ببساطة بين يوم وليلة؟
لماذا لا يتم ذكر الأمور من بدايتها؟ من بداية تناقص التعاطف والدعم الغربي لإسرائيل، منذ بدأت عملية السلام، في كامب ديفيد، وتدريجيا وببطء بدأ يظهر للعالم الوجه الحقيقي لإسرائيل، بسبب رفضها للسلام. ولماذا ننسى كيف تم اتهام إسرائيل بجرائم الحرب بعد حرب غزة في تقرير غولدستون رغم أن غولدستون يهودي!!، وتم إصدار قرارات قضائية بالقبض على مسؤولين إسرائيليين في بريطانيا، لماذا لا يتم ذكر كل ذلك؟
الحقيقة أن هذه المرحلة الجديدة كنا قد دخلنا بها ولا يعلم الكثيرون بذلك، أو لا يريدون أن يعلموا، وأزمة العلاقات الغربية الإسرائيلية تزداد كل يوم، وينكر ذلك الكثيرون ويعتبرونها عاصفة عابرة، إن إسرائيل كانت أصلا قد وصلت للهاوية، ولا سبيل لإنقاذها، وخاصة أن كثيرا من اليهود في الغرب بدأوا أيضا بالتململ منها، فهل تم إخراج هذه (المسرحية) من أجل إعطاء (شرف) إظهار عنصرية إسرائيل لغير أصحابه الحقيقيين الذين كافحوا وناضلوا في وجه التعنت الإسرائيلي الرافض لعملية السلام؟ فهل كانت هذه فعلا مثل حادثة بولغانين؟ ربما فهناك مؤشرات كثيرة تدل على ذلك، ولكن دعونا نتريث قليلا قبل الحكم النهائي.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.