أبو الفداء المهاجر
تستمر الثورة السورية المباركة في تحديها للنظام الفاسد، وهي تقدم مواكب الشهداء يوماً بعد يوم وقد مضى عل مسيرتها قرابة عشرة أشهر ، يزداد معها عدد المتظاهرين والثائرين ، وتعلو هتافات الحرية في كل مكان على أرض سورية الحبيبة ، وثمة عوائق موضوعية لا بد من التنويه لها تحاول فاشلة وقف زخم التيار الثوري الجارف ، وتأخير يوم النصر العظيم ، منها : ما هو داخلي ، ومنها ما هو خارجي ، ويأتي في مقدمة هذه العوائق :
1- إثارة نظام بشار الأسد للنعرة الطائفية النتنة ؛ ليبرر قمع الثورة مع التخويف من التيار الإسلامي وإيهام الطائفة العلوية ، بأن أهل السنة الغالبية سيذبحون العلويين عن آخرهم ، انتقاماً لما حصل في ثمانينيات القرن الماضي في عدد من المدن السورية على رأسها مدينة حماة عام 1982م ، وغرضه من ذلك حشد الطائفة العلوية وراء النظام الذي بدأ يتعرى وينكشف على حقيقته أمام العالم ، وهذه فرية عظيمة ؛ لأن الحكومة القادمة – إن شاء الله – وبعد انتصار الثورة السورية الديمقراطية الممثلة من كافة الأطياف الوطنية, سيكون من شأنها محاكمة القتلة وفق القانون, وليس طرفاً أو حزباً أو جماعة أو طائفة , أتدرون لماذا ؟ لأن النظام حارب الشعب كل الشعب فمعركته مع النظام الاستبدادي وليس مع الطائفة، نعم سيأخذ العدل مجراه، ولن يؤخذ الإنسان بجريرة غيره فلا يصوب الخطأ بالخطأ وإلا كنا متساوين في الجريمة , فكل امرئ بما كسب رهين ، وبكل ما أجرم رهين ، وبكل ما أفسد وسرق ونهب واغتصب ودمَّر رهين ، ولن نكون ظَلَمةً كنظام بشار وأسرته الفاسدة ، ومبدؤنا قوله تعالى : (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) .
– لقد التهبت حناجر الثوار وأكفهم وهم يلهجون ويهتفون بنبذ الطائفية في كل شوارع سورية (واحد واحد واحد الشعب السوري واحد) تمتينا للوحدة الوطنية , وليس هناك من يذكر الطائفية إلا النظام الفاسد عبر أبواقه الإعلامية الكاذبة ،ولقد دأب النظام عبر المطبلين له والمزمرين أن يثير نعرات عدة:
مابين الطائفة العلوية والطائفة السنية .
مابين الريف والمدينة .
مابين العرب والأكراد .
وجميــعها لم ولن تفلـــح .
فالوعي الثوري الديمقراطي أسقط كل هذه النعرات والمراهنات وسما عليها , ومضى في ثورته المباركة.
– إنها ثورة وطنية ديمقراطية خالصة لا تعرف التمييز على أساس قومي أوديني أو طائفي ، ونريد أن ننوه هنا إلى أن سوريا لم تعرف الطائفية في تاريخها قبل مجيء حافظ ومن بعده بشار ، فقد كان العلويون يشاركون في الحياة السياسية وبفعالية، ولهم أعضاء وتمثيل في البرلمان ،وكان ذلك منذ بداية الاستقلال 1946، بل كانت الطوائف الأخرى ومنها السنية تساهم في نشر العلم والتعليم في أماكن تواجدهم بعد الاستقلال ولسنين طويلة ، وإلا قل لي بربك : من أين أتى هؤلاء المثقفون والأدباء والشعراء والكتاب والأطباء من الطائفة العلوية ؟
– وهنا نناشد أبناء الطائفة العلوية إلى ضرورة نبذ الاصطفاف الطائفي وراء بشار المستبد ؛ كونه زائلا لا محالة وسيسقط معه كل الداعمين له، وسيبقى الوزر على الطائفة كبيراً إن شاركت في القتل والإجرام ، وليس هناك من نظام أو رئيس يبقى إلى الأبد ، المستبدون يذهبون والشعوب تبقى , هذه هي سنة التاريخ الحتمية .
