لقد عايشنا الموقف الأمريكي منذ بداية الثورة المصرية التي أطاحت بالرئيس مبارك، ذلك الموقف الذي كان يدعوه إلى سرعة التنحي وبإلحاح، وكنا حينها ولا زلنا نحمل تلك الالحاحات الأمريكية لقطع الطريق في الوقت المناسب على مخطط تدمير مصر وسيطرة القوى الظلامية في إيران على المشهد المصري من خلال حركة الإخوان المسلمين، أو عودة الناصرية لحكم مصر، ذاك الموقف القديم من الإدارة الأمريكية كانت له تأويلاته البعيدة عن الإدانة، ولا يزيد في أسوء حالاته عن موقف الشك أو التردد فيه.
أما الموقف الأمريكي الجديد الذي لا أجد له تأويلا سائغاً، هو ما وصفت به فيكتوريا نولاند المتحدة باسم الخارجية الأمريكية، قرارات الرئيس المصري الاخواني (مرسي) التي أطاح من خلالها بحكم المجلس العسكري من خلال إحالة وزير الدفاع وقائد الجيش المشير حسين طنطاوي إلى التقاعد، وغيرها من حزمة الإجراءات التي فُسرت بأنها قرارت ثورية اخوانية انقلابية، وصفتها بأنها ليست سيطرة إسلامية إخوانية. وأضافت “ما هو مهم بالنسبة لنا هو أن تعمل القيادتان المدنية والعسكرية معاً بشكل جيد للتحول الديموقراطي في مصر، والعمل لتحقيق مزيد من الانجازات لتأسيس برلمان ديموقراطي كامل، وكتابة دستور ديموقراطي، ومعالجة الحالة الأمنية في سيناء” أ هـ [الشرق الأوسط 15/8/2012].
هذا الموقف من الإدارة الأمريكية موقف غريب، حيث جمع بين متناقضين اثنين، الأول: هو حرص الإدارة الأمريكية على ترسيخ الديموقراطية في مصر، والحفاظ على أمن سيناء للحفاظ على أمن إسرائيل. والثاني هو: الاعتماد على حركة الإخوان المسلمين لتنفيذ هذه الرغبة الأمريكية!!!
فإذا كانت الإدارة الأمريكية لا تعلم حقيقة موقف الإخوان المسلمين ومن يقف من خلفهم -إيران- من الديمقراطية وأنهم يستخدمونها فقط كمرحلة اقتضتها الظروف لإحكام سيطرتهم على النظام برمته وإلغاء أثر الآخرين في صنع مستقبل مصر. وأنهم غداً سيتحرشون تحرشاً مصطنعاً بإسرائيل وبأمنها لاعطائها المبرر لإعادة احتلال سيناء، كما تفعل حاليا (حماس) في القطاع، فتلك مصيبة. وإن كانت تعلم ذلك فإن المصيبة أعظم. وهذا الأمر سواء أكان الأول أم الثاني، يدل على مدى الاختراق الأمني والسياسي من قبل فئات داخل الإدارة قد طبخت أدمغتها على نار هادئة، وبرمجت عن غير قصد باتخاذ مواقف ضد الديمقراطية وضد مسرحيات الحفاظ على أمن إسرائيل التي بها ستتذرع بالتوسع، أو أنها علمت ذلك كله وقصدته فالمصيبة بذلك تكن أعظم.
16/8/2012