من أين أُتيَ (الأخوان المسلمون)؟

 

هل أُتيَ (الأخوان المسلمون) من الغرب أم من الشرق، أم من غير ذلك؟

أقول: لا زلت أتذكر ذلك اليوم قبل حوالي العقد من الزمن، حين خرج مناصري الإخوان من مسجد عبدالرحمن بن عوف في صويلح في مدينة عمّان، وقاموا برشق الأجهزة الأمنية المتواجدة في الموقع بالأحذية، فضلا عن الهتافات، فقلت حينها: بأن ثمة مرحلة جديدة واضحة المعالم قد بدأت تتشكل في موقف الإخوان المسلمين من النظام الأردني. ومن خلال دراسة الماضي نتعرف على الواقع الحالي.

فقد كان الإخوان المسلمين منذ تأسيس الدولة الأردنية وهم يقفون بجانبها، ويدافعون عنها ضد أعدائها الماركسيين، بل لقد ساهموا بالأخص في العمل على إحباط الانقلابات اليسارية التي استهدفت الأردن قبل عام 1970 من القرن المنصرم.

في تلك المرحلة الأولى من عمر النظام الأردني، بات من الملاحظ جدا التحالف بين النظام والإخوان ضد الماركسيين. فقد عبر الملك المؤسس رحمه الله تعالى عن ذلك بعرضه السخي على الإمام حسن البنا رحمه الله أن يأتي معززا مكرما للعمل في الأردن. كما فعل مثله بعد ذلك الملك الراحل الحسين رحمه الله، حين دعا الإخوان في الستينات إلى تشكيل الحكومة.

إذا علمنا ذلك وغيره، أدركنا بأن مسيرة موقف الإخوان من النظام الأردني قد بدأت بالتغيّر منذ عقود خلت لعدد من الأسباب أدت بهم للتحالف مع الماركسيين (الشيوعيين والاشتراكيين) العدو التقليدي للنظام والشعب الأردني ـ بل وللإنسانية برمتها ـ في مجمل السياسات الداخلية والخارجية في الأردن. حتى إنهم مع الماركسيون أخذوا يعدّون البيانات والنشرات والمواقف السياسية المناكفة للنظام الأردني والمعارضة له سوية.

إذن فقد تدرج الإخوان في موقفهم من النظام الأردني من المدافع عنه ضد اليسار الماركسي، إلى مرحلة التحالف مع اليسار ضده. وهذه المرحلة ستتلوها مرحلة أخرى مخيفة قد بدأت ملامحها تلوح في الأفق، وهي مرحلة انتزاع السلطة باستخدام القوة، فقد رأينا بعض المشاهد مما يبث الريبة، وخاصة بعد ظهور مليشيات الإخوان في شوارع الأردن تناظر في مشهدها الاستعراضي مشهد جنود حزب الله في لبنان ومليشيات حماس في فلسطين، بل وبعضهم كان يحمل نماذج كرتونية من الصواريخ، وكلاشنكوف بلاستيكي، في مظهر واضح الدلالة، رافقها تصريحات أوضح من بعض قياداتهم بأن الخطوات القادمة ستكون أكبر.

وبلعودة إلى عنوان الموضوع، وإذا علمنا بأن السياسة الأردنية تقوم على الصداقة للغرب لا العداء له، فإن الإخوان المسلمين كانوا في انسجام بدفاعهم السابق عن الأردن مع هذه السياسة الصديقة للغرب، وإن كانت حينها بذور تغيير الموقف من هذه السياسة قد غرست فيهم، ولكنها لم تصل إلى الحد الكافي، الذي وصلوا إليه فيما بعد، حتى رأوا بأن المصلحة تكمن في التحالف مع اليسار وضد النظام.

فما هو سبب الانقلاب الفكري الذي طرأ على الإخوان؟

هل هو بسبب تغيير السياسة الأردنية الصديقة للغرب؟

الجواب: لا، لأن الأردن لا زال على موقفه القديم من الغرب.

أم هو بسبب التغيير الحاصل في طبيعة فكر الإخوان المسلمين؟

وما هي طبيعة هذه التغيير، ومن يقف خلفه؟

فلو كان الإخوان مع السياسات الغربية كما يظن البعض. لبقوا مع السياسة الأردنية.

ولكنهم خالفوا السياسة الأردنية من جهة، ووافقوا مواقف الماركسيين من السياسة الأردنية من جهة أخرى.

إذن كيف استطاع الماركسيون برمجة الفكر السياسي لدى الإخوان فحولوهم من أصدقاء للنظام الأردني إلى معارضين له، مع العلم بأن الكثيرين من الأردنيين أحزابا وأفرادا قد تحولوا كالإخوان بموقفهم من النظام الأردني كذلك، كالتحريريين، وبعض السلفيين ممن يطلق عليهم (السلفية الجهادية)، وتنظيم القاعدة؟

وهذا هو احد أسرار البرمجة الفكرية التي تقف خلفها المنظومة الصهيونية الهادفة إلى تجييش الرعاع ضد الأنظمة السياسية والاجتماعية القائمة المستهدفة تمهيدا لإسقاطها، من خلال بث سلسلة طويلة من أساليب الحرب الثورية الماركسية.

Scroll to Top