2- تخويف العلمانية المتطرفة المنطوية على أفكارها ومنظومتها الثقافية للمواطنين من صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم بعد انتصار الثورة ، حيث أن الفزاعة الإسلامية هو ادعاء يروج له النظام ليحتشدَ وراءه كل العلمانيين ومدعي القومية الصافية – وليس القوميين الشرفاء – ليساهموا بذلك في إطالة أمد بقاء النظام وقمعه للشعب السوري ، وهذه أشد من سابقتها بهتاناً ، إذ إن الإسلاميين لا يشكلون قوة سياسية كبيرة من الشعب السوري , وإن كان الشعب السوري متدينا عموما يحب الإسلام ويعتز به وثانياً لن يأتي إلى سدة الحكم إلا من اختارته صناديق الاقتراع (أليس الصندوق هوالحكم !)، فخيار الشعب السوري هو المقدس الأول ، والإسلاميون وإن نجحوا فلن يستطيعوا أن ينهضوا بهذه المهمة بمفردهم ، كما لا يستطيعه غيرهم حيث إن ماخلفه النظام يحتاج جهود الجميع وعليه فإن ائتلاف القوى الوطنية – دون استثناء – هو مدخل العملية الديمقراطية الضامنة للحرية والعدالة .
إن الإخوان المسلمين في سوريا – ومنذ سنوات – قد طرحوا مشروعهم الوطني الحضاري والديمقراطية عنصر أساسي من عناصره , وعلى الأطراف المتوجسة منهم – أو ممن يحملون قريباً من هذا الفكر – أن يقرؤوا رؤيتهم على الشبكة العنكبوتية (النت) ؛ ليطلعوا على منهجهم ، وأن يتجنبوا التخويف منهم دون أدلة ملموسة ، إن التأكيد على التخويف من هذه الأطراف الإسلامية ما هو إلا فزاعة وإشاعة يبثها النظام من خلال وسائل إعلامه ، محاولةً منه لإطالة أمد بقاء النظام بحسن أو بسوء نية وللأسف فإن البعض ممن قست قلوبهم وتحجرت أدمغتهم من الحزب القومي السوري الاجتماعي ، يساهمون بوقوفهم إلى جانب النظام – الآن- في قتل الشعب بامتياز ، ويشتركون مع النظام بآلة قتل من نوع آخر ،ألا وهي تزوير الحقائق ، والتغاضي عن القاتل وتبرير إجرامه وسفكه للدماء وانتهاكه للأعراض ، ألا فلْيَعد هؤلاء العلمانيون المتحالفون والقوميون الشوفينيون إلى رشدهم ولْيُخففوا من غلوائهم ، ولْيُناصروا الشعب المظلوم ، ولْيَعودوا إلى الوطنية الجامعة: ((ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى)) فلا تحملنا عداوتنا للآخرين على أن لا نعدل فيهم ؛ لأن العدل هنا هو الأصلح والأصوب ، ولْـنتحلَّ بمبدأ شرف الخصومة ، فلا يلغي الواحد منا الآخر ولا يقصيه أو يهمشه ،فهذا هو الطريق الأقرب إلى خلاص الوطن من الاستبداد والخراب.
3- التحالف المشين والسافر ما بين بعض تجار حلب وبعض تجار دمشق مع أركان السلطة من ضباط أمن وعسكريين كبار ، أو متنفذين كمخلوف ، وهي شراكة بعيدة المدى ما بين القطاع الخاص النهاب وأولئك من القلة المتنفذة ، لقد بلغت البرجوازية السورية الطفيلية الحالية في خستها ونذالتها في تحالفها مع النظام ما لم تبلغه في أي مرحلة من تاريخ سوريا ، فتجار سوريا في العهد الفرنسي كانوا هم أكب الداعمين للثورة السورية ضد المستعمر الفرنسي ، بينما هؤلاء المتاجرون بمصالح الشعب يتحالفون مع نظام قاتل مجرم يرتكب كل المحرمات في سبيل البقاء .
لقد غدا هؤلاء التجار (المافيا) العقبة الكؤود يمتلكون الملايين بل المليارات ، وراحوا يقتاتون على دماء الشعب السوري ، وراح أسيادهم يتحايلون على القانون ؛ ليمرروا لهم الصفقات ، نقول لهؤلاء: إن حساب الشعب لهم سيكون عسيراً، ولن يرحمكم التاريخ ، ولات ساعة مندم ؛ لأن الثورات عندما تنتصر لا ترحم وبالذات المنافقين والسارقين والمتملقين فأنقذوا أنفسكم قبل فوات الأوان وانضموا لثورة الشعب .
