كثيرا ما يقال بأن الشعوب تتحرك أو تتظاهر أو تثور عفويا من تلقاء نفسها، لكن هذا التوصيف بعيدٌ وغير دقيق، فالشعب بعامته لا يعي الواقع الصحيح بطبيعته الفطرية، وهو لا يسعى عادة لمحاولة فهم الواقع السياسي، فكل فرد في المجتمع لديه همومه واحتياجاته الخاصة التي تشغله، حتى مع وجود الدوافع الداعية لقيام تحرك شعبي مثل ثورة أو مظاهرة، فإن هذه الدوافع مهما عظمت تظل غير كافية لوحدها لحدوث تحرك شعبي منسق في وقت واحد، فهناك دوما ناشطين متخصصين بهذا الأمر من أصحاب فعاليات أو أحزاب أو نقابات، أو بعض الأفراد ذوي القدرة الحركية، وهؤلاء وجودهم ضروري.
فإذا كان الحراك الشعبي ناتجا عن استغلال بعض الأحزاب للدوافع والظروف، فهو ليس تحركا شعبيا عفويا كما يجري عادة في الثورات، بل تحركاً تحريضياً. أما إذا كان التحرك ناتجا عن قيام بعض أفراد غير حزبيين من صميم الشعب ويعيشون نفس ظروفه ولديهم قدرات حركية فطرية تواصلوا بها للتحرك بشكل عفوي وتحريك الشعب، فإن هذا الحراك وإن كان في ظاهره عفويا إلا أنه في الحقيقة تحريضي ولكنه أقل وضوحاً من التحرك التحريضي المستند إلى أصحاب الاجندات الثورية الخاصة. أما الاعتقاد بأن كل فرد من الشعب قد تحرك من تلقاء نفسه في وقت ومكان واحد، فهذا أمر مستحيل.
وهذا الحال ينطبق على كافة الظروف ومهما كان الناس يعيشون في حالة من الضغوط، وهكذا نفهم تلقائيا عند خروج أي حراك شعبي أن وراءه مدبرين، وفي حالة كون الشعب في حالة من الضغط فإن ذلك يسهل كثيرا إخراج الناس للتظاهرات، لكنه لا يخرجهم من تلقاء أنفسهم.
إلا أن المشكلة أن كثيرا من التنظيمات الحركية أصبحت تعمل على تشكيل خلايا أو تنسيقيات وخاصة على صفحات الانترنت تبدو شعبية محضة غير مؤدلجة، لكنها في الحقيقة تكن منظمة سرا، لتعمل على تجيير وقيادة التحرك الشعبي الكامن نحو الأجندات الخاصة لتلك الأحزاب، وليس لمصلحة الوطن أو الشعب.
ولذا يجب ألا نعتد كثيرا من الناحية العلمية التحليلية بما تميل إليه الجماهير في وقت معين، وبخاصة أنها عاطفية جدا برغم أن هذا مهم جدا ومعتبر عند السياسيين، لكن المحللين يجب أن يدققوا ما إذا كان هذا الميل الشعبي حقيقيا أم مصطنعا بواسطة الإعلام أو الإشاعات الرمادية أو غيرها.
وهذه القاعدة من المهم أن نعرفها لكي نضع في أذهاننا البحث دائما عن مصدر وأسباب أي حراك شعبي سواء في حالة كانت الضغوط حقيقية أم مصطنعة ومضخمة إعلاميا، وأيضا للبحث عن الجهات المدبرة والمنسقة للحراك والتعرف على هوياتهم وانتماءاتهم، من أجل فهم أعمق لطبيعة الحراك وتمييز أهداف الشعب المشروعة عن الأهداف الخفية للتنظيمات التي تركب الموجة. 9/4/2013