المبادئ التي تقوم عليها السياسة الأمريكية (النصرانية):
لو دققنا النظر في هذه المبادئ لوجدنا أنها لا تناقض الإنجيل المتعبد به لدى النصارى، بل إن قلنا بان الأحكام والأنظمة والقوانين في أمريكا هي ذات بعد سياسي واقتصادي واجتماعي مبني على أساس لا يناقض العقيدة النصرانية. أو أنهم لا يحكمون بكل ما جاء به الإنجيل، على أقل تقدير لكان ذلك صحيحاً. وهذا ما أكده صاحب نظرية صدام الحضارات عالم السياسة الأمريكي “صامويل هنتجتون” الذي وصف بلاده بأنها ” أمة تحيا بروح كنيسة“.
ومن الأدلة على ما ذكرت كذلك ما نطق به الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى تأكيد إيمانه المسيحي، إذ قال أمام حوالي (3000) من الناخبين: وانه “يصلي كل صباح وانه رسم عناصر سياساته الاقتصادية وفقا لتعاليم السيد المسيح“. بل قال خلال المأدبة التي تقام سنويا بأحد فنادق واشنطن: “أستيقظ كل يوم وأتلو صلاة قصيرة وأقضي بعض الوقت في قراءة الكتاب المقدس”. [رويتر 2/2/2012]. وليس هدفي هو سرد الأدلة على أن السياسة الأمريكية لا تناقض الإنجيل من جهة، أو أنها تنطلق من روح الكنيسة فإن هذا البحث قائم بذاته وله مراجعه الخاصة. بل هي إشارات دالة على ما أردت فقط ولتكامل حلقات الموضوع بكل أمانة علمية وموضوعية لا تقبل التأويل الفاسد. وهذه المبادئ هي:
1- الديموقراطية في تداول السلطة.
2- التعددية السياسية.
3- الحريات الدينية.
4- حفظ حقوق الإنسان.
5- حرية السوق والملكية الخاصة.
هذه هي أبرز مبادئ الغرب النصراني الديمقراطي وعلى رأسه أمريكا، فهل هذه المبادئ توافق أم أنها تناقض المبادئ اليهودية القائمة على أساس التوراة والتلمود؟
المبادئ التي تقوم عليها السياسة الإسرائيلية (اليهودية):
ليس سراً إن قلنا بأن اليهود قد استحلوا الكذب على الله وعلى رسله وعلى أوليائه، فحرفوا الكتب السماوية بالكذب وهم يعلمون، أي عن قصد وسبق الإصرار، قال الله تعالى فيهم: (ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون). لذلك فإن معرفة حقيقة بعض التصريحات أو بعض الأفعال المخالفة لما استقر من أخلاق اليهود الذميمة وصفاتهم، يجب عرضها على العقيدة اليهودية كي لا نخدع بها أو نضل أو نزل كتلك الصادرة عن السياسة الإسرائيلية وزعمائها في معظمها.
فمن أبرز العقائد التي يعمل اليهود والصهاينة على تطبيقها هي حكم العالم تحت سيادة (ملك إسرائيل)، باعتبار أنهم شعب الله المختار، والأرض ملك لهم، والبشر بهائم خلقوا لخدمتهم. وهذه العقيدة التوراتية المستقرة في نفوسهم (المتدينين، والصهاينة، الاشتراكيين اليهود)، لا يمكن تطبيقها إلا بالإطاحة بالأنظمة السياسية والاجتماعية القائمة مهما كانت هويتها الدينية أو السياسية أو الاجتماعية والسيطرة عليها وحكمها، ثم تأميم ونهب مقدراتها وخيراتها وثرواتها لصالح الدولة، وحرمان أصحابها منها. هذه العقائد اليهودية التوراتية الثلاث، وهذا الهدف اليهودي لا يمكن تطبيقه إلا بالحل الاشتراكي، أو الشيوعي، (سمّه ما شئت). لذا فأن اليهود عبر التاريخ كلما استلموا الحكم، كانوا قد طبقوا جوهر النظرية الاشتراكية المعاصرة، كونها هي التطبيق العملي لتلك العقائد، وبغيرها لا يمكن تطبيقها. أما ما يفعله اليهود اليوم في إسرائيل من التظاهر بأنها دولة ديمقراطية تعطي الحريات الشخصية للآخرين، فان هذا الموضوع بحاجة إلى شرح قد يطول. ولكن مختصره أن للسياسة الإسرائيلية وجه وقفا، أي منافقة للرأي العام، وذلك لكسب التأييد الغربي من خلال إقناعه بأنهم هم المبشِرون للديمقراطية في وسط عربي ملأ الدنيا دكتاتورية وكراهية لليهود، هذا من جهة، ولتضليل الرأي العام خاصة العربي منه، من جهة أخرى.
وإلا ما معنى مطالبة زعماء إسرائيل هذه الأيام الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية إسرائيل، فإننا بمعرفة هذا المطلب الذي اضطر اليهود للتصريح به اضطراراً، نكون قد وفرنا على أنفسنا تقديم الأدلة على أن زعماء إسرائيل والصهيونية العالمية يسعون إلى إقامة إسرائيل على أسس توراتية تلمودية، ولولا ذلك لما أصروا على أن تكون انطلاقتهم لحكم العالم من فلسطين حسب ما نصت عليه كتبهم المقدسة. ولكنهم يسعون إلى إخفاء هذه الحقيقة خوفا من الفضيحة الإعلامية التي ستؤثر سلبيا على مستقبل دولة إسرائيل الكبرى، أو إسرائيل الصغرى الحالية. ثم إن إصرارهم هذا يُعدّ بمعنى آخر نوعا من الدكتاتورية وعدم قبول الآخر، أو قبوله بعد تصنيف مواطنته من الدرجة كذا وكذا، وهذا الموقف في حقيقته ضد المبادئ الديمقراطية التي يتبجحون بها، وضد دعواهم بقبول السلام مع العرب، وغير ذلك، ودليله الآخر أن إسرائيل لا زالت تحتل من الأراضي الفلسطينية من خلال زرع اليهود في مستعمرات جديدة كل حين من منطلقات توراتية، ما يؤكد نفاقها في الخطاب الإعلامي، إذ في الوقت الذي تعلن فيه بأنها لا ترفض السلام، وتسعى لنشر الحرية والعدل والديمقراطية، نراها تمارس ما هو نقيضه على ارض الواقع.
إذن بعد أن تعرفنا على حقيقة المبادئ التي يقوم عليها الغرب النصراني الديمقراطي التي كما قلنا بأنها ليست فقط لا تعارض الإنجيل، بل إنها توافقه باعتبارهم ” أمة تحيا بروح كنيسة“. كما قال ذلك فيهم صاحب نظرية صدام الحضارات عالم السياسة الأمريكي “صامويل هنتجتون”. وتعرفنا كذلك على حقيقة العقائد اليهودية القائمة على أنهم شعب الله المختار، وأن الأرض ملك لهم، وان البشر عبيد وخدم لهم، بقي علينا أن ندرك بأن العقائد والنظرات السياسية اليهودية تتناقض مع تلك التي قد بنى عليها الغرب سياسته ونظرته للواقع والحياة. كيف ذلك؟؟