ربما لأن هيئة التنسيق التي أسقطها الشعب السوري الثائر كانت تدعي أنها ضد الطائفية بصورة مبالغ فيها إلى درجة تذويب الطوائف تماما، فقد أصبح عند البعض ردة فعل معاكسة، وأصبح ينادي بأفكار طائفية متطرفة، لكن فكرة لها وسط وطرفين، عادة يكون الوسط هو الأقرب للصواب، أما كل طرف فهو يؤدي إلى نتائج فاشلة وسلبية.
بالمقابل فإن انتشار دعوات وأفكار تنظيم القاعدة وحزب التحرير الطائفية تعطي للنظام ذريعة -خاصة بوجود تواطؤ إسرائيلي ودولي- ليحصل على شرعية الاعتراف بإقامة دولة علوية بحجة حماية طائفته من الإرهابيين وتنظيم القاعدة الطائفيين.
إن فكرة الطائفية هي خطأ في كل زمان ومكان، وللعلم… فحتى في زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما طرد بعض اليهود وأعدم بعضهم في المدينة، لم يكن الأمر بسبب طائفي مثل ما تدعوا إليه أفكار تنظيم القاعدة، وإنما كان بسبب خيانتهم وتآمرهم، كما كان طردهم وإعدامهم بعد محاكمتهم مع استثناء كل بريء منهم، ولم يكن الأمر بسبب أنهم يهود، بل بسبب الخيانة والتآمر.
بمعنى أنه حتى في زمن عزة الإسلام كان لا وجود للطائفية ومنهاج تنظيم القاعدة، فلا إكراه في الدين، وحقوق اليهود كانت مكفولة في وثيقة تأسيس دولة المدينة، ومما جاء فيها “وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ، إلا نفسه وأهل بيته” كما ذكرت بالاسم أن لكل قبيلة من اليهود نفس ما لبني عوف.
إن النظام البعثي في سوريا ليس نظاما علويا، بل هو نظام حزبي بعثي اشتراكي يتبع لروسيا بشكل غير مباشر، وإن كل نظام اشتراكي أو شيوعي في التاريخ قد استغل الاقليات، فقد استغلوا الأقلية العربية السنة في العراق وجعلوهم يؤمنون بأنهم هم من يحكم، واستغلوا الأقلية العلوية في سوريا وجعلوهم يؤمنون أنهم هم من يحكم، واستغلوا الاقلية السوداء في زنجبار وأقنعوهم أنهم هم من يحكم، وهكذا يحصل تقريبا في كل بلد يحكمها الشيوعيين أو الاشتراكيين.
أما من يقول بأن كل كوادر القيادات الحزب البعثية مهمشة، فهذه أكذوبة بعثية أخرى لتتمة الخدعة وللزعم بأن الاشتراكية بريئة، ألم نرَ الآلاف من الشبيحة البعثيين وأعضاء أحزاب الجبهة الوطنية من كل الطوائف يضعهم النظام في الساحات والمساجد الكبرى في دمشق يوم الجمعة بحسب التسريبات؟ ولماذا تستميت روسيا وريثة الشيوعية إلى هذه الدرجة في الحفاظ على النظام؟ كما أنها هي المتحكمة الحقيقية به عبر توريد الأسلحة التي هي شريان الحياة للنظام، كما أن كثيرا من العلويين هم ضد النظام، فقد استغل بعضهم وجعلهم حميرا ليركبها.
إن نظام صدام البعثي الذي استخدم الطائفة السنية، قد قام بنفس هذه المجازر ضد أي معارصة سواء من الشيعة أو الأكراد أو السنة، وكان قد قضى تماما على جماعة الإخوان المسلمين في العراق وقضى على كثير من علماء أهل السنة قبل أن يذهب الإخوان السوريين للتحالف معه في الثمانينات، كما أن أي دولة حكمها حزب اشتراكي أو شيوعي مثل عبد الناصر في مصر ارتكبت مثل هذه المجازر مع أنه لا وجود للعلويين ولا للشيعة في مصر، وأيضا في ليبيا الاشتراكية الإجرامية بقيادة القذافي لم يكن فيها طوائف شيعية.
من جانب آخر فإن أي علوي غير متشدد من الممكن أن لا يكون مشاركا في الجرائم، ولكن آلة النظام الإعلامية أثناء الثورة قد أقنعت كثيرا من هؤلاء بالوقوف ولو كلاميا مع جرائمه، ورغم ذلك لا زال هناك علويين معارضين رغم أنهم علويين ولكن لأنهم غير طائفيين وغير متشددين دينيا.
هذا الكتاب في هذا الرابط يتحدث عن تسنن كثير من القرى العلوية غير المتشددة في الخمسينات، وفي هذا أبلغ دليل ما أقول.