عبر الروس عن مواقفهم السابقة من القضايا الدولية خاصة في ليبيا بأنها أخطاء يجب تلافي تكرارها، إن الفكرة المنتشرة عن روسيا أنها تبيع حلفاءها وتساوم على أعلى ثمن من المصالح، هي فكرة قد تكون صحيحة نوعا ما في مرحلة الضعف بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، لكن روسيا الآن أصبحت أقوى كثيرا وهي في اتجاه صاعد، وقد صرح بوتين بمناسبة الذكرى العشرين لسقوط الاتحاد السوفياتي عن حزنه عليه معتبرا أنها أكبر كارثة جيوبوليتيكية في القرن العشرين، وقرر تأسيس الاتحاد الأرواسي الجديد بدلا عنه، فهل هذه الدولة الكبرى تبدو بصدد التخلي عن حلفائها الاستراتيجيين وتدعوهم للتنحي؟
إن فكرة زيارة المجلس الوطني السوري إلى موسكو لمحاولة إقناعها بالتخلي عن بشار ودعوته للتحني عن الحكم بطريقة سلمية من أجل الحيلولة دون مزيد من إراقة الدماء والتدخلات الدولية، هي فكرة جيدة من حيث المبدأ وهي محاولة لا بد من القيام بها رفعا للعتب، لكن يجب أن نرسخ في الأذهان أن روسيا لا يمكن أن تقبل بدعوة بشار لتنحي سلميا حتى لو أمّن المجلس الوطني لها مصالحها، إنها لا تقبل إلا إذا أصبح هذا المجلس الوطني عميلا وحليفا استراتيجيا لها بدلا عن بشار، لكن هذه الثورة شعبية ولم تعترف بالمجلس ممثلا لها إلا بشرط القبول بمطالبه الكاملة، وعلى رأسها أن يكون المجلس معبرا عن إرادة الشعب لا عن إرادة القوى الأجنبية أو الإقليمية.
لنتذكر رفض روسيا التدخل الدولي لحماية المدنيين في البوسنة والهرسك وكوسوفو رغم المجازر المهولة بمئات الآلاف، ورغم أنها كانت في مرحلة الضعف، ولنتذكر تصرفها وكأنها الاتحاد السوفياتي السابق بإقدامها قبل فترة على احتلال جورجيا ومعاقبتها على منع اوسيتا الجنوبية من الانفصال عن جورجيا، هل هذه الأحداث التاريخية غير كافية لتوقع مواقف روسيا؟ ألم يقل الروس إنهم قد خدعوا بقرار مجلس الأمن حول ليبيا بأنه فقط لحماية المدنيين؟ فوجدوا أن حماية المدنيين تؤدي لسقوط حليفهم ملك ملوك إفريقيا، ألم يستمروا في اتهام الناتو بتجاوز الصلاحيات المسموحة رغم أنه كان بطيئا جدا في قصفه؟
أقول للمرة الألف، إن الغضب السوري والعربي من روسيا يجب أن يستمر للأبد، وإنه يجب قطع أي مصالح أو علاقات لسوريا الجديدة مع روسيا عدوة تحرر الشعوب، والتي طالما خدعتنا بشعاراتها الكاذبة الدجلية بدعم تحرر الشعوب، إن هذا النظام الروسي الديكتاتوري هو وريث النظام الشيوعي الستاليني، ويعمل بطريقة جديدة للوصول لنفس الأهداف بالسيطرة على العالم وإخضاعه وقهر شعوبه، إنه احتلال أيديولوجي أشد وأقسى من الاحتلال الغربي، وروسيا مصممة على دعم بشار حتى النهاية، وتدعم محاولة تفجيره للمنطقة ومستمرة في تصدير الأسلحة إليه، لأنه بسقوط النظام السوري خسارة لروسيا وإيران تعادل خسارة بشار وعصابته.