4-المؤسسة الدينية الرسمية : وهي العائق الأخطر الذي يوظفه النظام السوري في طريق الثورة حيث يساهم علماء السلطان ، الذين يلوون أعناق نصوص الدين بتفسيرات تلتقي مع أهوائهم ومصالحهم ، ويُسَوِّقون لبقاء نظام معادٍ للدين ولثقافة الأمة أصلاً ، أو أنهم خائفون مرتجفون من قمع أسيادهم لهم ، إذ إن عليهم أن يدفعوا ضريبة الآن ، بعد أن ملؤوا كروشهم وبيوتهم بالمال الحرام المسروق من أموال الشعب كالبوطي وحسون وأنس الشامي ومحمود السعيد ومحمد أبو الفتح البيانوني ، أولئك الذين يزيفون حقائق الدين البديهية ، ويصدرون الفتاوى التي تناصر الظالم ، وتقف إلى جانبه بكل قوة ضد المظلوم المستضعف ، فهل هؤلاء حقاً هم ورثة الأنبياء ؟…… ما هم إلا ورثة المال الحرام و الحرام فقط .
نقول لهؤلاء الظلمة من علماء السوء : بالله عليكم كيف ترضون بإزهاق الأرواح التي حرم الله قتلها إلا بالحق ؟! بل كيف تدعمون نظاماً يشتم الدين ، ويحرق المصاحف ، ويقصف المآذن ، ويقتل الناس بالجملة ، ويعتدي على النساء ويغتصبهن ، ويقتل الأطفال ، ويحارب كل القيم والمثل التي يدعو إليها الدين الحنيف ؟! بل كيف تقبلون على أنفسكم أن تكونوا مدافعين عن الظلمة والله يقول لكم : ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار )
– إن دور العلماء ليس بالجلوس في التكايا وتمجيد السلطان والخضوع للرغبات والأموال ، إنكم حقاً ورثة التحميد والتمجيد للسلطان الجائر على حساب شعب مظلوم , حتى متى تظلون تسبحون بحمد السلطان وتتلقون منه الأوامر ؟ عودوا إلى رشدكم ، وليكن دوركم كالعز بن عبدالسلام وعبدالرحمن الكواكبي ، ودور علماء الدين الشرفاء ضد الانتداب الفرنسي الذين عرفهم تاريخ سورية القديم والحديث ، تباً لكم من علماء ضلوا على علم فأضلـُّوا .
تغاضي المجتمع العربي والإقليمي والدولي عما يحدث في سوريا من إجرام وعلى رأسه أمريكا التي تدعي نصرة الشعب السوري ، وما تصريحاتها إلا من قبيل ذر الرماد في العيون ، والشعب السوري يدرك ذلك ويعرف أنها تكيل بمكيالين، بل ل أن هناك بعض الأنظمة عربية التي تدعم النظام السوري أمنياً واقتصادياً وسياسياً .
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند
إن أمريكا والمجتمع الغربي عموماً يسكتون عن هذه الجرائم حفاظاً على الكيان الصهيوني ، وإن إسرائيل لن تجد نظاما ً أفضل من نظام بشار وأبيه من قبله في الحفاظ على دولة اليهود، وإن تباطؤ المجتمع الدولي في نصرة الشعب السوري كارثة إنسانية يساهم فيها كل من وقف إلى جانب الجزار وعلى رأسها روسيا، التي غدت مصانعها تضخ للنظام أدوات القتل والجريمة ، والشعب السوري لن ينسى لها هذه المشاركة القذرة في قتله ، وما موقف بعض الدول في الجامعة العربية ومهلها التي راح ضحيتها 2500 شهيد إلا بإيحاءٍ من أمريكا لهؤلاء بتسويف الحل ، لعل النظام يكسر شوكة الشعب السوري البطل وتَسْلم إسرائيل في المستقبل ، لكن دونهم خرط القتاد، فلا عودة إلى الوراء مهما التهبت الجراح وارتقى الشهداء وعظم المصاب .
6-الخائفون والمترددون من بعض مكونات الوطن كالدروز الأكارم الأوفياء والشراكس الفرسان والأكراد الشجعان والمسيحيون والعلويون الشرفاء والواقفون على الحياد ممن ضعفت قلوبهم ، أو مازالت في نفوسهم بذور شك مفتراة في نزاهة هذه الثورة الأبية ، بثها النظام في قلوبهم وعقولهم عبر وسائل الإعلام الكاذبة ، ويؤسفنا ضعف مشاركة الطائفة العلوية ، علماً أن بعض هذه الطوائف تشارك في ثورة العزة غير أن مشاركتهم ضعيفة وغير شاملة مع احترامنا لنضالات البعض منهم ، ولعل بعضهم ما زال ينصت لنظام الكذب, ويخوف الأقليات والطوائف من بعضها لتصطف وراءه ، مدعياً أنه يحميها ويرفق بها ، متبعاً سياسة فرق تسد ، وأنه إن زال فستجرفها الطائفة الأكبر في الوطن وهذا ادعاء لا صحة له ، إذ إن سورية لم تكن تعرف هذه التفرقة قبل مجيء الطائفيين للسلطة كحافظ المقبور وبشار الطاغية والثورة ذاهبة – بعون الله – لإقامة نظام ديمقراطي تعددي وبناء الدولة الوطنية المدنية التي تتسع لجميع التيارات الفكرية والقوى السياسية .
7-وقوف النظام الإيراني و حزب الله إلى جانب النظام ، هؤلاء الذين يَدَّعون المظلومية للحسين والتي يتباكون عليها ليل نهار، ويشقون عليها الجيوب ، ويسيلون عليها دماءهم وقد مضى عليها مئات السنين ، ولكن عميت أبصارهم وقلوبهم الطائفية عن مظلومية الشعب السوري ،ترى هل هذا هو الحقد الطائفي ؟ أم الكيل بمكيالين ؟ أم أن الشعب السوري ليس أهلا للنصرة , إن نظام الملالي يمثل عائقا كبيرا أمام تقدم الثورة من خلال دعمها المتواصل للنظام ماليا عسكريا ً ومخابراتياً ومشاركةً في الإجرام ، عبر تزويد سوريا بكل ما تحتاجه من وسائل لقتل وقمع المظاهرات ، والتجسس على الهواتف النقالة ، والمشاركة في التعذيب والتحقيق في أقبية السجون ، وتسهيل دخول المرتزقة من كتائب الموت لمقتدى الصدر , وفيلق القدس الإيراني القناص إلى سورية عبر الحدود العراقية ؛ للمشاركة في قتل وقمع الشعب السوري ، نقول لهؤلاء جميعاً إنها ثورة شعب وليست ثورة فئة أو طائفة أو حزب أو جماعة ، ونحن عرب نعتد بعروبتنا ومسلمون نعتز بإسلامنا وسوريون نعتز بوطنيتنا ولا نخضع لملالي طهران الحاقدين ولا لأية ضغوط ومؤامرات .
8-الموقف التركي المتذبذب بين المبادئ والمصالح والذي يتقدم خطوة إلى الأمام – في نصرة الشعب السوري- ويتراجع خطوات تارة أخرى , إن نصرته مازالت مجرد تصريحات ولم تترجم إلى الواقع في شيئ، إن موقفه غير واضح ، وما زال متأرجحا بين المصالح و المبادىء ، ويبدو أن تركيا تتوجس خيفة من إيران التي تقف على الجانب المؤيد للنظام السوري ، وتخشى الصدام معها خوفا على مصالحها ومكاسبها الاقتصادية الناهضة؛ فتشتعل حرباً طائفية واسعة النطاق ؛ لذا فإن على تركيا أن تسعى إلى غطاء دولي يمنع إيران من تدخل عسكري ظاهر في القضية السورية ، باعتبارها قوة إقليمية موازنة ، وإلا فإن تركيا ستظل تراوح في مكانها حتى يهلك الشعب السوري .
9- الجامعة العربية ونأمل ألا تكون إحدى هذه المعوقات التي تقف حجر عثرة في طريق الخلاص من هذا النظام المجرم الفاسد , وإن كانت كثيرا من المؤشرات تنبئ بعدم نزاهتها لسببين : أحدهما أن كثيرا من أفراد بعثة المراقبين مبتعثين من دول موالية للنظام على أساس طائفي كلبنان والعراق , والتي تمد النظام بالأسلحة وأدوات القتل والمرتزقة أو أنها تدعي الحياد وهي تقف إلى جانب النظام كالسودان وبعض الأنظمة المستبدة التي تمد النظام السوري وتدعمه خفية ، ولا ندري على أي خلفية أو غباء يفعلون ذلك ؟.
وأما السبب الثاني فهو افتقار المراقبين للمهنية والتدريب وأدوات التصوير والرصد والمتابعة ونخشى أن نشتم منها رائحة الخيانة والمؤامرة على شعبنا المقهور بعد سماعنا لبعض تصريحات رئيس البعثة (الدابي) .
إن الشعب السوري الذي ذلل الكثير من العوائق لقادر – بإذن الله – على تذليل ما بقي منها وهو ماضٍ إلى الأمام لا يهمه من عاداه ولا من خالفه فلن ييأس, ولن يستسلم , ولن يركع , وستبقى إرادة الشعب السوري أقوى من كل العوائق والمنتفعين والمتآمرين، لا عود إلى الخنوع , لا عود إلى الذل , لا عود إلى الوراء , وسنظل نردد مع الثائر أبي القاسم الشَّابّي :
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولابــد لليل أن ينجـــــــلي ولا بــد للقيد أن ينكسر
(( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون )) .